رأي الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل |
أما الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل فقد قال عن شاعرية الرفاعي "فليكن من شعراء الواحدة" جاءت هذه الجملة عنواناً لمقال نشر له في جريدة الجزيرة الصادرة بتاريخ 8/5/1414هـ وورد في المقال ما يلي: |
"لأبي عمار عبد العزيز الرفاعي – يرحمه الله تعالى – شعر نشرته الصحافة قديماً، ثم شغلته أعباء العمل الرسمي ومتابعة الكتاب، والمجالس الأدبية، والاتصالات برجال القلم والرحلات عن التفرغ للشعر، وقد رأينا أدباء تبحروا في العلم والبحث فضعف شعرهم أو قلَّ من أمثال ابن حزم الفقيه، وآخرين تفرغوا للشعر فكانوا شعراء من أمثال البحتري والمتنبي، ومع أن منتدى أبي عمار كان أدبياً، وكان أمتع ما يطرح فيه الشعر فقد كان يأبى أشد الإباء أن يُسمِعَ شيئاً من شعره، ويأبى أن يوصف بأنه شاعر. |
ولو لم يكن أبو عمار شاعراً لكان بقصيدته البائية من شعراء الواحدة. |
والقصيدة الواحدة من أمجاد المأثور الأدبي كقصيدة ابن زريق
(1)
ومن بائية أبي عمار علمت صحة قول المُنَظِّر الرومانيكي: أضرب هذا – يشير إلى قلبه فهناك الموهبة. |
لقد عانى أبو عمار كلام المرض المخوِّف، وترجح له إلى حد اليقين، أن أجله حل، فتفجر قلبه بهذه البائية التي هي من الصدق الفني. |
وصدق الانفعال يفجر الموهبة، ويفتق اللسان، والعوام إذا استحسنوا حكمة نثراً أو شعراً قالوا: هذه من القلب. |
لقد رأى أبو عمار – يرحمه الله تعالى – نهايته في ختام السبعين . |
سبعون قد وفد الشتاء يزورنـي |
والنار قد خمدت وليـس ثقـاب |
حنت إلى عبق التراب جوانحـي |
لا غرو يشتاق التـرابَ تـرابُ |
|
وعنف الألم ذكَّر أبا عمار بالسبعين، وكأنها سنّ اليأس من متع الحياة. وفي بائية أبي عمار يأس ونفض يد من الغابر يتمثل في هذه الأبيات: |
لا تعجبوا إن نـدَّ خاطـر متعب |
بعد السرى وشكا إليـه ركـابُ |
أنا من بنيتُ على الخيالِ قواعدي |
فتصدعت وانهـارت الأطنـاب |
حقاً رفعت على السراب دعائمي |
لا عجب إن ذابت وظل سـراب |
|
يريد بالركاب ما يلحق به من مواهب وعزائم وقوى. |
وقد أبهم أبو عمار الحلم الذي صار سراباً لم يبينه، ولكن كشف عن مراده تداعى المعاني والخواطر عندما قال: |
إني لدى التعريف ربـع مثقـف |
صحب الكتاب فلم يخنه كتـاب |
|
وقوله: |
ما بين بين فما صعدت إلى الـذُّرا |
أو كان لي في القابعين مآب |
ركنت إلى السفح القريب مطامحي |
والسفح لا يهفو إليـه عقـاب |
|
قال أبو عبد الرحمن: لم يعش أبو عمار في السفح، وإنما هذا من تواضعه يرحمه الله. |
ورحلة أبي عمار مع الكتاب لا تقل عن ستين عاماً ونيفاً وذلك – في غير دائرة التخصص ينتج مثقفاً لا ربع مثقف. أو لم يقل أبو عمار عن الكتاب. |
هو في دمى عشق الطفولة والصِّبا |
فهو الهوى واللحـن والأحبـاب |
فـإذا انتسبت فإن لي في حرفـه |
نسبـا يشوقنـي إليـه إيـاب |
|
إن أبا عمار – يرحمه الله – ينكر أثر الكتاب العلمي في حياته إمعاناً منه في التواضع، ويعزو بسمعته العلمية إلى الحظ المحض. |
أنا ما خدعتهُمُ ولكـن غَرَّهُـم |
حظي لديهم والحظوظ عجـاب |
|
يريد بالشطر الأول أنه لم يتظاهر عندهم بفضل ثقافة فيخدعهم. |
قال أبو عبد الرحمن: وهم أيضاً لم يعترفوا له بالثقافة من فراغ، بل كان أبو عمار عالي الثقافة عريضها، ولكنه كان قليل الإنتاج". |
لقد استشهد أبو عبد الرحمن بابن زريق كشاعر من الشعراء الذين اشتهروا بقصيدة واحدة وهم كُثْرٌ ولقد ذكر منهم ابن رشيق في كتابه العمدة طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة اليشكري، وعمرو بن كلثوم، والأسمر بن أبي حمران، وعمرو بن معدي كرب، والأسود بن يعفر، وبذلك يدخل عبد العزيز الرفاعي في عداد فحول الشعراء. |
|