شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدراسة النقدية الثانية
كما تناول الدكتور صلاح عدس شعر الأستاذ الرفاعي بالدراسة والنقد من خلال بحث يحمل عنوان:
"تأملات نقدية في شعر معالي الأستاذ عبد العزيز الرفاعي"
يقول الدكتور في بحثه:
سنحاول هنا تقديم بعض التأملات النقدية حول خصائص الشكل والمضمون في شعر الأستاذ عبد العزيز الرفاعي معتمدين على ما نشره في الصحف والمجلات وما جمع بعضه في ديوانه "ظلال ولا أغصان" الذي صدر حديثاً عن "دار الرفاعي" وهو يعد إضافة جديدة للمكتبة العربية.. وإن الموضوعات الشعرية التي طرقها شاعرنا في مجموعته هذه هي الله والطبيعة والإنسان العربي كفاحه ومعاناته مثلما في الجزائر في الماضي وفي فلسطين في الحاضر، وهكذا كتب شاعرنا في الوجدانيات وفي الإلهيات وفي الطبيعيات وفي الإخوانيات وفي المناسبات.. أي أن المحاور التي يدور حولها شعره هي أربعة محاور: المحور القومي والمحور الديني والمحور الوجداني والمحور الإنساني..
والشاعر الجيد لا يكتب قصائد متفرقة في المضمون بحيث تكون كل قصيدة في وادٍ، نعم قد تتعدد الموضوعات الشعرية ولكن يجمع القصائد كلها خط واحد من حيث المضمون أو الإحساس العام، فهناك فرق كبير بين الموضوع وبين المضمون، فالعمل الأدبي قد يكون له موضوع ولكنه يكون خالياً من المضمون، وذلك لأن المضمون هو رؤيا إبداعية للكاتب تجاه الحياة والمجتمع والكون وهذه الرؤيا تتطلب لتكوينها ثقافة عالية وحساسة خاصة وشفافية كبيرة، وهذا كله هو ما يمتاز به شاعرنا.. وهو صاحب رؤيا دينية للحياة والمجتمع تربطه بالله بحيث يجعله الإيمان قوياً أمام الإحساس العام بالمأساة كما يعطيه القدرة على المقاومة، لأنه دائماً الله أكبر، ولأن هناك دائماً أملاً في رحمة الله ولنستمع إليه يقول في قصيدة "دعاء":
سألت القلب عن دنياه
مـا دنياك يا قلبي
فهـذي ضجة الحرمان
تلـذع نارهـا جنبـي
لكـم أزرع آمــالـي
فما أجـني سوى جدبي
وشمـس شبابي المحـروم
قـد مالـت إلى الغرب
إلى أن يقول شاعرنا في نهاية قصيدته هذه:
لقد أشفـق محـروم
بـأن يلقاك يا ربـي
فهيئـه إلـى نعـاك
وامسح لهفة السغـب
إذا مسَّتْ يدا رحمـاك
إجدابي فـذا حسبـي
* * *
وإذا كانت قصائد الديوان يجمعها إحساس عام واحد هو الإحساس بالمأساة، وأن هذا الإحساس يعبر عنه الشاعر من خلال عدة أنغام وجدانية وهذه الأنغام تتخلق عن طريق الصور الشعرية أي أن الصور الشعرية هي التي تخلق الأنغام الوجدانية التي تشكل بدورها الإحساس العام... فإنَّ الأنغام الوجدانية التي يعزفها شاعرنا في ديوان "ظلال ولا أغصان" هي نغمة الحزن ونغمة الحرمان ونغمة الألم ونغمة السأم إلا أنَّنا نلاحظ نغمة أخرى مضادة ولكنها تتشابك معها في هارمونية لحنية، تلك هي نغمة المقاومة، فالشاعر لا يستسلم للمأساة لكنه يقاومها بالإيمان بالله...
وإن الإحساس العام بالمأساة في شعر الأستاذ عبد العزيز الرفاعي له بُعدان بعدٌ ذاتيٌّ وبعد قوميٌّ.. أما البُعد الذاتي فيتعلق بهموم شاعرنا الحياتية الخاصة، وأما البعد القومي فيتعلق بهموم العرب عامة مثلما كان أيام احتلال الجزائر ثم الآن فلسطين ولبنان وتمزق العرب وتناحرهم.. ولنستمع إليه في قصيدته "يا عيد" يقول:
ما حالهم يا عيد في الوطن السليبْ
في فلسطين العزيزة.. واللاجئون
الساكنون هناك في تلك الخيام الباليهْ
الرابضون على العراء.. النائمون على الخواء..
ما حالهم؟ هل ترفل الأطفال في حلل الحرير؟
هل يحتفون؟ كما احتفلنا في حبور؟
يا عيد أي مواضع حَرَّى تنزَّت في الصدور
البشْرُ إنَّ البشر لا يسري إلى الخيم الحزينة كالقبور..
* * *
أما عن نغمة المقاومة المضادة للحزن واليأس والتي تصنع معها نوعاً من الديالكتيك أو ما يسمى بلغة الموسيقى الغربية "الكونتر بونط" أي جمع أكثر من لحن مختلف، وذلك على عكس ما نجد في الموسيقى العربية التي تعتمد على تكرار لحن واحد. فلنستمع إلى قصيدته "صبَّارة". والصبَّارة هنا هي رمز أو معادل موضوعي لإحساس شاعرنا بالأسى والمرارة وفي نفس الوقت المقاومة الشديدة لحرارة الشمس من جانب نبات الصبَّار ومقاومة شدائد الحياة من جانب شاعرنا وهنا يتوحد شاعرنا بهذه الصبَّارة إذ يقول:
إن المرارة في كيانك وهي تعبث في كياني..
ويقول لها مشجعاً لها أو لنفسه بالصبر:
لا تأبهي.. كوني كصلد الصخر ثابتة الجنان...
كالريح تهزأ بالربا.. بالدوح ذات العنفوان..
كالقفر مرَّ به الزمان فمار درى خطو الزمان..
بل ابسمي.. نعم ابسمي.. واخفي الشقاء عن العيان
لوذي بصبرك وارقبي طيب المجاني (1)
* * *
وإن هذه المقاومة عن طريق الصبر هي فكرة دينية نص عليها القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
هذا وقد استطاع شاعرنا التعبير عن الإحساس بالمأساة من خلال الأنغام الوجدانية التي توحي بها عدة صور شعرية استوحى معظمها من بيئة حيث الصحراء التي توحي بالجدب وكذلك صورة الغروب وصورة الخريف وصورة الليل وصورة النجوم الغائرة وصورة الشموع المطفأة وصورة الشفق وصورة الظلام والليل وصورة القيد وصورة الجرح وصورة الريح وكلها صور تثير الحزن والألم...
ولنستمع إلى بعض هذه الصور في قصيدته "بقية" إذ يقول:
وطفقت أستهـدي النجـوم
فلا نجوم على سمائـي
غارت وغرت وغارمـا
قد كنت أحسبـه رجائـي
إلى أن يقول في نهاية قصيدته:
وتظلني شمس الخريـف
وبرده وكلاهما جمُّ البـلاء (2)
يا ساعة لليأس يشرق
فـي دياجيها مضائـي
لا لا لن أذل وأستكين
ولـن تنالي من بنائي (3)
أنـا صامـد بالله ترتـعـد
العواصـف من إبائـي
ستظـل تربطني بإيماني
حبائل في بقيتها بقائـي
* * *
فهنا يعزف شاعرنا النغمتين المتضادتين نغمة الأسى ونغمة المقاومة التي استلهمها من رؤياه الدينية للحياة... هذا وقد صاغ لنا الأستاذ عبد العزيز الرفاعي مضامينه هذه في شكل يجمع بين كلاسيكية عمود الشعر وبين الشكل التفعيلي الجديد ولكنه لم يقع فيما وقع فيه غيره من دعاة الألغاز والتعقيد باسم الحداثة أو تقليد "إليوت" وإنما تميز شعره بالبساطة وهذا ما يتماشى مع طبيعة اللغة العربية وفلسفتها البلاغية فلغتنا لا تعرف الرمز المطلق ولا الغموض المغلق وإنما لا بد من قدر من الوضوح وقدر من المنطق فيما يسمى في البلاغة باسم التشبيه أو الكناية أو الاستعارة...
وأخيراً يمكننا أن نقول إن شعر الأستاذ عبد العزيز الرفاعي ينبع من مرتفعات الشعر العربي في العصر العربي الأموي والعباسي مكوناً رافداً جديداً يصب في نهر الشعر العربي العظيم..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :498  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 87 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.