شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شواهد مخجلة!
ـ حُزْني على أمة.. أدمت فوارسها في ساحة الإِفك:
سهم البطش غلاَّب! أين الدماء التي بيعت بلا ثمن؟!
وأشعلت بعدها:
أحزان من غابوا؟!
إنَّا بنينا من البهتان أضرحة..
وشردتنا بأرض الله: أحزاب!!
- فاروق جويدة -
ـ بعد مرور سنوات على ما حسبناه إتساعاً في الضحكة الساخرة، والخادعة لنا نحن الشعب العربي.. كان حصاد عالمنا اليعربي - على مدى ثلاثين عاماً تقريباً - يتلخص في هذا الجَنْي:
ـ مجموعات من ((الفخاخ)) التي سقط فيها الحلم العربي!
ـ أسواق تحت مُسمَّى: التقدُّميَّة، والثورية، وحقوق الشعوب.. وقد تم في هذه الأسواق بيع، وشراء الكفاح، والنضال.. من قِبَل سماسرة يساومون، ويزايدون على بيع الأرض، أو الوطن، أو القضية!
ـ أشكال من إدّعاءات ((الوطنية)) التي تُنادي بمحاربة الاستعمار، والتسلط.. بينما يمارس مروّجوها من خلفها: التآمر، والانقياد لمخططات الاستعمار، ونسف أية بارقة لتضامن عربي!
وبقي المواطن ((العربي)) - وحده - يتخبط، ويُفاجأ، ويُفْجَع، وينوح، ويتقاتل، ويقتل!
بقي هذا المواطن العربي - وحده - مُفَرَّغاً من الحلم العربي.. يواجه حلقات متلاحقة، متصلة من هجمات المستعمرين، وأطماعهم، ومن مدّعي الوطنية، والنضال!
وحده.. بقي المواطن العربي: يخسر أمانيه، ويعاني من اضطراب معدله الاقتصادي، والمعيشي.. ومن صدماته النفسية!!
* * *
لقد كان هدف القوى الاستعمارية: أن يبقى المواطن العربي يدور في رحى الاحتياج لها.. ويدور في فلكها مثل ثور الطاحونة.. ويدور حول همومه، ومشكلاته: عاجزاً، ومقيداً، بالتزامات يدفعها ضريبة ضعفه أمام القوة التي فرضها الاستعمار!
أما أن يُفجع المواطن العربي من داخله.. وفي شرايين دمائه، بمن يضع الفخاخ لكفاحه ضد الاحتلال الأجنبي، وذلك بنسف وحدة الصف، والتضامن.. وبمن تحول إلى ((سمسار)) للقضية، وللأرض، يزايد عليهما، ويُبدِّل في عدة أقنعة يرتديها حسب الظرف، والتيار.. فهذه كارثة تنخر كالسوس في الضمير العربي، وتقوّص كل ما حاول العرب تشييده طوال السنوات التي أجلى فيها المستعمر عن أرضه، وانهمك يزرع، ويغرس، ويبني، ويقيم المدارس، والجامعات، والمؤسسات العلمية والعملية!!
* * *
ـ عندما ينشب خلاف بين قُطْر، وقُطْر آخر عربيين.. فذلك يعني: شق كيان واحد إلى جزئين، وتمزقاً بين أخ وأخيه.. أي بين حبَّة رمل، وحبة رمل أخرى في أرض واحدة.. أي بين أنفاس إنسان ورئتيه.. أي بين عينين في رأس واحدة!
ولعلّ ((أهلي)) العرب، في الثلاثين سنة الأخيرة، قد تدجَّنوا في الخلافات السياسية.. أو خلافات أنظمة الحكم، وتدفق الشعارات، والإيديولوجيات، والعلمانية.. وذلك عبر هدير الشوارع، والتأثير في الرعاع، وأنصاف المتعلمين، والعمال.. ومحاولة إسقاط دَوْر العلم، والثقافة، أو العلماء والمثقفين.. أو تسييس هؤلاء ليكونوا تروساً في آلة النظام، أو الشعارات!
صار هذا (الشيء) المشروخ في الواقع العربي.. هو التعود على شكل الحياة.. وهو شهوة الحكم، بالانقلابات، التي أطلقوا عليها في هدير الحماس الجماهيري، أو الشوارعي: ((ثورات)).. وهو - في حقيقته - لا أكثر من قفز أفراد من الجيش، وبعضهم من ذوي الرتب الصغيرة.. ليتربعوا فوق كرسي الحكم، ويمنحوا أنفسهم أعلى الرتب، والنياشين، وفرض التسلط على اقتصاد قُطْرهم، ومقدرات أهلهم!!
وهكذا.. عاش الوطن العربي في تموّجات مجنونة.. كانت تطلع بذلك الهدير على امتدد أرصفة الشوارع، ثم.. ترتطم، وترتد، وتسقط في فخاخ عديدة!!
وتتحول تلك الفخاخ إلى بؤس عربي، وإلى أحزان عربية!
وفي اشتداد حالة ((الارتماء)) في الفخاخ.. أي في الشعارات السياسية، والأيديولوجية، وفي المصطلحات الثورية، و((النضالية!)).. إذا بعض العرب في موقع المحرك للنظام السياسي: يُسوِّق هذا التصدير إلى أمته العربية.. كأنه يساعد على تفشي مرض خبيث!
وضاع المواطن العربي في هذه الفخاخ.. وفي ((فلاشات)) حملت إليه صوت الثورة، أو الوطنية، أو النضال.. ولم تحمل إليه فعلهم السويّ الذي يعزّ المواطن العربي، ولا يذلّه، ويحفظ للمواطن العربي كرامته، واستقلاله، وأمته، ولا يهدرهم..
وهكذا.. نجد أن هؤلاء المدّعين، وسماسرة النضال، والوطنية.. قد تبدّوا بأفعالهم وهم: أكثر سوءاً ممن ثاروا عليهم!!
وحين تلفّت العالم العربي.. لم يحصد سوى عدة ((إنقلابات)) ملوّنة!
وتصاعدت صفات جديدة، وتقويمات، وسلوكيات.. كطوابع البريد، أصبحت تُلصق بالمواطن العربي، وبهمومه، وبخلافات الكثير من الأنظمة السياسية التي قفزت إلى موقع المسؤولية، وأخذت تحكمه!
وتموّهت الآراء.. والأحكام.. فلم يعد المواطن العربي يعرف: إن كانت صفة (الثائر) ذات دلالة على البطولة، والفروسية، والوطنية، وتثبيت عزِّ الأمة.. أم أنها (فعل) لمحو الانتماء، وللارتماء في أحضان مُصدِّري تلك الشعارات، وزارعي أولئك الدُّمى؟!!
وكان جيلنا.. هو أكثر الأجيال التصاقاً، ومعاناة، وذهولاً.. لأنه عاصر، وشهد قسوة المرحلة الانتقالية في التاريخ العربي الحديث، ومهازل إدّعاء الثورة والتغيير!
وقد (تفرَّج) جيلنا على شواهد مخجلة.. كان منها على سبيل المثال:
ـ محكمة المهداوي، والسحل في الشوارع، واستخدام ألفاظ نابية من رئيس محكمة (ثورية)!!
ـ التصفيات التي تمت بين (رفاق) السلاح والثورة، وزعيم ينقلب على مهيب، ورائد يصبح فريقاً.. وقد انشطر الوطن في تلك الأقطار إلى قسمين: الأول في المستشفى، أو في النفي والنسيان.. والآخر في الزنزانات!!
ـ محادثات (( الوحدة )) وبراعة الجدل، حتى تتم سرقة (عقل) شعب كامل، أو الهيمنة على تفكيره!
ـ سطوة (( الإعلام )) الذي يتولى مهمة غسل الدماغ.. دون السماح لمواطني تلك الأقطار حتى بالتفكير، أو بالتأمل، أو.. بالحياد، وروّجوا لقاعدة سادت.. تقول:
ـ إذا لم تكن مع النظام.. فأنت ضده!!
ونتيجة لكل تلك الممارسات.. صار ((الصوت العربي)) مثل ثوب ((البلياتشو)) يزعق مردداً:
ـ متآمر، خائن، رجعي، نفعي، إنبطاحي، إمبريالي، ديماجوجي، إرتكاري، طباشيري!!
وفي ذلك اللغط، والصراخ.. ضاعت صفات البطل العربي، والفارس العربي، والموقف العربي!!
وصار (( إعلام )) تلك الأقطار مثل محكمة ((المهداوي)) سيئة الذكر: يُحاكم، ويُدين، ويحكم بالخيانة، وبإثارة الرأي العام العربي!!
ولنا أن نتصوّر أبعاد هذه الأحكام، وردود فعلها على التضامن العربي، وعلى وحدة (المشاعر) العربية في أقل تقدير، وعلى مسيرة الحقوق العادلة التي نطالب بها كل العالم لصالح الأمة العربية!؟!
* * *
ـ وسنوات تمر، وشهور تكرّ.. مثل ((حواديت)): الجان، وأمّنا ((الغولة))، و ((الدجّيرة)) و ((السحلية))!!
وكل هذه الرموز السيئة.. تتحرك مع سنوات التجربة العربية، ومع معاناة الإِنسان العربي!
والأطماع تتزايد، وتتطور.. والمكاسب تُهدر، والخسائر تتوالى.. وكل ذلك يتصاعد في غياب التضامن، والإِرادة العربية.. وفي ضعف وخدر الحلم العربي.. وفي اتساع رقعة الخلافات العربية.. بسبب تلك الموجات غير المسئولة: الأنانية، والنفعية، والانتهازية.. والمصبوبة في هدير الحماس، والمفرّغة من الفعل النضالي الحقيقي.. والمفرّغة من (المصداقية) في التعامل بين أشقَّاء يجمعهم مصير واحد، ويواجهون مخططات مستعمر يحقد على دينهم، وعلى ثرواتهم!!
لقد رمى الله جلّ جلاله، الشعب اليهودي في التيه سنوات طويلة، ليعاقبهم.. فكان ذلك التيه قاسياً، لأنه شتات في أرجاء الأرض!
ونحن العرب ما زلنا نملك الأرض، ونموت دون أن نفرط فيها!
ولكنَّ التيه الأقسى على العرب: أن يشعروا به وهو يتلبَّس أفكارهم، ونفوسهم، ونواياهم، وحتى عواطفهم!
وماذا بعد أن يفقد شعبٌ ما: حلمه، أو يحس بفساد هذا الحلم، وبتراكم الآلام والهزائم، وبترصد الخوف له، وبضياع جزء من الأرض، وبغدر وخيانة شقيق عربي، جار له، بغياب الإِرادة والقدرة.. حيث يقتتل الأخوة فيما بينهم، ويتفرق العرب إلى شيع، وأحزاب؟!!
إنه - بالفعل - التيه الأقسى!
وهناك (الأسخريوطي) الذي يبيع الحرية العربية.. في بورصة الحُكم!
وهناك (شيلوك) الذي يسرق الأموال العربية، أو يبتزها!
وهناك أمثلة، وشواهد محزنة.. لا نريد أن نحصيها لكثرة ما ترشحه من خجل لنا.. لكنها تدلل على محصلة هذا التيه العربي في خضم الخلافات والأقنعة، وخذلان المصداقية، وتراكم الأحزان!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :886  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 391 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج