شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغزل في شعر (جران العود)
(لجران العود) غزل تصويري بديع تعرف فيه روح العربي الشجي. والمحب المتيم والنفس الصابية. ولكنه عذب -قبل كل شيء- سلس وديع -بعد كل شيء- ترقرق سلسالاً من فم (جران العود) حلو النبرات. رقيق المقاطع. كما يتسلل الجدول هيناً ليناً فيه نشوة وعذوبة واتزان.
ونحن نقدم بين يدي القارئ الكريم منه نماذج نعلق عليها تعليقاً بسيطاً. قال جران العود:
ذكرت الصبا فانهلت العين تذرف
وراجعك الشوق الذي كنت تعرف
وكان فؤادي قد صحا ثم هاجني
حمائم ورق (بالمدينـة) هتـف
يذكرننـا أيامنـا (بعويفـة)
وهضب (قساس) والتذكر يشغف
وبيضاً يصلصلن الخجول كأنها
ربائب أبكار المهـا المتآلـف
فبت كأن العين أفنان سـدرة
عليها سقيط من ندى الليل ينطف
أراقب لوحاً من (سهيل) كأنه
إذا ما بدى من آخر الليل يطرف
وهذا غزل رقيق في تصوير بالغ في البراعة.
وقوله:
وخود قد رأيت - بها ركـول
برجليها الدمقس مع الحريـر
إذا استقبلتها كرعـت بفيهـا
كروع العسجدية في الغديـر
كلانا نستميـت إذا التقينـا
وأبدى الحب خافية الضميـر
فتقتلنـي وأقتلهـا ونحـيـا
ونخلـط ما يمـوت بالنشـور
ولكـنـا يموتنـارسـيـس
تمكـن بالمـودة في الصـدور
رشيف الخامسات وقيط هضب
قليل الماء في لهـب الحـرور
ولله ما أروع هذين البيتين:
كلانا نستميـت إذا التقينـا
وأبدى الحب خافية الصـدور
فتقتلنـي وأقتلهـا ونحـيـا
ونخلـط ما يمـوت بالنشـور
وهما من أعذب الغزل وأحلاه.
ويخر النوى في كبده فينبعث يقول:
أيا كبداً كادت عشية (غرب)
من البين أثر الظاعنين تصـدع
عشية ما لي حيلة غيـر أننـي
بلقط الحصى والخط في الأرض مولع
أخط وأمحو الخط ثـم أعيـده
بكفي والغزلان حولـي وقـع
عشية ما في من أقام (بعـزب)
مقام ولا في من مضى متسرع
وانظر إلى هذا التصور الرائع لذهل المحب المهجور ومحاولته السلو والترويح عن نفسه بالعبث في هذين البيتين:
عشية مالي حيلة غيـر أننـي
بلقط الحصى والخط في الأرض مولع
أخط وامحو الخط ثـم أعيـده
بكفي والغزلان حولـي وقـع
ويهتز شعوره للذكرى فينطلق قائلاً:
وذكرني الصبا بعـد التناهـي
حمامة أيكـة تدعـو الحمامـا
أسيـلاً خـده والجيـد منـه
تقلد زينـة خلقـت لزامـاً
كساه الله يوم دعـاه (نـوح)
نظاماً مـا يريـد بـه نظامـاً
أتيح له ضحـى لمـا تنمـى
على الأغصان منصلتا قطامـا
فقـد حجابـه بمـذربـات
يرين الحائنـات بـه الحمامـا
ترى الطير الزوائد معصمـات
حذارا منه بالغيـل اعتصامـا
دعته فلم يجب فبكته شجـوا
فهيج شوقهـا ورقـا توامـا
كأن الأيك حين صدحن فيـه
نوائح يلتـذذن بـه الندامـا
فهيج ذاك مني الشوق حتـى
بكيت وما فهمت لها كلامـا
وما أجمل هذه الأبيات الثلاثة الأخيرة:
دعته فلم يجب فبكته شجـوا
فهيج شوقهـا ورقـا توامـا
كان الأيك حين صدحن فيـه
نوائح يلتـذذن بـه الندامـا
فهيج ذاك مني الشوق حتـى
بكيت وما فهمت لها كلامـا
وقوله:
أيا شبه ليلى جادك الغيث وانبرى
لك الرشد واخضرت عليك المراتع
سقاك خُداريّ إذا عج عجـة
حسبت الذي يدنو أصم المسامع
يمان على (نجران) أيمن صوبـه
ومنه على (سلمى) و (سلمان) لامع
ومنه على قصري (عمان) سحيقة
وبالخط نضاح العثانين واسـع
تذود الصبا ريعانة وهو راجح
كما ذيد حوم عن نضيح روائع
تزحف أعلاه الجنوب براكس
كما دب أدنى مائل الحمل ظالع
يكب طويل الطلح في حجراته
وتحيا عليه المسنتات البلاقـع
وقوله:
طربنا حين أدركنـا ادكـار
وحاجات عرضن لنـا كبـار
لحقن بنا ونحن علـى (ثميـل)
كما لحقت بقائدهـا القطـار
فرقرقت النطاف عيون صحبي
قليلاً ثـم لـج بهـا انحـدار
فظلت عين أجلدنـا مروحـا
- مروحا في عواقبـه ابتـدار
كسول فـي معينـة مـروح
يشد علـى وهيتهـا المـرار
وكنا جيرة بشعـاب (نجـد)
فحلّ البين وانقطـع الجـوار
سماطر في غـداة (اثيقيـات)
وقد يهدا التشوق إذ أغـاروا
إلى ظعن لأخت بني (غفـار)
بكآبة حيث زاحمهـا العقـار
يرجحن الحمـول مصعـدات
(لعكاش) فقد يبـس القـرار
ويممن الركاب (بنات نعـش)
وفينـا عـن مغاربهـا أزورار
نجـوم يرعويـن إلـى نجـوم
كما فاءت إلى الربـع الظوار
فقلت -وقل ذاك لهن منـي-
سقى بلداً حللن بـه القطـار
رأيت وصحبتي (بصنا صران)
حمولاً بعدمـا منـع النهـار
نئين على الرحال وقد ترامت
لأيدي العيش مهلكـة قفـار
كان أواسط الأكـوار فينـا
بنـون لنا نلاعبهـم صغـار
فليس لنظرتي ذنـب ولكـن
سقى أمثال نظرتـي الـدرار
يكاد القلب من طرب إليهـم
ومن طول الصبابـة يستطـار
يظل مجنت الكنفيـن يهفـو
هفو الصقر أمسكـه الأسـار
وفي الحي الذين رأيت خـود
شموس الأنس أنسـة نـوار
بَرُود العارضين كـان فاهـا
بعيـد النـوم عاتقـة عقـار
إذا انخضر الوساد بها فمالـت
مميلاً فهـو مـوت أو خطـار
ترد بفتـرة عضديـك عنهـا
إذا اعنتقت وما بهـا انهضـار
يكاد الزوج يشربهـا إذا مـا
تلقاهـا بنشوتهـا انبـهـار
شميماً تنشـر الأحسـاء منـه
وحبـاً لا يبـاع ولا يعـار
ترى منها ابن عمك حين يضحى
نقي الكـون ليس بـه غبـار
كوقف العاج مس ذكي مسك
تجيء به من اليمـن التجـار
إذا نادى المنادي بات يبكـي
حذار الصبح لو نفع الحـذار
ورد الليل زيـد عليـه ليـل
ولم يخلـق لـه أبـداً نهـار
يرد تنفس الصعـداء حتـى
يكون مع القرين لـه قـرار
كان سبيلة صفـراء شيفـت
عليها ثم لبـث بهـا الخمـار
يبيت ضجيعهـا بمكـان دَلّ
وملح مـا لساكنـه غـرار
ومن غزله قوله:
بان الخليط فما للقلب معقول
ولا على الجيرة الغادين تعويل
أما همو فعداة مـا نكلمهـم
وهي الصديق بها وجد وتخبيل
كأنني يوم حث الحاديان بهـا
نحو (الآوانة) بالطاعون متلول
يوم ارتحلت برحل دون برذعتي
والقلب مستوهل بالبين مشغول
ثم اغترزْت على نضوى لأبعثه
أثر الحمول الغوادي وهو معقول
فاستعجلت عبرة شعواء قحمتها
ماء ومال بها في جفنها الجـول
فقلت ما لحمول الحي قد خفيت
أكل طرفي أم غالتهمو الغـول
يخفون طوراً فأبكي ثم يرفعهـا
آلُ الضُّحى والهبلات المراسيل
وتثور الذكرى في نفس (جران العود) فيتساءل عن الديار وأهلها وتوحي إليه أن يقول:
هل أنتم واقفون على السطور
فننظر ما لقيـن من الدهـور
تركن براحة الـروحاء حتـى
تنكرت الديـار على البصيـر
كوحي الحجـارة أو وشـوم
بأيدي الروم باقيـة النشـور
وقوله:
وليس بعائـد يـوم التقينـا
بـروض بين مَحْنِيـةٍ وقـور
فتقضيني مواعـد منسيـات
وأقضي ما علـي من النـذور
وأشفي أن خلوت النفس منها
شفاء الدهـر في أثـر أثيـر
فليت الدهر عاد لنا جديـداً
وعدنا مثلنـا زمـن الحصيـر
وعاد الراجعات من الليالـي
شهوراً أو يزدن على الشهـور
وقوله:
نبئت أن (بريداً) خف حاضره
منه وزايله المرعـي والهمـل
وقد رأيت بها الأصرام يجمعهم
سهل الأباطح لا ضيق ولا جرل
هذه أمثلة من الشعر الغزلي (لجران العود) نجد فيها حلاوة وعليها طلاوة. ولها روعة فيها حلاوة الفطرة. وعليها طلاوة الجمال ولها روعة الحب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1713  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1283 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.