| عِكْرِمَةُ بن أبي جَهْل |
| عِكرِمة بن أبي جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي.. والكلام عنه يجر الكلام عن أبيه (أبي الحكم) كما كان يسمونه في الجاهلية وهو أبو جهل كما سماه الإسلام. |
| تحدث معاوية يوماً فقال في معرض كلامه: عجبت لمخزومي لا يكون تيَّاهاً. ومن أين جاءهم التيه وركبهم الكبر والخيلاء؟ الغني. الجاه. أعنة الخيل. النسب العريق والحسب المعروف والبطولة. كانت لهم الأعنة، أي القيادة قيادة الخيل في أي حرب تخوضها قريش، قادوها في بدر وقادوها في أحد بقيادة أبي سليمان خالد ابن الوليد بن عم عكرمة بطلنا الذي نتحدث عنه اليوم. وكان منهم الوليد بن المغيرة الوحيد، والعدل، يطعم الحاج عاماً وتطعمه قريش عاماً، وتكسو قريش الكعبة عاماً ويكسوها الوليد عاماً. |
| في مجتمع يرفع من أقدار الصانعين لمثل ذلك ارتفع قدر الوليد بن المغيرة، ومعه ارتفع قدر المخزوميين، ومنهم الذي سار معه جنباً إلى جنب ابن أخيه عمرو بن هشام بن المغيرة أبو جهل والد عكرمة. |
| وسطع نور محمد ودعا محمد قريشاً إلى التوحيد فاضطرب المشركون لأن التوحيد يقضي على نظامهم الاجتماعي وسيطرتهم، ويطرح الزعامة التي يعتزّون بها فلا يرى الواحد منهم إلا أخاً للآخرين من الناس أجمعين. فهل يطيق أبو جهل أن يحسب مثل ابن أمتهم ((عمار بن ياسر))، ابن الجارية. العبد يساوي السيد الصنديد. لا. لا. لن يطيق هذا أبو جهل. |
| وأتعب أبو جهل نفسه من وراء عمه الوليد يكيد لمحمد ويؤذي المستضعفين ويؤلب على المسلمين ولم يترك وسيلة إلا سلكها في سبيل الإيذاء والتعذيب. كان ظاهر الخصومة، نال باليد ولم يتورع عن النيل باللسان.. قالها مرة: نحر بنو هاشم فنحرنا وتكرموا فتكرمنا وفعلوا كيت وكيت وفعلنا. حتى إذا تحاذت الركب. قالوا: منا نبي! وقوله هذا ينبئ عن عقلية أبي الحكم، نعم إن الإسلام قد وسم أبا جهل بسمة الجهل والحمق مما هو جدير به على هذه الفكرة الخاطئة. فالمسألة ليست لهاشم ولحساب عبد مناف ولا لمجد قريش، إنما هي لله وحده، للإسلام، للعرب جميعهم، للناس أجمعين. رسالة شاملة كافة تَعُم الدنيا كلها. والبشرية بأسرها. |
| وخرج النفير في قريش ليدرك العير، وقد قعد لها المسلمون يقطعون عنها الطريق ليأخذوها غنيمة تعجز بفقدها قريش. وخرج أبو جهل في النفير، ونجت العير - غير ذات الشوكة - وتكلم عتبة بن ربيعة بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف ينصح النافرين أن يرجعوا فلا حاجة لهم بالقتال. وأصر أبو جهل على القتال لا يقصد بذلك إلا أن تسمع العرب عن قريش.. أوقدت النار ونحرت الجزر وشربت الخمر. |
| واحتدم الجمعان ونصر الله المسلمين وقتل أبو جهل، قتله بطل لم يجهز عليه، وركب على صدره يافعان (يفلفصان) نفسه واحتز رأسه رويعي الغنم ابن أم عبد. عبد الله بن مسعود. رجل دقيق الساقين. نحيف ضعيف، ولكن هكذا أراد الله أن يجندل أبو الحكم بيد الضعفاء. بلال العبد يقتل أمية بن خلف، وابن أم عبد الضعيف يحتز رأس أبي جهل، فيرتقي المرتقى الصعب على حد تعبير التيَّاه المتعجرف!! |
| والمعركة تقودها قريش ضد الإسلام وضد نبي من قريش، وهذا الاستنتاج من عندي ولا احسبني قرأته لأحد. وبالله عليكم خبروني لو أن قريشاً أجمعت على الإسلام ساعة الدعوة من يومها الأول. فماذا كانت العرب تصنع؟ إني أعتقد أنها سوف ترمي قريشاً عن قوس واحدة وبجيش واحد. ولكن مخالفة قريش وعناد قريش وهنت العرب ومزقت آراءهم وأصبحت الدعوة بحثاً معروضاً. كل يوم يتبعه أناس وعامل الزمن كما أراده الله كان له أثر. ولولا ضيق المجال لأقمت الدليل تلو الدليل على صحة هذه النظرية، ذلك فضل الله ومن كمال تدبيره ويمن تيسيره وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى. كل هذا حدث من أبي جهل، وعن أبي جهل ولأبي جهل، وابنه عكرمة، بطلنا معه. يشاركه الرأي ويشترك معه في الحرب والأذى والنقمة. حتى أنه يوم الفتح كان آخر المحاربين وأول الفارين من وجه ابن عمه خالد بن الوليد سيف الله، هرب من الخندمة إلى اليمن ولحقت به امرأته أم حكيم بنت عمه الحارث بن هشام. أراد أن يركب البحر فاراً من وجه ابن عم كريم. محمد وأخ كريم وابن أخ كريم، وأقنعته أم بنيه فأتت به إلى النبي. فلما اقبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرحباً بالراكب المهاجر) فاسلم وحسن إسلامه. |
| أتدرون ماذا قال النبي حين أسلم عكرمة؟ قال عليه السلام: إن عكرمة يأتيكم فإذا رأيتموه فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي. وسأل عكرمة رسول الله ألا يسمى بابن أبي جهل، فنهى أصحابه أن يقولوا عكرمة بن أبي جهل وقال: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات. ولولا الشهرة لتأدبت بأدب النبي فلم أضع العنوان باسمه الذي نهى عنه، ولكني أعتذر. بأن انتهى معنى الإيذاء له وهو حي، وقد لحق بالشهداء فلا إيذاء له والناس لا يعرفونه إلا بهذا الاسم (عكرمة بن أبي جهل). |
| وسأل الرسول أن يعلمه ((علمني خير شيء تعلمه حتى أقوله)) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله). فقال عكرمة: أنا أشهد بهذا، وأشهد بذلك من حضرني وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لي. فاستغفر له رسول الله. وقال عكرمة: والله لا أدع نفقة أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ولا قتالاً قاتلته إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله، وأشهدك يا رسول الله. ظاهرة صادقة في الثابتين على المبادئ. قد يكونون أولاً من الثابتين على ضلالة، فهم أثبت ما يكون على الحق. |
| وهكذا كان عكرمة.. أسلم وحسن إسلامه واجتهد في العبادة وفاءًا بعهده، وقتل شهيداً في حروب الشام. ولا خلاف في ذلك. ولكن هل قتل في اليرموك؟ أم في أجنادين، أو في مرج الصفر؟ إني أرجح أنه قتل شهيداً في اليرموك. |
| عبَّأ سيف الله التعبئة العامة لم يشهد العرب مثلها من قبل وكان حظ عكرمة من هذه التعبئة أن يكون ردئاً في خلف الجيش يحمي المؤخرة من عاد يضرب من الظهر. وحملت الروم حملة زحزحت جيش الإسلام، ونظر عكرمة ومعه أبطال من قومه سهيل بن عمرو وعمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور وأمثالهم.. فصرخ عكرمة.. يوفي بعهده. يقاتل ضعف ما قاتل في الكفر ((قاتلت الرسول في كل موطن على الكفر)) وأفر اليوم وأنا على الإسلام، من يبايع على الموت؟ وبايعه الأبطال وزحفوا، وقاتل عكرمة فارساً ثم ترجل فقاتل قتالاً شديداً فقتل. فوجد مصاباً ببضع وسبعين من بين طعنة وضربة ورمية. وجندل عكرمة وجندل أبطال بجانبه قاتلوا مثل قتاله.. وطلبوا الماء وهم في النزع فجاءهم كوز ماء فتدافعوه كلما وقع إلى واحد منهم دفعة إلى الثاني.. وقال اسق فلاناً فسهيل يدفع إلى عكرمة وعكرمة يدفع إلى سهيل والحارث ابن هشام يدفع إلى غيره حتى ماتوا ولم يشربوا.. ولكنهم شربوا السلسبيل حينما رتعوا في خضراء الفردوس. وجاء خالد فحمل عكرمة ورفع رأسه على فخذه وقالها كلمة.. ((زعم ابن حنْتمة ألا نستشهد)) يعني عمر بن الخطاب فحنتمة اسم أم عمر وهي بنت هشام بن المغيرة أي عمة عكرمة وبنت عم خالد أو أنها بنت هاشم ابن المغيرة أي بنت عمهما جميعاً فهم أخوال عمر ابن الخطاب. وكان عمر يقول ذلك لهم، لا دعاء عليهم ولا أمنية يتمناها لهم وإنما يحضهم على القتال لأنه رضي الله عنه يرى الشهادة أعظم القربات فهو أنكر على عثمان ابن مظعون موته على فراشه ولا أدري أي نفس تقوم فيها هذه المعارك بين الضلال والهدى.. بين البطولة في سبيل المجد وبين التضحية في سبيل الإسلام. |
| الحق أن عكرمة بطل في صراعه مع نفسه. بطل في صراعه مع الباطل وبطل في استشهاده يوم اليرموك أو في أجنادين أو في يوم الصفر. والحق أنه من أسباب النصرة في اليرموك. قيادة عبقرية لمخزومي هو خالد وتضحية فدائية لمخزومي هو عكرمة رضي الله عنهم أجمعين. ولا أدري من هو البطل بعده قد يكون سهيل بن عمرو ففي حياته صور تشرق بنور، وتُعلم عن بطل عظيم!! |
|
|
شارع عبد المقصود خوجة
00966-12-6982222 - تحويلة 250
