شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عُمَيْرُ بن وَهْب
عمير بن وهب القرشي الجُمحي من رهط أمية بن خلف، معذب بلال وسيده الذي باعه لأبي بكر، وأبي بن خلف المقتول بيد النبي يوم أُحد.
رهط تطلب السيادة ففقدها وتاه بزعيميه فقتل أحدهما في بدر والآخر في أُحد، فلا شك أن عُميراً حينما يجلس إلى صفوان بن أمية فيذكر أن الحديث في مصابهم فيعظم عليهم الأمر وتشتد نفس كل واحد منهما بالغيظ والحنق على رسول الله الذي عاب آلهتهم وأفسد عبيدهم عليهم وقتل صناديدهم. وفي ساعة من هذه الساعات يجلس عمير إلى ابن عمه صفوان قبل أن يسلما - وقد رجع كل المشركين إلى مكة، تعلو وجوههم حسرة الهزيمة وقترة الخذلان فيقول صفوان: قبح الله العيش بعد قتلى بدر. فيجيب عمير أجل! والله ما في العيش خير بعدهم ولولا دين عليّ لا أجد له قضاء وعيال لا أدع لهم شيئاً لرحلت إلى محمد فقتلته. إن ملأت عيني منه، فإن لي عنده علة أعتل بها عليه.. أقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير.. مشرك حانق ومفلس غير واثق وجدها فرصة في نفس صفوان الحزين على قتل أبيه المغتبط من الهزيمة الذي يستطيع أن يرفده إن هو ضرب على النغم الذي تهتز له عواطفه وتسر منه نزعته.
وتكلم صفوان فرحاً فقال: عليّ دينك وعيالك، أسوة بعيالي في النفقة لا يسعني شيء فأعجز عنهم.
وأتفق عمير وصفوان، وحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف عمير فصقل وسقي بالسم.. وقال عمير لصفوان: أكتم خبري أياماً. يطمع أنه فائز بما أراد. وما يدري أن دون ذلك عصمة الله. ((والله يعصمك من الناس)). وقدِم عمير المدينة فنزل عند باب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف وعمد إلى رسول الله.. ولكن هناك عيناً يقظة تنظر إلى هذا القادم المشرك. إنها عين عمر أبي حفص ومعه نفر من الأنصار. وفزع عمر ودخل إلى رسول الله فقال يا رسول الله: لا تأمنه على شيء.. فقال الرسول ((أدخله علي)) فخرج عمر فأمر أصحابه أن يدخلوه ويحترسوا من عمير فأخذه عمر حتى دخلا على النبي ومع عمير سيفه فأشار رسول الله إلى عمر ابن الخطاب: تأخر عنه. ودنا عمير وقال: عموا صباحاً - تحية جاهلية - فقال رسول الله: قد أكرمنا الله عن تحيتك وجعل تحيتنا تحية أهل الجنة.. السلام فقال عمير كأنما هو يهزأ: إن عهدك بها لحديث! وقال له الرسول: ما أقدمك يا عمير؟ قال عمير: قدمت على أسيري عندكم تفادوننا في أسرانا فإنكم العشيرة والأهل. فقال النبي: ما بال السيف في عنقك؟ فأجاب عمير: كأنما يمكر - قبحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئاً؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت، فقال رسول الله أصدقني ما أقدمك يا عمير؟ فقال عمير: ما قدمت إلا في طلب أسيري.. وتكلم النبي إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى: فما شرطت لصفوان في الحجر؟ ففزع عمير وقال: ماذا شرطت له؟ فقال رسول الله وخاتم النبيين: تحملت له بقتلي على أن يعول أولادك ويقضي دينك والله حائل بينك وبين ذلك.
فصعق عمير، ودهش الإنسان فنطق كلمة الحق ((أشهد أنك رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله)). كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر كما قلت، لم يطلع عليه أحد، فأخبرك الله به، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق.. ففرح المسلمون، وأول من سر رسول الله، وأن عمر لمن أشد الناس مسرة بهذا الذي أسلم بعد أن كان مشركاً. قد جاء ليقتل الإسلام في شخص نبي الإسلام. وقال له رسول الله: اجلس يا عمير نواسك والتفت إلى أصحابه يخاطبهم علموا أخاكم القرآن وأطلق له أسيره دون مقابل. وأستأذن عمير رسول الله أن يلحق بقريش فيدعوهم إلى الإسلام لعلّ الله أن يهديهم، فأذن له فلحق بمكة.
أمر تدعو إليه القصة وظروفها. فالمعجزة يرويها عمير لقريش لا شك أنها تمس قلوبهم، فمن رقّ يسلم ومن خشن يفزع فتميد الأرض تحت قدميه. إن عميراً في ذهابه إلى مكة حملة منظمة تبشر بالإسلام وتذيع الرعب بين المشركين وما فعلها عمير إلا بهذا الإحساس، وما أذن الرسول إلا لأن الغاية الصائبة والنية الخيرة.. كانت واضحة من هذه الحملة يقودها عمير: هذا الذي جاء مشركاً ليقتل فعاد إليهم مؤمناً صادق الإيمان، ينشر الإسلام وينتصر به الإسلام ويرتفع بصولته - وهو فرد - علم التوحيد. وجلس صفوان ينتظر الخبر يفرح به. يأتيه من عمير أو عن عمير وأخذ يقول لقريش: أبشروا بفتح ينسكم واقعة بدر. وأخذ يسأل كل راكب قدم من المدينة هل كان بها من حدث حتى قدم عليهم رجل فقال لهم: قد أسلم عمير - فيا خيبة الأمل في النفس المشركة - فلعنه المشركون وقال صفوان: عليّ ألا أكلمه أبداً ولا أنفعه بشيء. وقدم عمير عليهم، فدعاهم إلى الإسلام ونصحهم، فاسلم بسببه بشر كثير. عجب. عجب. ما هذا النور؟ إنها روح النبوة وعظمة الإسلام ودافع الإيمان يصنع هكذا في المؤمنين وبالمؤمنين. كان ضعيفاً خذله الدين، وأفسده الشرك فلما مسته رحمة ربي اضحى قوياً يذهب لقريش وحده وهو يعرف أن ابن عمه سيخذله لأنه لم ينجح في مسعاه الذي أراده ابن عمه.
سأله مرة عمر، هل أنت الذي حزرتنا يوم بدر؟ ((يعني قدرت عددنا)) فقال عمير: نعم وأنا الذي حرشت بين الناس ولكن جاء الله بالإسلام، وما كنا فيه من الشرك أعظم من ذلك. فقال عمر: صدقت. نعم صدق، فالأساس الشرك وكل بلاء منه.
وهاجر عمير وأدرك أحداً فشهدها وما بعدها وشهد الفتح ولما هرب صفوان بن أمية بن خلف صاحبه في هذه القصة. سعى إليه في مهربه يحمل أمان رسول الله إلى صفوان. فرجع معه صفوان وأسلم فكان من خيار الصحابة ومن أكارم قريش، ولعلّي أكتب سيرته بعد، فهو يستحق رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا أشرك عمير وأشرك صفوان تبعاً لقومهما وعناداً وحزناً، ولكنهما اسلما فكانا من الأخيار. فاللَّهم أهدنا صراطك المستقيم وجنبنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا واكتبنا عندك من المسلمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 155 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل