شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شهر رمضان (1)
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (البقرة: 185).
استهلت الآية الكريمة: بأنه في شهر رمضان نزل القرآن العظيم الشأن وقد يتبادر للبعض العجب من نزوله في هذا الشهر وهو نزل منجماً في مكة المكرمة والمدينة المنورة في بضع سنين، ولكن المقصود من نزوله أول ما نزل على نبيه الكريم في شهر رمضان حينما كان يتعبد في غار حراء فنزل عليه جبريل وقال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 1 ـ 5).
والقصة مذكورة في حديث طويل لسنا بصددها في مقالنا هذا. وعلمنا من هذه الآية الكريمة أن من شهد الشهر (أي هلال رمضان) فعليه أن يصومه فيما إذا لم يوجد شاهد آخر وبه قال أكثر الفقهاء، ومن كان مريضاً (بالروماتيزم) وجع الأعصاب أو وجع الرأس أو بزكام خفيف إلى آخر الأمراض التي مثلها فليس له أن يفطر، وأما المسافر مسافة قصر الصلاة فله أن يفطر مع أن هذه المسافات تقطع في ساعات بالسيارة والصوم أفضل لقوله تعالى: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: 184).
وتمام الآية الآنفة: وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ (البقرة: 185) أي تقوموا فيه بالذكر والتهليل والتحميد والصلاة والقراءة، وعليه كان الرسول عليه السلام إذا دخل شهر رمضان شد المئزر وشغل بذكر الله وكان يتدارس القرآن مع جبريل طوال الشهر، فإذا كان بالليل قام أكثره بالصلاة والتهجد والنوافل حتى تتورم قدماه من طول القيام في الصلاة وكان أكثر إفطاره على التمر وخبز الشعير ولحم الجزور والمعزى في بعض الأيام.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل شهر رمضان منها:
(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ومنها الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزى به) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
وفي هذا الشهر ليلة القدر التي قال سبحانه وتعالى فيها مشيراً بفضلها وفضل هذا الشهر: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (القدر:1 ـ 2) إلى آخر السورة.
وطوبى لمن صادف تلك الليلة العظيمة القدر وأحياها بالصلاة والاستغفار ليغفر الله ذنوبه ويدخله الجنة. كما ورد في بعض الأحاديث الشريفة (2) وهناك حديث: ومن كان صائماً وأفطر على تمر المدينة وجبت له الجنة.
والمراد بالإفطار إفطار كامل من تمر لا من تمرة واحدة ولا الأكل بعدها من أنواع الطعام الدسم حتى التخمة، وأما الإفطار عليه فمسنون كما يفعله الكثير من الناس وخاصة من وفقهم الله بالحضور إلى المسجد لصلاة المغرب.
ومن محاسن هذا الشهر أن الناس يوسعون فيه على أولادهم ولكن بدون تبذير وإسراف، غير أن البعض من أوساط الموسرين يلتزم بأضعاف المصرف العادي من المآكل المنوعة ولا بد كل يوم من الحساء (الشوربة) والسمبوسك أو الكنافة أو القطائف، كما لا بد من مشلح جديد وأثواب فاخرة له ولأولاده مهما غلت قيمتها. وقد قيل: (ليس العيد لمن لبس الجديد وإنما العيد لمن خاف الوعيد).
* * *
ومن محاسن هذا الشهر أن يتزاور الأقرباء والأصهار والجيران والأصدقاء في لياليه. ومن محاسنه أن يصرف الأغنياء زكاة أموالهم في هذا الشهر على الأرامل والأيتام والفقراء والمساكين. ومن محاسن هذا الشهر أن أكثر الناس يصلون مع الجماعة كما يصلون التراويح.
ومن محاسنه أن يقل اللغو والخصام وتنزل السكينة والخوف من الله في قلوب الكثيرين من الناس، فإذا جاء العيد لبس الناس ألبستهم الجديدة أو المغسلة، كل على قدره، وبعد الصلاة يتزاور الأقارب ويخصص اليوم الأول لزيارتهم وزيارة الأصدقاء وفي اليوم الثاني والثالث لزيارة أهل المحلات وإن قلت عادة التزاور لبعد المحلات الجديدة وكثرة السكان، فقد بلغ سكان المدينة على نحو مائتي ألف نسمة بعد أن كانوا في آخر زمن إحصائي يبلغون نحو ثمانين ألفاً بموجب إحصاء وثائق الخبز التي كانت تعطى لرب كل أسرة بقدر عدد أسرته، وقد يكون هذا الإحصاء أكثر من الحقيقة وكلهم أجلوا في سنة 1334هـ وسنة 1335هـ إلى مختلف بلدان سورية كدمشق وحلب وحمص وحماة والبعض إلى مكة المكرمة والبعض إلى العقبة في مخيم جيش الملك فيصل بن الحسين ملك الحجاز السابق ولم يرجع منهم الثلث بعد أن مات ثلثهم وتفرق شمل الباقين.
* * *
ولنعد إلى مقالنا عن شهر رمضان المبارك، فلقد ذكرنا أكثر محاسنه، وهناك بعض الهنات التي تجري فيه ولا تليق بقدسيته فقد نرى بعض الشباب ومن تابعهم يعقدون مجالس اللهو ويقضونه في لعب (البلوت) والبعض يعكف على شرب الجراك طويلاً.
أما أوساط الناس كالعمال ومن أشبههم فيقضونه في المقاهي لشرب الشاي والقهوة والشيشة ولكنهم يستيقظون مبكرين إلى أعمالهم حالما أن أولئك الشباب ينامون بعد السحور على أن بعضهم يسهر ليصلي صلاة الصبح حاضراً ثم ينام.
وفي هذه الحالة لا يجد العامل وقتاً لقضاء حاجات بيته، كل ذلك لسهره طوال الليل ونوم الليل لا يوازيه نوم النهار قط كما يقول الأطباء.
عادات في شهر رمضان
وقد رأيت أن أذكر لمحة عما رأيته من أمور وعادات في زمن الأتراك، فقد عاصرت الحكومات الثلاث بحكم سني اليوم حيث بلغت السبعين من العمر سائلاً المولي العفو والعافية وحسن الختام إن شاء الله.
فمما رأيته في ذلك الزمن أن خوانات الأطعمة كانت تأتي إلى الحرم الشريف لأفطار بعض الوجهاء والأعيان وقد يشبعون من الأكل ولا تبقى لهم شهية بعد هذا الطعام ثم كانت مجالسهم شيعاً وأحزاباً، فريق ضد فريق وكانت الألعاب أكثر من (البلوات).. فهناك الشطرنج والنرد والضومنة وغيرها، وكان أئمة صلاة التراويح في المسجد النبوي يتجاوزون عشرين إماماً.. هذا خاص بالباشا حاكم المدينة، وهذا لشيخ الحرم، وهذا لشيخ الخطباء، وهذا للأغوات، كما كنا نرى أطفالاً أئمة حفظوا القرآن يصلون التراويح، وهناك بعض أئمة يصلون بسور من القرآن فيقضون العشرين ركعة في نصف ساعة أو أقل، وكان اقلهم وقتاً على ما أذكره هو الشيخ عبد القادر حجار فكان يقضي العشرين ركعة في عشر دقائق (3) فلا نسمع غير التكبير والتسبيح.
وقد جمعنا الله على إمام واحد اليوم (4) وكانوا يظنون أن من أكل سمكاً ليلة السابع والعشرين يعيش للعام القادم.
ولم تكن صلاة الجماعة في الصبح أكثر من عشرة صفوف.
وكان هناك المسحراتي الذي يوقظ أهل الدور للسحور ويبدأ عمله من بعد صلاة التراويح يصحب معه ناقوساً يضرب عليه أمام كل بيت في محلته، لأنه كان لكل محلة مسحراتي وأما ما كان يقوله أمام كل بيت فأذكر منه نموذجاً منه واحداً: كان يقف أمام البيت ويدق بناقوسه على كل شطر من كلماته فمن تلك الأقوال أذكر قوله:
ستي الفقيها قريني
تقل لك أمي هجيني
سورة تبارك والتين
علقه صغيرة أعطيني
ذاكراً بعدها أسماء رجال البيت بلقب أفندي: الأفندي فلان، والأفندي فلان، وينتهي من عمله هذا قبيل السحور، فإذا حل يوم العيد اصطحب معه حماراً عليه خرج وطاف بتلك البيوت التي كان يطرقها طوال الشهر فيناوله اصحاب البيوت ما تيسر من الدراهم أو من الحبوب أو التمر.
وأتذكر بعض مقالاته المشجعة والضرب على الناقوس على كل سجعة، فمن أقواله يوم العيد:
يا جاريه يا رمانة
كلمي ستك النعسانه
جيبي الغدا من الخزانه
لا تلهطيه بالأمانه
بالدعاء لهم قائلاً: ((كل سنة وأنتم طيبين؟ أما إذا لم يكن في بعض البيوت الفقيرة شيء يعطونه فإنه كان يقول:
يا ليت ماجيتكم في الليل
ثلاثين ليلة أنا في السهر
والكلاب تجري ورايا
وأجري على رب البرايا
وكان الأطفال يتناولون المنح (البقشيش) من والديهم وذوي قرباهم ويصرفون كل ما حصلوه في الملاهي وركوب عربات الكارو ويقنعون بالهللة (5) والقرش. وقد بقيت هذه العادة ولكنها اليوم بعشرات الريالات، للأغنياء، وبريال للمساكين، وبدلاً من ركوب الحمير صار ركوب السيارات الفارهة والتنزه في مختلف البساتين. أما الفقراء فهم على ما كان سلفهم من ركوب العربات والحمير.
وإلى هنا أختم مقالي هذا سائلاً المولى أن يوفقنا لصيام هذا الشهر وإقامة الصلوات وكثرة التلاوات وبذل الصدقات فيه، ويغفر الله للجميع إنه سميع مجيب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :689  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج