شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نحن أولى بهذا
ينشر الأستاذ حلمي مراد في كتابه الشهير (كتابي) كثيراً من النفائس والذخائر.. وحليه برحلته إلى الغرب.. في أسلوب شيق، وقصاص جميل لا يكاد القارئ يحس معه بالوقت ولو طال..
وقد لفت نظري بصفة خاصة في العدد السابع (42) السنة الربعة بعض فقرات من كلمته المعنونة: (رأيت وسمعت لك في أوروبا) جعل لها عنواناً غريباً يدعو إلى التعجب!. وهو (النظافة المجنونة) منها قوله: "وإذ أردت أن تصف (زيوريخ) بكلمة واحدة، فإن أحق كلمة تقال فيها، وأقرب وصف أو وصفه تعبر عنها هي "النظافة" النظافة المطلقة المثالية، الجنونية.. فهي بغير نزاع أنظف عاصمة في أوروبا (ربما باستثناء استوكهولم عاصمة السويد في الشمال).. فأنت تسير في المدينة ساعات على قدميك، دون أن تعثر بأي شيء ملقى في الطريق. أو ترى حولك غير المباني اللامعة البراقة. وكأنما غسلت قبل ثوان. وعربات الترام التي يخيل إليك أنها خارجة لتوها من المصنع، أما المارة فكلهم يرتدي ثياباً ناصعة النظافة تشرح الصدور. بل إن مثالية القوم في النظافة قد بلغت حداً لا تستطيع في القصة التالية".
"سألت عن اقرب مطعم استطيع أن أتناول فيه شيئاً من الطعام فأرشدني أحدهم إلى مطعم المحطة.. إحدى المحطات الحديدية إلى كافة أنحاء أوروبا" - وأشار أحدهم إلى مكان المطعم فإذا به في أحد الطوابق العليا بمبنى المحطة، تصعد إليه بالمصعد ثم تدخل إحدى قاعات المطعم، فإذا به أشبه بأفخم قاعة طعام في أفخم فندق عالمي. الإضاءة مستترة في السقف والستائر على النوافذ من أغلى حرير.. والأبواب تنزلق إلى داخل الحائط في نعومة لا تسمع لها أدنى صوت وتصميم البناء، والأثاث والأخشاب، و "السرفيس" كله من أجمل طراز.. ثم الخدمة. إنها جديرة بأن تجعل (سويسرا) موطناً لأشهر "مدارس" إدارة الفنادق على أن ذلك كله يهون إلى جانب هذا المثال البسيط الذي يوحي بتقديس القوم للنظافة: فإنك إذا مضيت لتغسل يديك قبل تناول الطعام وبعد تناوله، ألقيت بجوارك (بكرة) تدور فتخرج لك منها (منشفة) مغسولة و "مكوية" بالنشا. تجفف بها يديك، ثم تدعها فتمرق إلى داخل البكرة ليظهر للقادم بعدك جزء آخر منها نظيف ومكوي بالنشا، وهكذا لا يجفف شخصان يديهما بمنشفة واحدة.. بل يجد كل إنسان في متناوله منشفة معقمة تظهر وتنطوي بطريقة آلية دون أن تلوثها يد إنسان..
واستطرد يقول: ثم لم يكف القوم ذلك - فوضعوا إلى جانب المنشفة وسيلة أخرى لتجفيف (المعقم) هي جهاز تضع إصبعك في زر فيخرج منه هواء ساخن يجفف يديك في ثوان.. إذا لم تطمئن إلى تعقيم المنشفة الأخرى ومثل آخر يدل على مدى عناية السلطات بأناقة المدينة: يمر بك الترام خلال شوارع المدينة فإذا على جانبي الشريط متنزهان رقيقان نسقت أزهارهما وحشائشهما كما في أجمل بستان، ورقدت في جوانبهما كشافات تسلط أضواءها إلى أسفل على الأزهار، فيبدو المنظر في الليل رائع الجمال..
وقال في عبارة أخرى: "كي تستطيع أن تحكم على مدى اهتمام تلك الشعوب بالنظافة إذا تأملت "نصاعة الشوارع التي تسير فيها، فأنت لن تجد فيها ورقة واحدة ملقاة أو تذكرة ترام ممزقة أو عود كبريت.. أو عقب سيجارة.. فإن ذلك كله يلقى في سلال المهملات المعلقة في كل مكان، وحسبك نظرة إلى الصور التي التقطتها لك في تلك البلدة الصغيرة - يعني مدينة (لنداو) لتأخذ فكرة عن "الكناسة" الحسناء التي تبدو في نظافة "الممرضات".. و "الجزارة" الرقيقة التي تحرص على أن يكون حانوتها في نظافة حانوت العطور حتى لتضع على منضدته الرخامية الطويلة آنية الزهور بها أنواع من الأبصال والأزهار النادرة الغالية.
ويقول: وانظر معي إلى هذا المنتزه الجميل الذي ترى صوته خلال المقال. والذي يليق بأعظم القصور الملكية من حيث تنسيقه وجماله، هل تصدق أنه منتزه عادي مفتوح للجمهور طوال النهار ومع ذلك فأنت لا تجد فيه ورقة مهملة، أو قاذورات ملقاة، أو قشرة برتقالة، أو موز.. أو بقايا وجبة طعام.. الخ.
* * *
ذلك جزء من كل، أو ثمد من قطر ووشل من بحر مما بلح إليه حرص أهل الحواس الأذواق السليمة على النظافة.. وقد ورد في الأثر الشريف أن "النظافة من الإيمان" وما من أحد أحق بها من المسلمين، وقد كانوا في العصور الأولى مضرب المثل في ذلك.. ومع أن مستواها قد ارتفع كثيراً عما كان عليه في السنوات الأخيرة إلا أنها ما تزال في الشوط الأول ومن الحيف والعسر الأنحاء باللائمة فيما ينكر في بعض الأماكن والشوارع والمنعطفات على "البلديات" فإنها لو كانت مؤلفة أو مجندة من نصف سكان كل مدينة لكان لها في النصف الآخر ما يضيع معه نشاطها وجهدها المتواصلان. فكيف؟ والنسبة معدومة؟ ولا سيما في مواسم الحج التي تجمع ما لا يعد ولا يحصى من جميع الآفاق.. وأكثرهم لا يهتمون بما هو أكثر أهمية من النظافة..
ولكن - هل يثبط ذلك من عزائم المنوط بهم أمر التنظيم ما وسعهم الإمكان وأسعفتهم الأسباب.. وهل نعذر بأن نطلق الأبقار في رابعة النهار تجوس خلال الشوارع العام.. لأن حوضاً كان قد بُني لتشرب منه يوم كان محيط العمران في مكة.. لا يتجاوز الميل الواحد.. وأن نخلي بين الأغنام والسخال والمعزى تروح وتغدو بين عجلات السيارات رغم ما تسببه من مشاكل وحوادث قد تؤدي بالأرواح، أم تهشم الأضلاع، وتحطم الرؤوس.. وأن لا نهتم بالذين يجهلون ما في التبول والتغوط من ترهيب وتحذير من الناحية الشرعية.. وأن نغض عن هؤلاء الذين لا يبالون أو لا يبالي خدمهم أن يخالفوا (الكناسين) بعد فراغهم من عملهم فينشرون (كناساتهم) أو (زبالاتهم) في طريق المارة.. وعلى نواصي الشوارع.. وهل لا يتفق لنا أن نعالج أمثال هذه التوافه بما يمنع وقوعها في حدود المصلحة وعدم الأضرار.
أعتقد أن في وسع المختصين لو أرادوا - أن يخففوا أو يلطفوا من هذه المكروهات تارة بالإقناع وأخرى بالاستجداء.. وثالثة بالوعظ والإرشاد، ورابعة وخامسة بما تنص اللوائح والإعلانات غير ذات الموضوع فإن الناس غيرهم بالأمس أو ما كانوا يتغاضون عنه، لا يغمضون اليوم عليه ولا بد من التقدم خطوة إلى الأمام كلما مرت الأشهر أو الأيام.. وكأني بمن يهمس في أذن رفيقه فيقول له إليك يا سيدي فقد (وافق شن طبقة).. فيوم "للعريف" ويوم "للغزاوي" كلاهما يسبح في الخيال ويريد أن يجعل منا (نماذج مثالية) تارة في العمران.. وأخرى في النظافة والبقية تأتي.. فيرد عليها الآخر وإيش عليك منهم.. خليهم يحموا ويصحوا.. ولكننا نؤكد لهما-ونعيرهما أن ما دعا إليه وأمر به وحث عليه الشرع الإسلامي القيم ولم ينه عنه الرسول العربي الكريم فلا بد من اصطناعه والأخذ به، وإلا كان التفريط فيه جناية لا تغفر.
ولو يطول الوقت الذي يتولى فيه المواطنون الأعزاء من مهرة المثقفين تدارك كل ما فات بعلمهم وعملهم وبتعضيد أصحاب الشأن وولاة الأمور وبحول الله وقوته في ظل وتأييد جلالة الملك المصلح العظيم (سعود بن عبد العزيز) وكل آت قريب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :452  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 850 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج