قال مالك كان عبد الله بن عمر يخرج إلى السوق فيشتري من الأسواق. وكان من أفضل أهل زمانه فقيل لمالك: أيكره الرجل الفاضل أن يخرج إلى السوق ويشتري حوائجه ليحابي بفضله؟ قال: لا وما بأس بذلك. (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) فلأي شيء لا يمشون في الأسواق.
* * *
أقول: من الناس من يرى في مشترى مقاضي بيته من السوق معرّة أو غضاضة فلا يفعل ذلك حياءاً أو استقلاء وقد أدركنا صفوة القوم وكبارهم من العلماء والوجهاء لا يعتمدون على الخدم في مشترى لوازم بيوتهم صباح مساء.. بل وكانوا لا يترفعون عن حمل "زنابيلهم" بأيديهم وليس ذلك من حاجة ولا بخل.. ولكن عن تواضع وتأدب واحتشام. فأما الآن فإن أكثرهم لا يقدمون على ذلك.. إلا اضطراراً.. مع كثير من الوجل والخجل والاستئثار، ولا شك أن من أكبر بواعث الانصراف عن ذلك اشتغال الأغلبية منهم بوظائفهم وأعمالهم ومواعيدهم أن يرتاد الأسواق أفاضل الناس وأشرافهم فإن ذلك أجدر أن يتوازى شبح الأرذال والأوغاد الذين لا يجرؤون على التسلل إليها متى علموا أن خلالها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. ويقوم بحق الطريق- الشرعي- ولعل ما افتقدناه طويلاً يعود إلى سابق عهده من التصوف والعفاف.. وغض النظر.. وكف الأذى.. والبعد عن مواقف الريب.. وعسى أن نكون من المفلحين.