قال سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج المديني الزاهد: "مثل العالم والجاهل كمثل البنّاء والرّقاص يحمل اللبن والطين على عاتقه على خشبة تحته مهواة إن زلت قدمه ذهبت نفسه، ثم يتكلف الصعود بها على هول ما تحته حتى يأتي بها إلى البناء، فلا يزيد البناء على أن يعدلها لحديدته، وبرأيه وبقدرته فإذا سلما أخذ البنّاء تسعة أعشار الأجرة.. وأخذ الرقاص عُشْراَ.. وإن هلك ذهبت نفسه.. فكذلك العالم يأخذ أضعاف الأجرة لعلمه".
* * *
قلت: واستوقفني في الخبر أنه سمى ما نسميه (بالعامل) اليوم (رقاصاً) والظاهر أنه إنما أطلق عليه ذلك لشدة حركه وانتقالاته ومناولاته.. وانحناءاته المتكررة وقد حسبتني وأنا أقرأ هذا الوصف كله من رجل توفاه الله منذ سنة 135هـ أي قبل (1242) عاماً.. وكأنني أنظر عياناً بياناً المعلم والعامل في زماننا هذا وهما فوق (السقايل).. وما من شك أن هذا الرقاص.. إذا كان حاذقاً سيصبح (بناءاً) أو (معلماً) بعد أن يرقى درجات السلم في سلكه.. كما كان ذلك أصلاً من أصول كل حرفة ومهنة أياً كانت فلا يظفر إليها كل مدع ومخادع ولا بد من أن (نصب قهوته) في مجلس أبناء طائفته ونال شهادته الجامعية.. أو العلمية من كبار أهل مهنته.. وقد عفى الزمن على هذه الأصول والقواعد.. ففسد كثر من العمل.. وعلت الشكوى من الضرر والخلل.. وسر ذلك إهمال ما يجب أن يراعى في التدرج إلى الإتقان والإحسان.