يقول ابن جني: كان الأصمعي يعيب الخطيئة ويقول: وجدت شعره كله جيداً فدل ذلك على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع الذي يرمي الكلام على هوانه جيدة على رديئة.
* * *
وهذا رأي طريف من ناقد حصيف، فإذا كان الجيد في باب المصنوع.. والرديء من باب المطبوع فما أجدر الشعراء أن يكونوا من أهل الصنعة فذلك أخلق بهم وأجدر.. وقديماً قال الشاعر:
أباها على الناس لا يشترونها
ومن يشتري ذا علة بصحيح
وما كان للأصمعي-وهو أستاذ الأساتيذ- في الأدب والنقد أن يقول هذا لولا أنه آثر شعره الطبع الذي يتفجر به القرائح، على الشعر المصنوع الذي تتقرح به الجوانح.. بما يدخل عليه من زخارف ومطارف. ولكن الرواية على إيجازها تضطر القارئ إلى الفهم المعكوس فيقارن بين الرديء والجيد.. فلا يرى مناصاً من اختيار الثاني على الأول.. دون أن يجشم نفسه مشقة الوصول إلى قصيدة النيل، و(لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات).