أصختُ و (الفَلَكُ الدَّوارُ) يَرتَجِلُ |
والفجرُ يبزغُ والأجداثُ تنتسلُ |
وملءُ أُذنيَّ أصداءٌ تُردَّدُها |
رُبى الجزيرةِ أرسالا وتَرتَفِلُ |
تجاوبتْ بها الدنيا مُدويَّةٌ |
وفَّصَّلتْ وبها الأمجادُ تكتهلُ |
* * * |
إذا انقضتْ (سورةٌ) منها بمعجِزِها |
وافتكَ أُخرى بها الإشعاعُ يبتذلُ |
خمسونَ حَولاً توالت وهي أشرطةٌ |
من حَوادِث منها الجدُّ والهَزلُ |
فاسألْ بها البيدَ تنطِقْ وهي صَامتةٌ |
والبيضُ تُفصِحُ والأشطانُ والأُسلُ |
حيثُ العروبةُ أشلاءٌ مُمزقةٌ |
والدينُ يجأرُ والأحزابُ تقتتلُ |
يمشي الفناءُ عليها دُونما حَذرٍ |
عَبرَ التُّخومِ وتَردي وهي تَكتبلُ |
وتستبدُّ البِلى شتى مَعاوِلُهُ |
خِلالَها ويميدُ السهلُ والجَبلُ |
منبتة حولهَا الأطنابُ خاويةٌ |
عُروشُها وبها الأهواءُ تختبلُ |
كأنَّها وسوادُ الليلِ يكنفُها |
كهفٌ بأعماقِهِ الآجالُ تُختزلُ |
* * * |
تداولَتها أيادي السوءِ وائتمرتْ |
بها الكَوارثُ والأيامُ والدُّولُ |
تسفو الأعاصيرُ فيها وهي عَاتيةٌ |
هوجاءُ للجنِ في أَعطافِها رَجلُ |
قد أمعنَ الداءُ في أحشائِها ومضى |
حتى تغلغلَ في أكبادِهَا الشَّللُ |
مغلولةٌ يتحدى الويلُ في سرفٍ |
أفلاذَها ويَشيعُ الهولُ والوَهلُ |
وللمنايا ارتجازٌ تستطيرُ بهِ |
أطوادُها وبهِ الغَاباتُ تشتعلُ |
يُكابرُ الجَهلُ فيها كلَّ واضحةٍ |
ويُوقِدُ النارَ فيها الحِقدُ والجَدلُ |
(والناسُ من يَلقَ خيراً قائلونَ له |
ما يشتهي وَيُلامِ المُخطىءِ الهَبلُ) |
* * * |
روَّى النجيعُ ثَراها فهو مُشرعُها |
وما لها غيرَهُ عَلٌّ ولا نهلُ |
طريدةٌ كلَّما أفضى النَّكالُ بها |
إلى الحضيضِ تَداعى فوقَهَا الطَّللُ |
لا تُبصرُ العينُ في ظَلمائِها قَبَساً |
ولا الظِلالُ إليها تجنحُ الأُصلُ |
فالأمنُ مرتكسٌ والحقُ منطمسٌ |
والمجدُ مُندرسٌ والشَرُّ منتحِلُ |
صُمٌّ غوائِرُها بكمٌ منابِرُها |
عُمْيٌ بصائِرُها أحناؤها دَغلُ |
صَريعةُ الغيِّ أودتْ غيرَ حشرجةٍ |
هي الذِّماءُ وثَمَّ (استنوقَ الجَملُ) |
* * * |
عاشت على هامشِ التاريخِ تَحسَبُها |
أُخرى الليالي مهاةً رابها الزَّللُ |
تُغضي على الضَّيمِ والتَّمحيصِ يفجعُها |
ويستشيطُ عليها الخَوفُ والخَجَلُ |
هناك حنَّتْ عليها (الأقدارُ) فانطلقتْ |
كتيبةٌ من وراءِ الغيبِ تَنتقلُ |
يؤمُّها (الصَقرُ) تُوجيِهِ (قوادِمُهُ) |
إلى التي في ضُحاها تُوِّجَ البَطلُ) |
فاعجبْ له وهو (بالدَّهناءِ) يجزعُها |
يُلفُّهُ نابغي الهمِّ يَنسدلُ |
تكادُ أنفاسُهُ الحرَّى تُسابِقُهُ |
قبلَ المَطيِّ إلى الجلَّي وتَنفصِلُ |
* * * |
طافتْ بهِ وأحاطتْ من جوانِبِهِ |
(أَرصادُهُ) وتمطتْ دونَه الطُّولُ |
مهامُهُ كاضطرادِ السيفِ مُوحشةٌ |
تضِلُ في شرحِها الضبّانُ والوَرلُ |
إذا السَمائمُ زفَّتها مُجنَّحةً |
تمخَّضَ المُهْلُ فيها واكتوى المَهَلُ |
ما يومُ عجلانَ والمحفوظُ يصرعُهُ |
بالسرِّ وهو بسيفِ اللَّهِ يَنجدِلُ |
لم تُثنِهِ الهَبواتُ السودُ مُطبقةً |
ولا الضَّوابِحُ تَعدو والقَنَا الذبلُ |
تدرَّعَ العزمَ تندكُّ الجِبالُ بِهِ |
واحتشَّهُ النصرُ والثاراتُ والذحلُ |
سادَ الهدوءُ وجُنَّ الليلُ واضطجعتْ |
بَواسقُ النخلِ والأَسوارُ والكللُ |
وانقضَّ في عدواءِ (الصرحِ) منصلتاً |
رحبَ الذِّراعِ بهِ الأبهاءُ تنتقِلُ |
طَوْراً يُصلي وطوراً رافعاً يَدَهُ |
إلى السماءِ وطوراً همسُهُ المللُ |
حتى إذا النجمُ أعياهُ تربُّصُه |
واستيقظَ القصرُ والحُرَّاسُ والخُولُ |
واختالَ (عجلانُ) تيَّاهاً ببزتِهِ |
مُستكبراً ودَنا من حتفِهِ الأَجلُ |
أهوى عليه المُفدَّى غير مُكترثٍ |
وجهاً لوجهٍ (وأوهى قَرنَه الوعلُ) |
* * * |
وكبَّرَ الشعبُ (إعجاباً) بمنقذِهِ |
وأبرقتْ بالرياضِ الحُليُ والحُللُ |
وزيَّنَ (العرشَ) بانيه (بمِفرقِهِ) |
وأقبلَ الحظُّ رغماً وهو مُمتثلُ |
وآيةُ النصرِ يَومَ الفتح بينةٌ |
تَترى البشائرُ فيها وهي تهتبلُ |
أطلَّ فيه سعودٌ واستهلَّ بِهِ |
(فتحٌ) وعيدٌ ومِيلادٌ هو الأملُ |
وأسفرَ الصُّبحُ (تَاجٍ) (ومَملكةٍ) |
يعلو بها الحقُّ والتاريخُ يَحتفلُ |
تفجَّرَ التَّبرُ فيها تحتَ أخمصِهِ |
والماءُ فاضَ بها والزبدُ والعَسلُ |
ترنو إِلى المجدِ والتوحيدِ يسلكها |
في دعوةٍ بُعثتْ من أجلِها (الرُّسُلُ) |
* * * |
نصرٌ من اللهِ في آثارهِ اقتُحِمتْ |
(عواصمٌ) وحصونٌ دكَّها الوَجلُ |
قد أعجبتْ كثرةً واستنفرتْ حُمْراً |
وبوغتتْ وهي بالأحلامِ تَكتحلُ |
* * * |
هذا اليقينُ بوعْدِ اللهِ يُنجزُهُ |
للمؤمنينَ وبئسَ الشكُّ والبَدلُ |
(إن تنصروا اللهَ ينصركمْ) بها هَتفتْ |
(روحُ المثاني) ولم يحنثْ بها الأَزلُ |
ساسَ (الرسولُ) بها من قبلُ أُمَّتهُ |
و (الراشدونَ) اهتدوا والأعصرُ الأُولُ |
فلا القياصرُ صدّتْ من تقدُّمِهِم |
ولا (الأكاسرُ) والأقيالُ والقللُ |
* * * |
وابنُ السعودِ تقفَّاهُم بسيرتِهِ |
ومن نَصائِحِهِ الأخلاصُ والعملُ |
فما ونَى في (سبيلِ اللهِ) واتحدتْ |
به المشاربُ والأهدافُ والسُّبُلُ |
وقُوَّضتْ بيديهِ المُنكراتُ على |
حدَّ الظُّبا ونعى أشياعُهُ هُبلُ |
وساختِ الأرضُ بالكُفَّارِ واجْتُنِبتْ |
كبائرُ الإِثمِ زَجراً واختفى الكَسَلُ |
وثلَّ بالمشرفيَّ البغيَ فانخسفتْ |
أصنامُهُ وتهاوتْ وهي تنجفلُ |
وشادَها (وحدةً) أرسى قواعِدَهَا |
(على الشريعةِ) لا ذَهلٌ ولا ثُعلُ |
منارُها (بِرسُولِ اللهِ) مؤتلقٌ |
ودينُها (بكتابِ اللهِ) مُكتملُ |
(مهابطُ الوحي) جَلَّ اللهُ ما برِحَتْ |
بحُبَّهِ تتغنَّى وهي تَبتَهِلُ |
تلك (المشاعرُ) في الإسلامِ آمنةٌ |
لا بَدعَ فيها ولا سَطوٌ ولا خَتَلُ |
نِيطتْ بها وأحلَّته بواصِرَها |
وليس من بعدِها فخرٌ ولا غَزَلُ |
تنزَّهتْ عن ضلالاتٍ وتَطَريَةٍ |
هي الفُتونُ ومنها استعصتِ العِللُ |
الحكمُ فيها حدودُ اللهِ نافذةً |
(والعدلُ) ينصبُّ والإحسانُ ينهملُ |
والشعبُ يكدحُ والعِرفانُ مَنهلُهُ |
و (الجيشُ يطمحُ) والعُمرانُ يشتملُ |
في كُلِّ قَاصِيةٍ منه ودانيةٍ |
كفَّاهُ تُغمرُ بالجدوى وتَفتضِلُ |
عبدُ العزيزِ تَقبَّلها مُغلغلةً |
هي اللآلىءُ إلا أنَّها الحُلَلُ |
نَظمتُها لك يا مولاي (أفئدةً) |
الحبُ يَشتفُّها والبِشرُ والجَذَلُ |
أفضتْ إليك بها (الذِّكرى) منسقةً |
فيها التَّرائبُ والأصلابُ والمُثُلُ |
شكرتَ ربَّكَ فازددْ من مواهِبِهِ |
فضلاً يدومُ وفي الأعقابِ يتَّصِلُ |
واسلم لشعبِكَ يا خيرَ الملوكِ هُدى |
ومن بتقواهُ حقاً يُضربُ المَثَلُ |
ولتحيَ للعُربِ والإِسلامِ قاطبةً |
ما شعَّ بالضوءِ منك الرأدُ والطَفلُ |