شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وهَوى النجم!
لا أدري كيف جاءت هذه المرثية في جو من الضيق والحزن والتوتر.. فالدمع لم يجف بعد على فقيد الفكر والشعر حسين سرحان.. حتى انتزع القدر من بيننا علماً آخر.. هو أخي وصديقي أحمد محمد جمال.. فتعمقت برحيله الجراح وزادت الأحزان.
ولئن كان فقد الرجال يترك في ساحات العلم والفكر مساحات خالية.. فإن قلوب أخوانهم ومحبيهم وذويهم تبقى عامرة بحبهم وذكرهم والترحم عليهم.
أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى.
ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا.
فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً.
يُفيضان للعافين مـن رَبْعِـه رفْـدا.
ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً
ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَـمُّ.. مُمْتـدّاً.
وقدْ كان لا يَسْتشعـرُ الفخْرَ بيننـا.
ولكنّـه يستشعـرُ الحبَّ والزُّهْـدا.
ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَـرى.
لصاحبـه الجاني عليه بـه حقْـدا!.
* * *
أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينـا.. ثمـارُه.
وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْـدا.
فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَمـيرُه.
فلمْ نَلْقَ طعْمـاً لـذّ فِيـهِ ولا وِرْدا.
لقد كنتَ فيـه بُلبـلاً مُتَفَـرِّداً..
بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْـدَ والوَجْـدا.
فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْـدكَ باكيـاً.
على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا.
ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْـرِ نشكُـو فِراقَـهُ.
حنيناً إليهِ.. في المَـراحِ وفي المَغْـدَى.
ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً
يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا.
وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَـنْ لا يَرَوْنَـهُ.
ضياءً.. فما أشقى بإنْكـارِه الرُّمْـدا.
ترفَّعَ عن نَهْـجِ الغُـواةِ تزهُّـداً
ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا
فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهـو فيـهِ محلّـقٌ.
وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا.
هُما كِفَّتـا فِكْـرٍ وحِـسٍّ تهَاطَـلا
بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْـدا.
وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ
عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!.
* * *
أَأَحْمَدُ.. يـا رُبَّ امْـرِىءٍ مُتميِّـزٍ.
يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَمـا يُطْـرِبُ المَهْـدا.
وقَدْ كُنْتَهُ شيخـاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًـى.
فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْـدا.
عسَاني إذا ما شـاءَ رّي تباركَـتْ.
آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى.
رَحِيليَ.. أنْ أَلْقـى لديـه فواضـلاً.
وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْـدا.
وأَنْ أَتَلاقَى والكـرامَ مـن الأُلَـى.
تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الـذي أَرْدى.
فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى.
تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِـي الوَعْـدا.
لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسـىً.
بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْـدا.
ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْمـاً.. فَلَـمْ يَفـىءْ.
إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَـأي والصَـدَّا.
ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِـهِ.
وقَدْ لانَ - عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا.
فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعـاً.
بِدارِي. فلا جَذْباً أطيـقُ ولا شَـدَّا.
وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ.
وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا.
مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحيـاةَ يَجِـدْ بهـا.
مَرَازِىءَ تُنْسِيـه المباسِـمَ والنَّهـْدا.
وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَـارِه.
حناياهُ.. حتَّى ما يطيـقُ لـهُ وَقْـدا.
وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًـى.
فلمْ يُبْقِيا حَيْـلاً ولمْ يٌبْقِيـا رُشْـدا.
وكان له رَهْطٌ نِـدادٌ.. فلـم يَعُـدْ.
له مثلهمْ. فهـوَ الذي افْتقَدَ النّـِدا.
كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى.
بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!.
* * *
سَلامٌ على الدّنيا.. سَـلامُ مُـودِّعٍ.
تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَـوْلاهُ واسْتَجْـدَى.
على أنَّهُ ما كـان في مَيْعَـةِ الصِّبـا.
صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْـدا.
عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو مـن اللَّظَـى.
فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَـرَ العَبْـدَا!!.
19/ 12/ 1413هـ
حزيران/ 1993م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :395  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 174
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج