شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تقارب السيدتين
والغريب أن بين هاتين السيدتين الجبارتين شَبَهاً يتباعد ويتقارب، فإن كل واحدة منهما قد انغمست في السياسة والريادة والاستخبارات لبلادها، ورجال العراق المؤسسون لاستقلال بلادهم يعرفون (مس بل) لا يستثنى منهم أحد، وهي تعرف كل شيء ممّا لا يعرفون، إنها تعرف عنهم ما يخفون ولا يبدون، ولها كتاب عجيب جمعت فيه بعد تقاعدها الرسائل التي كانت تحرّرها لوالدتها، وهي في معمعة السياسة في بغداد منذ النزاع الأوّل على العرش، وعلى من يتولاّه أهو الملك المرحوم فيصل بن الحسين، أم السيد طالب النقيب زعيم البصرة وكبير وجهائها، أم السيد عبد الرحمن الكيلاني؟ إلى ما بعد ذلك بكثير، وكتاب رسائلها لوالدتها تفوح صفحاته بروائح سراديب السياسة البريطانية يومئذ في عاصمة الرشيد، ممّا لا يزال في وثائق لندن المغمورة في خزائنها.
وللسيدة ستارك رسائل لوالدتها أيضاً جمعتها إحدى دور النشر في لندن وأخرجتها للناس في نحو ثمانية أجزاء، أهدتني يوم دعتني للغداء معها كما أشرت إليه أحد تلك الأجزاء، وأسهبت في ذكر ما جاء في تلك الأجزاء وما حفلت به فيما بعد، ولقد عرفت داراً تنشرها فاشتريت المجموعة كلّها، وكانت تلك الرسائل في مجلّداتها ورونقها (زاد الطريق) في سياحاتي الصيفية التي أقوم بها منذ خمسة وعشرين عاماً في المشرق والمغرب.
في أحاديثي مع السيدة (ستارك) ألححت عليها في رجاء أن تذكر لي أخبار (جمعية الحرية) التي أسّستها، وعلمت منها هي، ومن قبلها من صديقي السيد يوسف عبد الله الزواوي الذي جرّته الأقدار عند اندلاع الحرب الثانية إلى أن يكون سكرتيراً لتلك الجمعية في القاهرة، ليفرّ بذلك من إلزام المفوضية الهولندية بالقاهرة يومئذ له بالخدمة العسكرية، فقد كان يحمل جواز سفر منها أو من الإنجليز.
ولقد ذكر لي السيد الزواوي الصديق في زيارته لي في جدّة قبل اجتماعي بالسيدة (ستارك) قصّة تلك الجمعية وأخبار انتشارها بمصر واستقطابها الكثيرين من كبار رجال الأدب والشعر والصحافة فيها أوّلاً، ثم تأسيسها فروعاً لها في فلسطين ثم في بغداد، وكانت جهودها هي التي أخمدت أنفاس (نادي المثنى) الشهير بالعراق عند اندلاع الحرب.
والحديث عن تلك السيدة وجمعيّتها طويل أرجو أن تتاح لي فرصة ذكر ما سمعته منها في فرص مقبلة، ولقد انقطعت صلتي بها منذ سنوات خمس، ولم أسمع من الصحف الأجنبية ما يشير إلى أنها قد انتقلت من هذه الحياة بعد هذا العمر المديد، الذي سبقها في الرحيل صديقها الحميم وزميلها في خدمة العلم البريطاني وحمايته (أبو حنيك) "جلوب باشا" وزميلتها في ذلك الميدان "المس بل".
وهكذا تتناثر عرى تلك السلاسل الحديدية التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بالأمس مشدودة بها وموحّدة الأركان برجال من أولئك القادة، الرجال منها والنساء يقودون ويسيطرون على جحافل من الأتباع والعيون والآذان منظورين ومنتشرين في زوايا المعمورة كلّها، فلولا هؤلاء وأولئك لما قامت قاعدة لتلك الإمبراطورية التي لا يعرف التاريخ كلّه مثيلاً لها فيما يعرفه العارفون.
ونعود بعد هذا إلى ذكريات ما تمخّضت به تلك الرحلة المباركة للأمير (الملك) فيصل، لكل من واشنطن ثم للندن، وما حقّقته على مداها البعيد بعد ذلك. فقد أرسى قواعد العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين الرياض وواشنطن، وثبّتها على الأركان والزوايا التي خطّطها ورسمها الملك عبد العزيز، فقامت المفوضيّة السعودية الأولى هناك في عام 1945م، وأصبح فيها وزير مفوّض دائم، حتى ارتقت بارتقاء العلاقات بين البلدين إلى سفارة متبادلة بينهما إلى اليوم.
وقبل تلك الزيارة كان الرئيس روزفلت يرسل إلى الملك عبد العزيز بين الحين والآخر رسله المتجوّلين في الشرق الأوسط ورسله الخاصين المبتعثين بمهمات خاصة بالملك عبد العزيز وحده.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :447  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج