كلُّ قَلْـبٍ علـى ضَريحـك خاشـِعْ |
بانْكسارٍ، وكُلُّ طَرْفٍ دامِعْ |
أنْتَ مِلءُ العُيون حَيّاً ومَيْتاً |
يا شهيدَ العُلا، ومِلءُ المَسامعْ |
نكَّسَتْ رأسَها الصَوامِعُ حُزْناً |
ًوتَشَاكتْ هَوْلَ المُصابِ المرابِعْ |
ومَشَى النَعْيُ في الحَواضِر فارْتَجَّـتْ - |
قُصورٌ بأهْلها وشَوارعْ |
كَيْـفَ أفْضَـى إليـك سَهْـمُ المنايـا |
جَبَلُ الشَيْخ تتَّقيه الزَعازعْ |
قَدَماه على الثَرَى، وذُراهُ |
للدَراري مَسارحٌ ومَراتِعْ |
يُصْرَع النَسْرُ، ثُمَّ يَبْقَى أميراً |
لِطُيُورِ السَماءِ، وهو يُنازعْ |
يَتَّقيه صَيّادُهُ، وهو شِلْوٌ |
ٌويُدانيه واجِفَ القَلْبِ هالِعْ |
لَمْ تَكُنْ واحداً فَنبكيكَ يَوْماً |
ثم ننسَاكَ جُثّةً في البَلاقعْ |
كُنْتَ جيلاً مِنَ الثَقافة تَبْني |
ويداً تَفْرُش الصَحارى مَزارعْ |
أيْنما سِرتَ فالتُراب زُهورٌ |
تَحْتَ نَعْلَيْك، والصُخورُ مَنابعْ |
كَمْ مضَى سيّدٌ فلَمْ نَفْتَقِدْهُ |
مـا انتفاعـي بصـارمٍ غَيْـرِ قاطِـعْ؟ |
كُنْتَ نـوراً علـى الظـلام، وبُوقـاً |
يُوقِظ الناسَ هاجِعاً تِلْو هاجِعْ |
يُحْمَد العَـيُّ حـين يَغَـوي فَصيـحٌ |
رُبَّ شَيْخ يُنيرُ مَسْراه يافِعْ |
لم تُقابِلْ عُنْفَ الحِوار بِعُنْفٍ |
أيُّ جُهْدٍ مع الشَراسةِ نافِعْ؟ |
فَتَحَ الكَوْنَ بالمحبَةِ عيسى |
يَخْرَسُ البـومُ حـينَ يَهْتِـفُ ساجِـعْ |
وعَفَا سَيّدُ الهُدَى عن قُرَيْشٍ |
فاستكانَتْ له السُيوفُ القَواطعْ |
بَسْمَةُ الصُبْـح تَمْـلأُ النَفْـس بِشْـراً |
وعُبوسُ الدُّجَى يُثيرُ المَواجِعْ |
تَرْتَجيكَ القُلوبُ رَكْباً فرَكْباً |
وتُوافيك جائِعاً تِلْوَ جائِعْ |
حَلَفَ الفَجْرُ أنَّ دَمْعي أصفَى |
مِنْ نَـداه علـى الزُّهـور واللُّوامِـعْ |
صَدَقَ الفجرُ… ذاك أنَّ دُموعي |
حُرُقاتٌ تَفَجَّرتْ، وفَواجعْ |
هو يَبْكي لِغَيْرِ داعٍ… وأبْكي |
لدواعٍ تَحُزُّ بَيْنَ الأضالِعْ |
يَفْغرُ القَبْرُ كَلَّ يَوْمَيْن فاهُ |
لحَبيبٍ غَضَّ الشمائلِ يانِعْ |
طابَ كالوَرْدِ مَظْهَراً وأريجاً |
وزَكا كالرَّبيع رُوحاً وطابِعْ |
يا قُبورَ الأحْباب في كل وادٍ |
لكِ قَلْبي علـى اختـلافِ المَضاجـعْ |
المسافاتُ تَمَّحي حينَ تَصْحو |
ذِكْرياتٌ، وتَستجيبُ نَوازعْ |
* * * |
يا أخا الـروح هـَلْ يجيئُـك صَوْتـي |
أمْ يغولُ الزّمانُ أنّةَ جازعْ |
أنا في الصُّبْـحِ عِنْـدَ قَـبْرِك جـاثٍ |
ومَعَ اللَّيْل عِنْدَ غَيرِكَ راكِعْ |
نَثَرَتْني الرِّياحُ شِرْقاً وغَرْباً |
فدَمي في مَجاهلِ الأرضِ ناقِعْ |
آفتي – لا شَفانيَ اللهُ منها- |
أنَّني في مَوَدَّتي لا أُخادعْ |
أنْتَقي الصَحْبَ مثْلَما يُنْتَقَـى الـدُّرُّ- |
ولَيْسَتْ كلُ الطُيورِ سَواجعْ |
يوجَزُ الرَّوْضُ في إناءٍ مِـنَ الطِّيـب - |
ويُغْني عن المدينةِ شارعْ |
هَمْسُ أفْكَارهمْ يَدُبُّ بأذْني |
فإذا فكّروا فَقَلْبِيَ سامِعْ |
أتَعَامَى عَنْهُمْ إذا رَجَمْوني |
قَدْ تَحَسَّبْتُ للأذى بالبَراقِعْ |
كَمْ صَديقٍ حَفِظْـتُ ذِكْـراه فـي - |
قلبي كمـا يَحْفَـظُ الأمـينُ الوَدائِـعْ |
لَمْ أُجِبْهُ على الخِيانةِ إلا |
بوَفاءٍ كجَبْهةِ الحَقِّ ناصِعْ |
لَيْسَ في وَرْدَةِ المحَبَّةِ شَوْكٌ |
وإذا كان، لَمْ يُدَمِّ الأصابعْ |
* * * |
يا أخا الوُدِّ لاحَ طَيْفُـكَ في دَرْبـي - |
وحيَّا، فكان رَدّي المَدامِعْ |
خَنَقَتْني المأساةُ فاعْذُرْ وُجومي |
قَدْ تَمُرّ الثِمارُ وَهْيَ يَوانِعْ |
ذَكَّرَتْني عَهْداً نَديِّ الحَواشي |
ضاحِك الوَجْه، جانَبَتْه الفَجائع |
يومَ نَلْهو بَيْن الحُقولِ، ونَعْدُو |
بَيْنَ دانٍ مِنَ السُهولِ وشاسِعْ |
لا نُبالي مِنَ الزَّمان سِهاماً |
أو نُرَجّي مِنَ الحياة مَنافعْ |
آهِ ما أجْمَلَ الطُفولـةَ لَـوْ دامـت - |
وما أكْرَمَ الذُّنوبَ النَواصِعْ |
أَأُعزّي ذَويك أمْ أتعزَّى |
كُلُّنا في حَبائل الحُزْنِ واقِعْ |
جَمَعَتْنا روابطُ الدَم والفِكْر - |
وقُرْبَى منازلٍ ومَنازعْ |
قيلَ صِفْهُ، فقُلْتُ هَلْ يَصِفُ البَحْـرَ - |
خَيالٌ شُحُّ، وفِكْرٌ ضائِعٌ |
كان بَحْـراً مِـنَ الفَضائـل يَحْـوي |
كل غالٍ مِنَ اللآلي وساطِعْ |
هَيْبَةٌ تَبْهَرُ العُيونَ، وصَوْتٌ |
فيه هَمْسُ الصِّبـا وعَصْـفُ الزَوابـعْ |
ويَراعٌ يَفيـض مِنْ شِقِّـه السّحْـرُ - |
ويأتي بالمُعْجزاتِ الرَوائِعْ |
لَمْ يُسَخَّرْ لغَاصِبٍ ودَخيلٍ |
أو يُبَخِّرْ لخامِلٍ ولِخانِعٍ |
كانَ غَيْثاً يَـرْوي الحُقـولَ، وشَمْسـاً |
تَمْلأُ الأرضَ والفَضاء صَنائِعْ |
لَمْ يَشِدُ مَصْنَعـاً مِـنَ الطِّـين، لكـنْ |
مِنْ عُقـول الشَبـاب شـادَ مَصانِـعْ |
بمصابيحه استنَاروا، وسَنُّوا |
مِنْ تَعاليمه الغَوالي شَرائعْ |
وزَّعَتْهم يَدُ الحياة طُيوباً |
في النَّوادي، وأنْجُماً في المَجامعْ |
دانَ بالحقِ، لَمْ يُصانِعْ قَوِياً |
آيةُ الحُرِ أنَّه لا يُصانِعْ |
إنَّما العِلْمُ للسَماء طَريقٌ |
أكْرَمُ الناس عالمٌ مُتواضِعْ |
عاشَ لا يَعْرِفُ التَعَصُّبَ إلاّ |
أنهُ آفةٌ لشارٍ وبائِعْ |
ليسَ في جَوْهرِ الدياناتِ فَرْقٌ |
قَدْ يَكون اختلافُها في الذرائِعْ |
كلُّ دَرْبٍ يَقودُ للخَيْر خيرٌ |
كلُ رأيٍ يقولُ بالحُبِ جامِعْ |
خابَ مَنْ يَرْكَـبُ المعاصـي، ويُبـدِي |
في أحاديثه نَدامةَ طائِعْ |
ليسَ عِنْدَ الإله عَبْدٌ ومَوْلى |
كلُّ امـرئٍ يُجْزَى بمـا هـو صانِـعْ |
عابَهُ بَعْضُهم فأعْرضَ عَنْهم |
كَيْفَ يُصْغي إلى نَقيقِ الضَّفادعْ |
قَدْ تَعَلَّمْتُ مِنه كَيْفَ أُداري |
وتَعلَّمْتُ منه كيف أُقارِعْ |
وتَعَلَّمْتُ كَيْفَ أخْدِمُ قَوْمي |
بيَراعي، وكيف عَنْهم أُدافِعْ |
وتَعَلَّمْتُ كيف أخْفِضُ رأسي |
لِمَسيحي، ولِلرَّسول الشارِعْ |
وتَعَلَّمْتُ كيفَ أفْتَح قَلْبي |
ومَلاذي لكلِّ راجٍ وقارِعْ |
وتَعَلَّمْتُ كيف أغْفو قَريراً |
مُطْمَئِناً على فِرَاشِ اللَواذعْ |
وتَعَلَّمْتُ أنْ أرودَ المَعَالي |
وتَعَلَّمْتُ أن أروضَ المَعامِعْ |
وتَعَلَّمْتُ أنْ أصيدَ اللآلي |
وأصوغ المُعَلَّقاتِ البَدائِعْ |
وتَعَلَّمْتُ أنْ أنزّهَ شِعْري |
وشُعوري عَنِ ارتياد المَطامِعْ |
وتَعَلَّمْتُ أن أحبَّ تُراثي |
فهْو عِرْضي أردُّ عنه الفَظائِعْ |
كسَدَ الشِعْر بَعْـدَ عِـزٍ… ويَلْقَـى |
أدَبُ الزَّيْف ألفَ سوقٍ واسِع |
لا رَعَى اللهُ بِدْعَةً تَقْتَضينا |
أن نُصَلّي لكلِ أرْعَنَ ظالِعْ |
أخْرَجَتْ مِنْ عَشيرة الشِعْـر "شَوْقـي" |
واصطفَتْ شاعرَ الهُراء الشاسِعْ |
قُلْ لِمَـنْ يَحْسَـب الرَّطانـة شِعْـراً |
تُخْدَعُ العَيْنُ بالسَرابِ اللامِعْ |
بِنْتُ عَدْنانَ لَنْ تُباحَ لرَهْطٍ |
مالِطيٍّ هَشٍّ الثقافة مائِعْ |
آيةُ الضاد شِعْرُها، فاحْتَرمْهُ |
لا تَكُنْ في سَفاسِـفِ الـرأيِ ضالِـعْ |
عَبَثاً تَنْظِم القَوافي إذا لَمْ |
يَكُن الشِّعْر مِنْ ضَميرك نابِعْ |
* * * |
يا صَديقي، صارَعـْتُ كَيْـدَ الليالـي |
فمتى يَستريحُ بالُ المُصارعْ؟ |
أكَلَ الهمُّ نِصْـفَ عُمْـري، ولاكَـتْ |
نِصْفَ عُمْري توافِهٌ وتوابِعْ |
كَمْ طَوَيْـتُ القفـارَ خَلْـف رَغِيفـي |
وتَحدَّيْتُ في الظلام المَسابِعْ |
حنَّ قَلْبي إلى مَرابعِ أهْلي |
أتُراها حَنَّتْ إليّ المَرابِع؟ |
يَشْهَدُ اللهُ ما طَمِعْتُ بمالٍ |
إنّ طَيْرَ الأراكِ ليسَ بطامِع |
كلُّ مـا زادَ عَـنْ عَشائـي فَضـولٌ |
أنا بَعْدَ العَشاء للـَّه راجِعْ |
ما انتفاعي بالتِبْر يَمْلأُ جَيْبي |
وفُؤادي إلى المَحَبَّة جائِعْ؟ |
أنا أغنَى الأنام ما دُمْتُ لا - |
أرْجو لَئيماً ولا أداري مُخادعْ |
ما تَنَسَّكْتُ في الصَوامع جِسْماً |
إنّ رُوحي تَعيش بَيْن الصَوامِع |
غَرِقَتْ في التـراب رِجْلـي، ولكـنْ |
لازَمَتْ مُقْلَتي النُجومَ الطوالِع |
* * * |
يا شهيدَ الوفاء تأبَى دُموعي |
أنْ تراها مَدَى الحياة هَوامِعْ |
لَسْتُ أنْسى رِفاقَ دَرْبي ولكنْ |
كُتبتْ آيةُ العَزاء لقانِعْ |
أنْتَ حَـيٌُ علـى الزَّمـانِ، فدَعْـني |
أنْحني للصَّلاح والعِلم خاشِعْ! |