شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا قبـور الأحبـاب
قالها في رثاء الأب يوسف دُرّة الحداد، المعروف بغـزارة علمه وسعة ثقافته، وكان قَدْ تَوَصَّل في أواخر أيامه – بعد دراسات وتأملات – إلى الاقتناع بأن الإسلام والمسيحية يصدُران من ينبوع واحد ويصبّان في غاية واحدة، وإن تبايَنَت السبل واختلفت المناهج، فكتب وحاضر وألّف في هذا الموضوع، وكان له مع كبار الأئمة مـن كل ديـن وطائفة محاورات بنّاءة، تميزت بنزاهة القصـد، وعفّـة الرأي وطهارة الضمير. وكان الفقيد من لدات الشاعر ورفاقه في الطفولة والمدرسة والجوار.
كلُّ قَلْـبٍ علـى ضَريحـك خاشـِعْ
بانْكسارٍ، وكُلُّ طَرْفٍ دامِعْ
أنْتَ مِلءُ العُيون حَيّاً ومَيْتاً
يا شهيدَ العُلا، ومِلءُ المَسامعْ
نكَّسَتْ رأسَها الصَوامِعُ حُزْناً
ًوتَشَاكتْ هَوْلَ المُصابِ المرابِعْ
ومَشَى النَعْيُ في الحَواضِر فارْتَجَّـتْ -
قُصورٌ بأهْلها وشَوارعْ
كَيْـفَ أفْضَـى إليـك سَهْـمُ المنايـا
جَبَلُ الشَيْخ تتَّقيه الزَعازعْ
قَدَماه على الثَرَى، وذُراهُ
للدَراري مَسارحٌ ومَراتِعْ
يُصْرَع النَسْرُ، ثُمَّ يَبْقَى أميراً
لِطُيُورِ السَماءِ، وهو يُنازعْ
يَتَّقيه صَيّادُهُ، وهو شِلْوٌ
ٌويُدانيه واجِفَ القَلْبِ هالِعْ
لَمْ تَكُنْ واحداً فَنبكيكَ يَوْماً
ثم ننسَاكَ جُثّةً في البَلاقعْ
كُنْتَ جيلاً مِنَ الثَقافة تَبْني
ويداً تَفْرُش الصَحارى مَزارعْ
أيْنما سِرتَ فالتُراب زُهورٌ
تَحْتَ نَعْلَيْك، والصُخورُ مَنابعْ
كَمْ مضَى سيّدٌ فلَمْ نَفْتَقِدْهُ
مـا انتفاعـي بصـارمٍ غَيْـرِ قاطِـعْ؟
كُنْتَ نـوراً علـى الظـلام، وبُوقـاً
يُوقِظ الناسَ هاجِعاً تِلْو هاجِعْ
يُحْمَد العَـيُّ حـين يَغَـوي فَصيـحٌ
رُبَّ شَيْخ يُنيرُ مَسْراه يافِعْ
لم تُقابِلْ عُنْفَ الحِوار بِعُنْفٍ
أيُّ جُهْدٍ مع الشَراسةِ نافِعْ؟
فَتَحَ الكَوْنَ بالمحبَةِ عيسى
يَخْرَسُ البـومُ حـينَ يَهْتِـفُ ساجِـعْ
وعَفَا سَيّدُ الهُدَى عن قُرَيْشٍ
فاستكانَتْ له السُيوفُ القَواطعْ
بَسْمَةُ الصُبْـح تَمْـلأُ النَفْـس بِشْـراً
وعُبوسُ الدُّجَى يُثيرُ المَواجِعْ
تَرْتَجيكَ القُلوبُ رَكْباً فرَكْباً
وتُوافيك جائِعاً تِلْوَ جائِعْ
حَلَفَ الفَجْرُ أنَّ دَمْعي أصفَى
مِنْ نَـداه علـى الزُّهـور واللُّوامِـعْ
صَدَقَ الفجرُ… ذاك أنَّ دُموعي
حُرُقاتٌ تَفَجَّرتْ، وفَواجعْ
هو يَبْكي لِغَيْرِ داعٍ… وأبْكي
لدواعٍ تَحُزُّ بَيْنَ الأضالِعْ
يَفْغرُ القَبْرُ كَلَّ يَوْمَيْن فاهُ
لحَبيبٍ غَضَّ الشمائلِ يانِعْ
طابَ كالوَرْدِ مَظْهَراً وأريجاً
وزَكا كالرَّبيع رُوحاً وطابِعْ
يا قُبورَ الأحْباب في كل وادٍ
لكِ قَلْبي علـى اختـلافِ المَضاجـعْ
المسافاتُ تَمَّحي حينَ تَصْحو
ذِكْرياتٌ، وتَستجيبُ نَوازعْ
* * *
يا أخا الـروح هـَلْ يجيئُـك صَوْتـي
أمْ يغولُ الزّمانُ أنّةَ جازعْ
أنا في الصُّبْـحِ عِنْـدَ قَـبْرِك جـاثٍ
ومَعَ اللَّيْل عِنْدَ غَيرِكَ راكِعْ
نَثَرَتْني الرِّياحُ شِرْقاً وغَرْباً
فدَمي في مَجاهلِ الأرضِ ناقِعْ
آفتي – لا شَفانيَ اللهُ منها-
أنَّني في مَوَدَّتي لا أُخادعْ
أنْتَقي الصَحْبَ مثْلَما يُنْتَقَـى الـدُّرُّ-
ولَيْسَتْ كلُ الطُيورِ سَواجعْ
يوجَزُ الرَّوْضُ في إناءٍ مِـنَ الطِّيـب -
ويُغْني عن المدينةِ شارعْ
هَمْسُ أفْكَارهمْ يَدُبُّ بأذْني
فإذا فكّروا فَقَلْبِيَ سامِعْ
أتَعَامَى عَنْهُمْ إذا رَجَمْوني
قَدْ تَحَسَّبْتُ للأذى بالبَراقِعْ
كَمْ صَديقٍ حَفِظْـتُ ذِكْـراه فـي -
قلبي كمـا يَحْفَـظُ الأمـينُ الوَدائِـعْ
لَمْ أُجِبْهُ على الخِيانةِ إلا
بوَفاءٍ كجَبْهةِ الحَقِّ ناصِعْ
لَيْسَ في وَرْدَةِ المحَبَّةِ شَوْكٌ
وإذا كان، لَمْ يُدَمِّ الأصابعْ
* * *
يا أخا الوُدِّ لاحَ طَيْفُـكَ في دَرْبـي -
وحيَّا، فكان رَدّي المَدامِعْ
خَنَقَتْني المأساةُ فاعْذُرْ وُجومي
قَدْ تَمُرّ الثِمارُ وَهْيَ يَوانِعْ
ذَكَّرَتْني عَهْداً نَديِّ الحَواشي
ضاحِك الوَجْه، جانَبَتْه الفَجائع
يومَ نَلْهو بَيْن الحُقولِ، ونَعْدُو
بَيْنَ دانٍ مِنَ السُهولِ وشاسِعْ
لا نُبالي مِنَ الزَّمان سِهاماً
أو نُرَجّي مِنَ الحياة مَنافعْ
آهِ ما أجْمَلَ الطُفولـةَ لَـوْ دامـت -
وما أكْرَمَ الذُّنوبَ النَواصِعْ
أَأُعزّي ذَويك أمْ أتعزَّى
كُلُّنا في حَبائل الحُزْنِ واقِعْ
جَمَعَتْنا روابطُ الدَم والفِكْر -
وقُرْبَى منازلٍ ومَنازعْ
قيلَ صِفْهُ، فقُلْتُ هَلْ يَصِفُ البَحْـرَ -
خَيالٌ شُحُّ، وفِكْرٌ ضائِعٌ
كان بَحْـراً مِـنَ الفَضائـل يَحْـوي
كل غالٍ مِنَ اللآلي وساطِعْ
هَيْبَةٌ تَبْهَرُ العُيونَ، وصَوْتٌ
فيه هَمْسُ الصِّبـا وعَصْـفُ الزَوابـعْ
ويَراعٌ يَفيـض مِنْ شِقِّـه السّحْـرُ -
ويأتي بالمُعْجزاتِ الرَوائِعْ
لَمْ يُسَخَّرْ لغَاصِبٍ ودَخيلٍ
أو يُبَخِّرْ لخامِلٍ ولِخانِعٍ
كانَ غَيْثاً يَـرْوي الحُقـولَ، وشَمْسـاً
تَمْلأُ الأرضَ والفَضاء صَنائِعْ
لَمْ يَشِدُ مَصْنَعـاً مِـنَ الطِّـين، لكـنْ
مِنْ عُقـول الشَبـاب شـادَ مَصانِـعْ
بمصابيحه استنَاروا، وسَنُّوا
مِنْ تَعاليمه الغَوالي شَرائعْ
وزَّعَتْهم يَدُ الحياة طُيوباً
في النَّوادي، وأنْجُماً في المَجامعْ
دانَ بالحقِ، لَمْ يُصانِعْ قَوِياً
آيةُ الحُرِ أنَّه لا يُصانِعْ
إنَّما العِلْمُ للسَماء طَريقٌ
أكْرَمُ الناس عالمٌ مُتواضِعْ
عاشَ لا يَعْرِفُ التَعَصُّبَ إلاّ
أنهُ آفةٌ لشارٍ وبائِعْ
ليسَ في جَوْهرِ الدياناتِ فَرْقٌ
قَدْ يَكون اختلافُها في الذرائِعْ
كلُّ دَرْبٍ يَقودُ للخَيْر خيرٌ
كلُ رأيٍ يقولُ بالحُبِ جامِعْ
خابَ مَنْ يَرْكَـبُ المعاصـي، ويُبـدِي
في أحاديثه نَدامةَ طائِعْ
ليسَ عِنْدَ الإله عَبْدٌ ومَوْلى
كلُّ امـرئٍ يُجْزَى بمـا هـو صانِـعْ
عابَهُ بَعْضُهم فأعْرضَ عَنْهم
كَيْفَ يُصْغي إلى نَقيقِ الضَّفادعْ
قَدْ تَعَلَّمْتُ مِنه كَيْفَ أُداري
وتَعلَّمْتُ منه كيف أُقارِعْ
وتَعَلَّمْتُ كَيْفَ أخْدِمُ قَوْمي
بيَراعي، وكيف عَنْهم أُدافِعْ
وتَعَلَّمْتُ كيف أخْفِضُ رأسي
لِمَسيحي، ولِلرَّسول الشارِعْ
وتَعَلَّمْتُ كيفَ أفْتَح قَلْبي
ومَلاذي لكلِّ راجٍ وقارِعْ
وتَعَلَّمْتُ كيف أغْفو قَريراً
مُطْمَئِناً على فِرَاشِ اللَواذعْ
وتَعَلَّمْتُ أنْ أرودَ المَعَالي
وتَعَلَّمْتُ أن أروضَ المَعامِعْ
وتَعَلَّمْتُ أنْ أصيدَ اللآلي
وأصوغ المُعَلَّقاتِ البَدائِعْ
وتَعَلَّمْتُ أنْ أنزّهَ شِعْري
وشُعوري عَنِ ارتياد المَطامِعْ
وتَعَلَّمْتُ أن أحبَّ تُراثي
فهْو عِرْضي أردُّ عنه الفَظائِعْ
كسَدَ الشِعْر بَعْـدَ عِـزٍ… ويَلْقَـى
أدَبُ الزَّيْف ألفَ سوقٍ واسِع
لا رَعَى اللهُ بِدْعَةً تَقْتَضينا
أن نُصَلّي لكلِ أرْعَنَ ظالِعْ
أخْرَجَتْ مِنْ عَشيرة الشِعْـر "شَوْقـي"
واصطفَتْ شاعرَ الهُراء الشاسِعْ
قُلْ لِمَـنْ يَحْسَـب الرَّطانـة شِعْـراً
تُخْدَعُ العَيْنُ بالسَرابِ اللامِعْ
بِنْتُ عَدْنانَ لَنْ تُباحَ لرَهْطٍ
مالِطيٍّ هَشٍّ الثقافة مائِعْ
آيةُ الضاد شِعْرُها، فاحْتَرمْهُ
لا تَكُنْ في سَفاسِـفِ الـرأيِ ضالِـعْ
عَبَثاً تَنْظِم القَوافي إذا لَمْ
يَكُن الشِّعْر مِنْ ضَميرك نابِعْ
* * *
يا صَديقي، صارَعـْتُ كَيْـدَ الليالـي
فمتى يَستريحُ بالُ المُصارعْ؟
أكَلَ الهمُّ نِصْـفَ عُمْـري، ولاكَـتْ
نِصْفَ عُمْري توافِهٌ وتوابِعْ
كَمْ طَوَيْـتُ القفـارَ خَلْـف رَغِيفـي
وتَحدَّيْتُ في الظلام المَسابِعْ
حنَّ قَلْبي إلى مَرابعِ أهْلي
أتُراها حَنَّتْ إليّ المَرابِع؟
يَشْهَدُ اللهُ ما طَمِعْتُ بمالٍ
إنّ طَيْرَ الأراكِ ليسَ بطامِع
كلُّ مـا زادَ عَـنْ عَشائـي فَضـولٌ
أنا بَعْدَ العَشاء للـَّه راجِعْ
ما انتفاعي بالتِبْر يَمْلأُ جَيْبي
وفُؤادي إلى المَحَبَّة جائِعْ؟
أنا أغنَى الأنام ما دُمْتُ لا -
أرْجو لَئيماً ولا أداري مُخادعْ
ما تَنَسَّكْتُ في الصَوامع جِسْماً
إنّ رُوحي تَعيش بَيْن الصَوامِع
غَرِقَتْ في التـراب رِجْلـي، ولكـنْ
لازَمَتْ مُقْلَتي النُجومَ الطوالِع
* * *
يا شهيدَ الوفاء تأبَى دُموعي
أنْ تراها مَدَى الحياة هَوامِعْ
لَسْتُ أنْسى رِفاقَ دَرْبي ولكنْ
كُتبتْ آيةُ العَزاء لقانِعْ
أنْتَ حَـيٌُ علـى الزَّمـانِ، فدَعْـني
أنْحني للصَّلاح والعِلم خاشِعْ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :469  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 584 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.