لُحْ في سماءِ العَبْقَرِيةِ كوكباً |
وامرَحْ صَبا بـينَ الجَـدَاولِ والرَّبـى |
تأْبَى الخَمَائلُ أنْ تَمِيسَ وتَطْرَبا |
ما لم تُدَغْدِغُها نُسَيماتُ الصَّبا |
وتَضُمَّ بُلْبُلَهَا الأرَقَّ الأعْذَبا |
وقِّعْ أناشيدَ الصَّبابةِ والهوى |
وابْعثْهُ عَهْداً طَيـِّبَ النَّشْـرِ انْطَـوى |
لا تُعْبَسانَّ بمن تَغاوى أو غَوى |
فَلقدْ جَعَلْتَ الشِّعـرَ مرفـوعَ اللِّـوا |
ولقَدْ وَقَفنا حوْلَ عَرْشِكَ مَوْكِبا |
هـذي يَـدي لَكَ بالإمـارةِ بايَعَـت |
لا الأجْرُ أغرَاهـا ولا هـي صَانَعَـت |
سَمِعتْ أغانـي المَهْرَجـان فسارَعَـت |
شَهِدَ الإلهُ قَطَعتُها لو مَانَعَتْ |
وخَنَقْتُ صَوتي لَوْ تردَّد أو نَبا |
باراكَ فُرْسَان الخَيالِ فقَصَّروا |
هَيْهَاتَ يَجْرِي في غُبارِك عَنْتَر |
للشِعْرِ دَوْلَتُه وأنْتَ القَيْصَرُ |
فليغضَبِ المُتَفَرضونَ ويَهْذُروا |
وَلْيَنْعَبوا… خُلِق الغُراب لِيَنْعَبا |
حَلّقْتَ في أفُقِ البَيانِ تُغَرِّدُ |
وَبَلغْتَ شَأواً فيه ليس يُحَدَّدُ |
لَمْ يَسْم حَيْـث سَمَـوْتَ ألا أحْمَـدُ |
نَسْر الكِنانـة، بـَلْ فتَاهـا الأوْحَـدُ |
ذاكَ الذي كَبَـتِ الفُحـول ومـا كَبـا |
أنْفَقْتَ عُمْركَ بالإخاءِ تُبَشِّرُ |
والناسُ حَوْلَكَ ثَعْلَبٌ وغَضَنْفَرُ |
طَوْراً تَبُشُ وتارةً تَتَعَكَّرُ |
ما إنَ تَصَدّ أذىً يَصولُ ويَزْأَرُ |
حتى تَحِسَّ أذىً تَقَمَّص ثَعْلَبا |
كَمْ قَدْ سَهْرتَ اللَيْـلَ تَـذرُف أدْمُعـا |
حَرَّى على وَطـنٍ وَهـى وتَضَعْضَعـا |
ولكمْ أثَـرْتَ علـى الخِيانـةِ زَعْزَعـا |
تَرَكَتْ مراتِعها خلاء بَلْقَعا |
واجْتاحَت المُتَهَوِّدَ المُتَعصّبا |
كَمْ صَيْحةٍ لَكَ في النُفـوسِ تَـرَدَّدَتْ |
فَتَجَدَّدَتْ آمالُها وتَشدَّدَتْ |
أمْلى الأسَى حُرَقاتِها فَتَصَعَّدَتْ |
دَكْناءَ ثُمَّ تَغَضَضَتْ وَتَولَّدَتْ |
غَيْثاً يُضاحِكُ كلَّ حَقْلٍ أجْدَبا |
كَمْ ذُدْت عَـنْ أمِّ اللُّغـاتِ عَواديـا |
وَدَفَعْتَ عنها هاذياً ومُعاديا |
ولكمْ رَفَعْـتَ اسْـمَ العُروبـةِ عاليـا |
في مَعْشَرٍ عَشِقُوا التخاذُلَ نادِيا |
وتَقَمَّصَت فيهم مَطامعُ أشْعَبَا |
أيُّ المحافِلِ لَمْ يَتِهْ بكَ شاعراً |
أيُّ المنابِرِ لَمْ يَمِسْ بك ناثراً |
إني أقَلِّبُ ما صَنَعْتَ فلا أرَى |
إلاَّ مآثِرَ قَدْ زَحِمْنَ مآثِرا |
باهَى بها شَرْقُ البلادِ المَغْرِبا |
لَمْ تَعْلُ في أفقِ العُروبة زَأرةٌ |
إلاَّ تَلَتْها مِنْ يَراعِك نَبْرةٌ |
أو تَعْتَلِجْ بَيْنَ الجوانح حَسْرةٌ |
إلاَّ تعالتْ مِنْ فؤادِك زَفْرةٌ |
تَنْساب ناراً في دِماكَ وعَقْرَبا |
الثَوْرة الحَمْراء خُضْتَ دُخَانَها |
وَحَمَلْتَ رايَتَها وكُنْتَ لِسانها |
قَلَّدْتَ – لا مُتَزَلِفاً – سُلْطانَها |
غُرَراً خَوالدَ لا يَشوب بَيانَها |
غَرَضٌ، ولا حاوَلْتَ منها مَكْسِبا |
سَعتِ الخِيانـةُ كـي تُشَـوِّه قَدْرَهـا |
فَخَنَقْتَ في صَدْرِ الخِيانةِ مَكْرَها |
ما ضَرَّها لَـوْ لَـمْ تُفـارِقْ وَكْـرَها |
وَطَوَتْ دَسائِسَها وَلفَّتْ هَذْرَها |
واسْتَأصَلتْ ناباً وفَضَّتْ مِخْلبَا؟ |
يا مَنْ يُطَاطِىء للدَّخيلِ الهامَا |
وعلى مَواطِىءِ نَعْلِهِ يَتَرامَى |
مَنْ ليسَ يَرْعى للأبيِّ ذِماما |
هَيْهاتَ يُضْمِرُ للذليلِ سَلاما |
مَهْما تَظاهَرَ بالوَلا وتَقَرَّبا |
أتكيدُ للوطَنِ الذي رَبّاكا |
وبدمْعِهِ ودِمائه غَذَاكا |
أمِنَ المُروءةِ أنْ تَخونَ أخاكا |
أمِنَ الشَهامةِ أنْ تَعُقَّ أباكا |
وتَدوسَ مِنْ أجْلِ البَعيدِ الأقْرَبا؟ |
أولَيْسَ يَجْمَعُنا لسانٌ واحدٌ |
وأبٌ إذا انْتَمَتِ المفاخُر خالدُ؟ |
إني لأعْجَبُ كَيْف يَنْشأُ جاحِدُ |
في أمَّةٍ يَرْعى لِواها "خالدُ" |
ويَجولُ في أعصابها دَمُ يَعْرُبا |
مالي وللماضي أُعيدُ حِسابَه |
وأُثيرُ ذِكْراهُ وأفْتَحُ بابَه |
خَتَمَ انْدِحارُ الانتدابِ كتابَه |
فلْنَطْوِ صَفْحَتَهُ ونرْخِ نِقابَه |
ونَجُرُّ ذيلَ الصَفْح عَمَّن أذنبا |
تأبى الشَهامةُ أنْ نُقايسَ بالعِدا |
شَرَّ الذين تَنكَّبوا سُبُلَ الهُدَى |
لا تَحْذَرَن، إذا الكريمُ توعَّدا |
هَيْهاتَ تَجْتَمِع الضَغينةُ والنَّدَى |
إنَّ الغَدير إذا أُثير اعْذَوْذَبا |
صِلَةُ القرابَةِ علَّمَتْنا أن نَرَى |
شَوْكَ الأخِ العَرَبيِّ زَهْراً أنْوَرا |
غفرَ الإلهُ لمن أساءَ أو افْترى |
ولمَنْ أسرَّ لنا الأذى أو أظْهَرا |
ولمَنْ تَنَمَّرَ تارةً وتَثَعْلبَا |
يا شاعِرَ الإلْهامِ إني طائِرٌ |
يَلْهو به زَمَنٌ عَنيدٌ ساخِرُ |
ماتَ الشُعورُ فقامَ فيه التاجرُ |
وَطغى الحُطـامُ فنـامَ فيـه الشاعـرُ |
وطوى جَناحَيهِ على مَرَحِ الصِّبا |
يا مـَنْ يَفُـكُّ مِـنَ الحُطـام عِقالـي |
ويَحُلُّ مِنْ أسْرِ التُرابِ خَيالي |
خُذّ كلَّ ما مَلَكتْ يَـدي مِـنْ مـالِ |
وأعِدْ إليَّ مَراتِع استقلالي |
بَيْن الغَمائمِ والخُمائلِ والرُّبَى |