هَذهِ يا مُنايَ آخِرُ قُبْلَهْ |
فدَعيني أمْتَصُّ ثَغْراً ومُقْلَهْ |
قسَماً لَنْ أذوقَ بَعْدكِ شَهْداً |
مِنْ فمٍ… أو أطـيرَ فـي إثْـر نَحْلَـهْ |
جَمْعَتْنا الحياةُ حيناً، ولكنْ |
تَنْتهي في أوانِها كُلُّ رِحْلهْ |
قَتَلَتْني عيناك...يا وَيْح قَيْسٍ |
كَيْفَ حَلّلتِ يا بَريئةُ قَتْلَهْ |
ما تَوَقَّعْتُ وَقْفةً مِثْلَ هذي |
لَيْتَ عينَ الزمان عنّا بغَفْلَه |
كان حُلْماً لقاؤنا أو كحُلْمٍ |
مثلما يَلْتَقي نَسيمٌ وفُلّه |
كَيْفَ قيدتِ فـي هَـواكِ وجـودي؟ |
يا لَلُغْزٍ عَجَزْتُ عَنْ أنْ أحُلَّهْ |
بَسْمةٌ مِنْكِ وارتعاشَةُ جَفْنٍ |
خَلْتاني على دُروبكِ شُعْلَهْ |
ضاعَ عَقْلي، وكُنْـتُ أعْجَـُب ممّـنْ |
في هَوَى حُلْوةٍ يُضيّع عَقْلَهْ |
ماتَ قلبي إلاّ بقايا رَجاءٍ |
كَمْ قَتيل رَمَتْ لِحاظُكِ قَبْلَه؟ |
وَيْحَه كَمْ جَنَى هَواكِ عَلَيْه |
وهْوَ راضٍ يُعِلّ بالصَّبْر غُلَّهْ |
ذلَّ، وهْوَ الذي تحدَّى الثُّريّا |
يا لَه عَنْتراً أذلّتْه عَبْلَة! |
أتُرَى شابَ حُبُّنا وهْو طِفْلٌ |
أَمْ تُراني خُدِعْتُ مِنْكِ بِطفْلَة؟ |
أخَبا في الضُّلوع جَمْرٌ، ودالَتْ |
دَوْلةٌ فيها طَاوَلَتْ كلَّ دَوْلَهْ |
شابَ فَوْدي، ولا يَزالُ فُؤادي |
يَزْرَعُ الحُبَّ ثُمَّ يَجْنيه غَلَّهْ |
لَسْتُ أرْثـي لِمُدْنَـفٍ مـاتَ وَجْـداً |
أنا أرْثي لِمَنْ تَعَمّدَ عَذْلَهْ |
إنْ زَكَتْ خَمْرتي فثَغْركِ كَرْمي |
جلَّ مَنْ حرَّمَ الجَنَى وأحَلَّهْ |
وإذا اهْتزّتِ النفوسُ لشَدْوي |
رُحْتُ أعْزو إلى عُيونكِ فَضْلَهْ |
وهَبَتْني يداكِ خَصْلةَ شَعْرٍ |
سَلِمْت للنَّدَى يَدانِ وخَصْلَهْ |
تَحْفُةٌ مِنْ مَقالِع التِّبْر سُلَّتْ |
أوْ مِنَ الشَّمْـس قَـدْ تدلّـتْ بسَلّـه |
في ضُلوعي أصونُها وجُفوني |
يا لَكَنْز لَدَيّ أحْذرُ بَذْلَهْ |
يا زَمانَ الهَوَى زَرْعْتَ بقَلْبي |
عِلّةً، إثْرَ عِلّةٍ، إثْرَ عِلّهْ |
أَنْتَ أزْهَى العُهـودِ مَهْما تَجَهّمْـتَ- |
فيا وَيْلَ مَنْ يَعيبُكَ، وَيْلَهْ |
آهتي مِنْكَ وابْتِسامتي ودَمْعي |
والذي جِئْـتُ مِـنْ صَـلاحٍ وَزلَّـهْ |
أنا لولاكَ لَمْ يَكُنْ لي جَناحٌ |
في مراقي الشِّهابِ يَسْبَحُ حَوْلَهُ |
أنا لولاكَ ما اهْتَدَيْتُ لذاتي |
لا وَلَمْ اكْتَشِفْ فَضائيَ كلَّه |
فَوْقَ هـامِ السُّهـى رَفَعْـتُ لوائـي |
فاغْنَمي يا قَوافلَ الحُبّ ظِلّهْ |
جَوْلَتي فيكَ طَهَّرتنيَ رُوحاً |
لَيْتَ كـلَّ النُّفـوسِ تَحْظَـى بجَوْلَـهْ |
جَوْلتي فيك قَرَّبتْني إلَيْها |
وسَقَتْني خَمْرَ السُّهادِ وخَلَّهْ |
إنْ تكُ الشامُ مَهْدَهـا فهْـي مَهْـدي |
أوْ تَكُنْ زَحْلةٌ فمَهْديَ زَحْلَه |
باسمها العَذْب طـارَ ذِكْـري، ولـولا |
نِعْمَيَاتُ السَّحـاب لَـمْ تَـزْهُ حَقْلَـهْ |
* * * |
قَبْلَ أنْ نَلْتَقي على الأرضِ كُنَّا |
نَلْتَقي في غِمامةٍ خَلْفَ تَلّهْ |
لَمْ نَكُنْ نُحْسِنُ الكَلامَ ولكنْ |
لَمْ تَفُتْنا في دَفْتَر الحُبِّ جُمْلَهْ |
نتَنَاجَى باللَّحْظِ حيناً، وحيناً |
نَتَنادى بنَبرةٍ أو بِسَعْلَهْ |
بحِجار الخَيال نَبْني قُصوراً |
ومِنْ الوَهْم نَرْتَدي ألفَ حُلَّهْ |
قَدْ شَرِبْنا ماءَ الحياة، فماذا |
بَرَدَى – كَوْثَـرُ العُصـور – ودِجْلَـهْ |
ثُمَّ ضَعْنا… وبَعْدَ مليونِ عامٍ |
جَمَعَتْنا الحياةُ طِفْلاً وطِفْلَهْ |
هَمُّنا أنْ نَحومَ حَوْلَ غَديرٍ |
أو نُثيرَ الظُّنون في ظِلِّ نَخْلَهْ |
نَسْبِقُ الشَّمْسَ لِلْمُروج، ونَعْزو |
في مَداراتِها النُّجومَ المُطِلّهْ |
نَلْتَقي خُفْيةً ونَزْعُم جَهْراً |
أنَّنا نَلْتقي لأوَّلِ وَهْلَهْ |
لا تَخاف الطُّيورُ منَّا أذاةً |
كَيْفَ يُـؤذي حَمـامُ مكَّـةَ أهْلَـه؟ |
ثم ضِعْنا… وبَعْدَ مِلْيونِ عامٍ |
جَمَعَتْنا الحياةُ في إثْرِ حَفْلَهْ |
فجَرَى دَمْعُنا سُروراً وعِشْنا |
ألْفَ عامٍ عنِ العُيون بعُزْلَهْ |
فلماذا نَشْكو الفِراق ونَبْكي؟ |
تَنْتَهي في أوانِها كُلُّ رِحْلَهْ |
قَرّبي يا مُناي ثَغْركِ… إنِّي |
ظامىءٌ، فانْقَعي غَليلي بنَهْلَهْ |
ها هنـا مَفَـرَق الطريـقِ، فعُوجـي |
أوّلُ الشَّوْط نَقْلةٌ ثُمَّ نَقْلَهْ |
لَيْسَ بَيْنَ الشِّتاء والصَّيْفِ إلا |
ليلـةٌ، أو أقـل مـن بعـض ليـلـه |
قَدْ بَدَأنا لِقاءنا بسَلام |
فَلْنُوَدّعْ هذا التَّلاقي بقُبْلَه |