شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لقـاء التوأمَيـن
حلم الشاعر ذات ليلة أن الوحـدة قـد تحققت بين سوريا والعراق، ولكن اليقظة المرّة اغتالت ذلك الحلم، ولم تُبـقِ منـه غير زَفْرة يتردَّد صداها في هذه القصيدة.
بَعُدَ القطيعةَ عـاد العُـرْبُ فاجتمعـوا
يا شاعرَ المجدِ هَلْ باركتَ ما صَنَعـوا؟
سَفَحْتَ قلبكَ دَمْعاً في مآتمهم
فهل يُصيبكَ فـي أعراسهـمْ جَـزَعُ؟
وكنتَ في حَلبَـات الفَخْـر فارسَهـم
فما لصَوْتِك في الأسماع لا يَقعُ؟
ألا تَرىَ الفجْر قـد هَلَّـتْ بشائـرُه
فأيقظَتْ في ظلام الكَهْف مَنْ هَجَعـوا؟
لا خَيْرَ في الشعـرِ تَزْويقـاً وشَعْـوَذةً
الشعرُ مِنْ مَلكـوت الـروح يُنَتـزَعُ
شتَّان مَنْ يتصّبى قلبَه وَطَنٌ
ومَنْ تُنازعُهُ اللذاتُ والخِدَعُ
بُشْراكَ.. وارتَدَعوا عن أكل بعضِهـمِ
يا لَيْتَ قبْلَ "خراب البصرة" ارتَدَعـوا
الدهرُ نحـنُ.. فمـنْ يؤمـنْ بَعْزمتـه
يَظْفَرْ ويُلْـوي علـى أعقابـه الفَـزَعُ
قد يكسـبُ المـرءُ في أيـام مِحْنتـه
ما ليس يكسبُ إذا أيامه مُتَعُ
إن الحياةَ طريقٌ، بَعْضُه زَهَرٌ
وبَعْضُه لضـروبِ الشَّـوكِ مُـزْدَرَعُ
مهما دَجَا ليلهُـم أو سـاء طالِعُهـم
لا بأسَ.. كلُّ ظـلامٍ سَـوْفَ يَنْقَشـعُ
سبحانَ مَنْ ضَمَّهـم في الحـق عائِلـةً
ولمّهم شيعةً مُثلَى وهُمْ شِيَعُ
بالأمس كانوا لأخلاطِ الـوَرَى سِلَعـاً
واليومَ أخنَتْ علـى تُجَّارهـا السَّلَـعُ
صاحَتْ دماء "صـلاحٍ" في عُروقهـمِ
فليس يَخْضَع بَعْدَ اليوم مَـنْ خَضَعـوا
صاموا وصَلَّوا فمـا نالـوا مطالبَهـم
الله أكبرُ كم صامـوا وكـم رَكعـوا!
ناموا على الضَّيمْ مِن خَوْفٍ ومِنْ هَلَـعٍ
ثم استفاقوا فزالَ الخوفُ والهَلَعُ
لو لم يثوروا لما استقوَوا ولـو خَنَعـوا
لظلَّ حَقْلُهمُ نَهْباً لمنْ جَشَعوا
لم يبقَ للدَّمْع في قاموسهم أثرٌ
قد يفعلُ الجـوعُ ما لا يَفعـلُ الشبَـعُ
تعلّموا أن حَقاً لا يقومُ على
شَهادةِ السيـفِ حَـقٌّ ليـس يَرتفـعُ
وأنّ مؤتمراتِ السِّلْم سَفْسَطةٌ
جَوفاءُ تَنفُـر منهـا العـينُ والسَّمْـعُ
وأنّ مَنْ شَرعوا للعدل مَدْرسةً
دكّوا بمِطْرقة العُـدوان مـا شَرَعـوا
وأنَّ كلَّ ائِتلاف بينهم قدرٌ
وكلَ خُلْفٍ – وإنْ يَسْتَشْرِ- مُصْطَنـع
وأنَّ مَهْر العُلا غالٍ لطالبها
فليس يَرْقَـى بغـير البَـذْل مُجْتمـعُ
وأن وَحدتَهم شَرْطٌ لقوتهم
فلا بقاءَ لهم إلاّ إذا اجتمعوا
وأنّ كلَّ وعود الغَرْبِ باطلةٌ
هل يَنْفعُ الوعْدُ شـاةً جارُهـا سَبُـعُ؟
وأنَّ صهيونَ سَيْفٌ في حيَازِمهم
لا خوفَ منه.. ولكـن حـين يُقتلـعُ
وأنَّ أحلامها لا بُدّ مُثْمرةٌ
إنْ لم يُحطَّمْ على أنيابها جَشَعُ
* * *
بُشْراكَ.. إني أرى في الأفْق بارقةً
يكادُ منهـا جِـدار الليـلُ يَنْصـدِعُ
تلوحُ خَلْـف دياجيـه علـى خَجَـلٍ
وتَخْتفي بعد حينٍ ثم تَلْتَمعُ
شرارةٌ ستُغَذيّ الريحَ نُطْفتُها
فتستفيض وتستشري وتتَّسعُ
منْ كـان في رِيبـةٍ من أمرِهـا فغـداً
أو بعده سـيرى العُمْيـانُ ما سمعـوا
إنَّ العروبة فِي الأرواح راسخةٌ
مهما توالَـتْ علـى فُرْقانِهـا بِـدَعُ
تُطْوَى العُصورُ ولا يُطـوى لهـا عَلَـمٌ
يا لَلْغُـزاة علـى أقدامهـا خَشَعـوا!
* * *
اليوم تبدأ في التاريخ مَرْحلةٌ
غَرّاءُ ضاحكةٌ بالمَجْدِ تَلْتَفعُ
يقودُها "أسدٌ" طابت شمائله
فليس فيها لغير الخير مُتَّسعُ
يشتدُ حين يَـرَى فِـي اللـين بـادرةً
لا خيرَ فيها.. وإلاّ فهو يتّضعُ
سَعَى الفراتُ إلى الفَيْحـاء فابتـدَرَتْ
يَحْدُو خُطاها إليـه الشـوق والوَلَـعُ
لئن يَضِـق بُزحـوف الأهْـل مَنْزِلهـا
فقَلْبُها يَسَعُ الدنيا وما تَسَعُ
تعانقُ النصـرُ والإيمـانُ فاصْطَفقَـتْ
مساجدٌ، وانتشتْ مـن فرحـةٍ بيـعُ
وعيّد المشرقُ الأدنَى لمعجزةٍ
تحقَّقتْ رَغْم من شكّوا وَمـن شَنَعـوا
* * *
يا مَنْ تعجَّب من شّدْوي ألستَ تَـرَى
أن المقيمين في الأجداثِ قد سَجعـوا؟
لئن بكيتُ فمن زَهـوٍ ومِـنْ طَـرَبٍ
خَيْرُ المدامع في الأفراح تَنْهَمِعُ
التوأمان بُعَيْد الفُرقة التقيا
كما التَقَى الرُّشْدُ في معنـاه والـوَرَعُ
هذا اللقاء زَوَاجٌ لا انفصامَ له
وكَمْ لقاءٍ به الأنظار تَنْخَدعُ
لا حدَّ لا حـدَّ بعـدَ اليـوم بينهمـا
فلْيَطْوِينَّ دعـاةُ السـوءِ ما اخترعـوا
ولْيَحْذرنّ انتقامَ الشعب مَـنْ رَقَصـوا
على القُبور، ومَنْ زاغوا ومـن خَنَعـوا
أغراهمُ الوَعْدُ فانقادوا لبارِقه
ولوَّحتْ لهم الأوهام فاندفعوا
لا خَيْرَ في السَّلْم لم يَسْلَمْ بـه شـرفٌ
ولا نَجاةَ لمن في غيّهم قَبَعوا
مَنْ صاحبَ الصـلَّ فليحـذر عواقبـه
إنَّ اللئام، وإن صافَيْتَهم لَسَعوا
إن العُروبةَ في عيدٍ، فليس لهم
في ظل رايتها الزَّهراء مُرْتبعُ
إن كان طمَّعهم في عَفْوها كَرَمٌ
فليس كلُّ أوانٍ يُفلح الطَّمَعُ
للحُلْم حدٌَ، وللأقدار حِكمَتُها
فليطمئنوا.. غـداً يجنـون ما زَرَعـوا
* * *
يا شـام يهفُـو إلى واديـك مُغْتَـربٌ
لا يستقرّ له في الأرض مُضْطَجَعُ
جارَت عليـه الليالـي، واستبـدّ بـه
شَوْقٌ عـنيٌّ، وأدْمـى نَفْسَـه الوَجَـعُ
عاد الكثيرون مِـن سربـي لِعُشّهـمِ
ولم أزلَ وعوادي البَيْن أصْطرعُ
لم يَغْفُ قلبيَ مَشْدوداً إلى أملٍ
إلاّ رآه مَعَ الإصْباحِ يَنْقَطعُ
أقولُ، والشمـس قد مالـتْ لمغربهـا
يا ليتَني كنتُ في ركب الأُلـى رجعـوا
سَكْبَتِ كلَّ طيوبِ الشَّرقِ في قَلمي
فلستُ أعلَـمُ مـا أُبقـي ومـا أدَعُ
لي فيكِ ألفُ حبيبٍ يَسْهرون على
عَهْدي، وألفُ حبيب في الثَّرَى هَجَعوا
شَبِعْتُ مِنْ غُرْبتي، فانظرْ لآخرتي
وَرُدَّ للدارِ يا ربّاه مَنْ شَبِعوا!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :395  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 489 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.