قُمْ إلى الخَبَّاز نَقْرأُه السَّلاما |
وَنجْردْهُ على الجُوع حُساما |
مَلأ الدنيا نَداه وَسَرتْ |
نارهُ في النار بَرْداً وسَلاما |
سلّم اللهُ يَدَيْه مِنْ أذىً |
وَوَقَى أفْراخه ذُلَّ اليَتاما! |
يا لَه مِنْ ناسِكٍ مُنْقَطِع |
في زوايا فُرْنِه صلّى وصاما |
يَعْبُد اللهَ جهاداً صادقاً |
لا كلاماً. كَرِهَ اللهُ الكَلاما |
هَمّه الأكبرُ أنْ يُرضي بتَقْواه الضَميرا |
ويُواسي جائعاً يأوي إليه وفَقيرا |
هُوَ لا يمِلكُ مِنْ دُنْياه ما يَشْري نقيرا |
غَيْرَ أنَّ الله قَدْ عوَّضه قَلْباً كبيرا |
لا رَعَى الله الغِنَى يَقْتُلُ في النَّفْسِ الشُّعورا |
كَمْ تَحَدَّى بالرجاء النائباتِ |
وَتَخَطَّاها بِصَبْرٍ وَثباتِ |
يَسبقُ الفَجرَ إلى غايته |
مُشْرق العَيْنَين وَضَّاح السِّماتِ |
وعلى مَبْسَمِه أهْزوجةٌ |
حُلْوةُ الجَرْس كألحانِ الدُّعَاةِ |
حَسْبُه مِنْ لَيْلِه تَهْويمةٌ |
جُرْعةٌ تُغْنيه عَنْ ماءِ الفُراتِ |
لَيْسَ يَثْنيه شتاءٌ قارسٌ |
لاَ ولا صَيْفٌ عَنِـفُ السَّـوْطِ عـاتِ |
فَرَشَ الإِيمانُ بالظلِ وبالزَّهْر طَريقَهْ |
وَكَفَاه الزُّهْد أنْ يَعْرِضَ في الأسواق ضيقَهْ |
فهْوَ في أطْمارِه أغْنىَ غَنِيٍّ في الخَليقهْ |
وهْوَ في فِطْرَتِه أدْنَى إلى كُنْهِ الحَقيقهْ |
رُبَّ حُسْنٍ في المَراعي لا تراه في الحَديقهْ |
كَمْ شَرِيدٍ ضاقَتِ الدنيا عليه |
لَقِي المَوْئِلَ والدِّفْءِ لَدَيْه |
ويَتيم لَمْ يَجِدْ مِنْ عائلٍ |
حَلَّ في بُحْبوحةٍ مِنْ أصْغَريهِ |
وعَجوزٍ قَعَدَ الدَهْر به |
حَمَلِ "العَيْشِ" بلا مَنٍّ إليهِ |
لَمْ يَخِبْ قاصدُه يَوْماً ولَمْ |
تَنْكَمِشْ بَسْمَتُه في شَفَتيه |
والذي يُعطيك مِنْ مُهْجَتِه |
غَيْرُ مَنْ يُعْطيك ممّا في يَدَيه |
أيُّها الخَبازُ لا لاقَيْتَ في دُنْياكَ ضُرَّا |
عَلِّم الكَسْلان أنَّ النَّوْمَ لا يُجْديه فَخرا |
علِّمٍ المَنْهوم أنَّ المالَ لا يَرْفَع قَدْرا |
هاكَ يا خَبّازُ قُرْباتي فهَلْ تَرْضاه ذِكْرى؟ |
هُوَ مِنْ قَلْبي بقايا سِلْنَ مِنْ عينيَّ شِعْرا |