لَبَكَتْكَ بالدَّمْع السَّخينِ ذُكاءُ |
لو ردَّ عاديَةَ المَنون بُكاءُ |
عَزّتْ بـك الفُصْحـى وتـاهَ بَيَانُهـا |
هْلْ فَوْقَ أعلام البيان لِواءٌ؟ |
قَدْ كُنْتُ أرجـو أن أعـودَكَ قَبْـلَ أنْ |
تَمْضي، ولكـنْ لَـمْ يَصِـحَّ رَجـاءُ |
قَطَعَ الرَّدَى دَرْبي إليك، وغَلَّني |
قَدَرٌ يَغُلُّ الريحَ حينَ يَشاءُ |
الشِعْر أصْلَـح بيننـا مـا أفْسَـدَتْ |
أفْعى السياسةِ، إنَّها رَقْطاءُ |
قالوا لقـدْ أصْلَـى صِحابَـك ثَـوْرةً |
بَنّاءةً... لكنَّها هَوْجاءُ |
يَنْعى عليهم أنَّهم لم يَخْرجوا |
في الشِعْر عما سنّهُ القُدَماءُ |
فأجَبْتُهم هيَ فَوْرةٌ وتَطامَنْتْ |
إنَّ الشبابَ تَطَرّفٌ وغُلاءُ |
غَلْواءُ لا تَقْسي عليه... فربَّما |
عابَ الهَزارُ أخاه يا غَلْواءُ |
شتانَ مَدْرسَتان: هذي لِلْهُدَى |
صَرْحٌ، وهذي للضَّلالِ خباءُ |
ما في احتفالك بالجَمال مَعَرّةٌ |
يبقَى الجَمالُ وتَمّحي الأسْماءُ |
لا يستحي الحُرُّ الكريمُ بأمِّه |
ولو أنَّها زَنْجِيّةٌ شَوْهاءُ |
هِيَ في شريعتِه فَريدةُ عَصْرها |
في الفَضْل، وهي الرَّوْضَة الغنَّاء |
كمْ ثَوْرةٍ تَلِدُ الرَّجاءَ.. وَثوْرةٍ |
تَئِدُ الرَّجَاءَ الغَضَّ، فهْيَ وبَاءُ |
والماءُ ينبوعُ الحياة، فإن طَغَى |
أخنى على العُمْران، فهو بَلاء |
يا شاعري لمَّا نَعَوكَ تَقطّعتْ |
كَبدي وهَزّتْني اليَدُ العَسْراءُ |
هَيْهات أنْسَى في جوارك لَيْلةً |
ماجَتْ بِها الأطْيابُ والأضْواءُ |
نُصْغي إليك بلذّةٍ، وَتَودّ لَوْ |
دامَتْ دَوامَ سُرورنا الظَّلْماءُ |
سَكرَ النَدِيُّ بخَمْـرِ شِعْـرِك وانْتَشَـتْ |
ممَّا سَكَبْتَ بكأسِها الصَّهْباءُ |
زَجَلٌ تناهى حِكْمَةً ونضَارةً |
هُوَ للقلوبِ وللعقول غِذاء |
تُلْقيه بَيْن فَصيحةٍ وفصيحةٍ |
كلُّ البَنَفْسَج في العَبير سَواءُ |
يَنْقَضُّ طَوْراً كالعُقابِ، وتارةً |
ينسابُ فهْو حَمامةٌ بيضاءُ |
ما زِلْتَ تَسقينا ونَهْتف نَشْوةً |
ونُفوسُنا رَغْم الشَّراب ظِماءُ |
حتَى أطـلَّ الفجـرُ فاختنـقَ الشـذا |
وجنى علـى عِـرس الضيـاء ضيـاءُ |
وَتَفرّق السُمّار، ليسَ يُلِمّهم |
لَيْلٌ سَجَا أو نَدْوَةٌ زَهْراءُ |
ذِكْرى بقَلْبي كلَّما اسْتَعْرَضْتُها |
عَقَدتْ لساني غصّةٌ خَرْساءُ |
وَغَضَضْتُ طَرْفـي أستعيـدُ طُيوفَهـا |
هلْ بَعْدَ عادَيةِ الفِراق لِقاءُ؟ |
يا وَيْح قَلْبي، كمْ توجَّـعَ فـي النَّـوى |
وشكا وأذْنُ زَمانِه صَمّاءُ |
إنِّي أضْعـتُ أحـبَّ أيامـي سُـدىً |
هَلْ بَعْدَ أيام الشَّباب هناءُ؟ |
أدْمَى الحنينُ إلى الديار حُشاشَتي |
يا جِيرتي هَلْ أنْتُم أحْياءُ؟ |
عَبَثاً أقولُ غـداً أعـودُ إلـى الحِمَـى. |
أتُرَى أعودُ وجُثَتي أشْلاءُ؟... . |
* * * |
حَيّاك فَرْخَ النَّسْـر جـارٌ لَـمْ يَخُـنْ |
للشِّعْرِ عَهْداً خانَهُ زُمَلاء
(1)
|
يَرْنُو إليك وفي حَنايا صَدْرِه |
نَارٌ تَوجّ، وثَوْرَةٌ حَمْراءُ |
عبثتْ بـه غـيرُ الزمـان، وقرّحَـتْ |
أجفانَه الأحزانُ والأقذاء |
أحبابُه مَلأوا الفَضَاء، فكلَّما |
أهْوَى شهابٌ ضاقَ فيه فَضَاءُ |
لا يَسْتريحُ ولا يَغيضُ وفَاؤهُ |
إنْ ضاعَ بَيْن الأصدقاء وَفَاءُ |
الشعْر سَلْواه إذا لَمْ تُجْدِه |
سَلْوى، ولَمْ تَسْتَهْوِهِ حَسْناءُ |
ألْقى إليه هُمومَه، وغَفَا كما |
يَغْفو بأحْصان السُّكون مَسَاءُ |
إنْ لَمْ يَكُ (الأعْشى) فكـلُّ صِحابِـه |
يَوْم الفَخَار، قَصائد عَصْماءُ
(2)
|
* * * |
يا عُصْبةَ الأدَب الذي أحبَبْتُه |
لكمُ البَقاءُ.. وهلْ يَسُرُّ بقَاءُ |
في مَهْرجان الشِعْر أحني هامَتي |
لأخٍ تَغَنَّتْ باسْمِهِ الجَوْزاءُ |
أفْنى على حرمِ الحقيقة عُمْره |
وكذا يجيء ويَذْهبُ الشُّهَداءُ |
بالحُبِّ والغُفْران يَلْقى خَصْمَه |
إنَّ المَحَبةَ للخِصام دَواءُ |
صنّين علّمه الشُّموخَ وَثلْجُه |
أوْحَى له أن الحيَاةَ عَطاءُ |
يا إِخْوتي – والجُرْحُ يَجْمَـعُ بَيْنَنـا – |
ذَهَبَ الربيعُ، فهـلْ يَطيـبُ شِتـاءُ؟ |
عالَجْتُ بالصَّبْـر الجَميـل لَواعجـي |
فازْدَدْنَ واستَعْصَى عليّ شِفاء |
لَمْ تُبْقِ لي أرْزاء قَوْمي دَمعةً |
في مُقْلَتي... رُحْماكِ يا أرزاءُ |
أنّى التفَتُّ استَقْبَلَتْني دِمْنةٌ |
مَهْجُورةٌ، أو لَيْلَةٌ لَيْلاءُ |
لُبْنانُ فِي قَلْبِي يُعانِقُ جُلَّقاً |
مَنْ قال بَيْنَ التَّوْأَمَيْن عِداء؟ |
الزَّفْرة الحَرّى تَحُزُّ ضُلوعَكَم |
هي في ضُلوعي طَعْنةٌ نَجْلاءُ |
لا حَدَّ يَفْصِـل بَيْنَنَـا مهمـا سَعَـوا |
الحُبُّ يهْدم ما بنى العُمَلاءُ |
وادي العَرائسِ يَسْتَثير صَبابَتي |
وتَهيجُ وَجْدِي الغُوطَةُ الخَضْراءُ |
مَنْ لا يُشارك في المُصاب شَقيقَه |
فهُتافُه يَومَ السُّرور رِياءُ |
يا أصدقائـي، كَيْـفَ يَنْسَـى أيْكَـهُ |
شادٍ، وتَسْلو سِرْبَها وَرْقَاءُ |
إنّا تَقَاسَمْنا النَّصيبَ، فكلُّنا |
مَهْما انَتَفَخْنا، زُمرةٌ غَرْباءُ |
غِبْنا عَنِ الأوطانِ فـي طَلَـبِ العُـلا |
فكَبا بنا حَظُّ وخابَ رَجاءُ |
إنْ لَمْ تَكُنْ أعراضُنَا مَوْفورةً |
ماذا تُفيدُ وَجَاهةٌ جَوْفاءُ؟ |
لَوْ لَمْ نُشِـدْ بالحَـرْف بُرْجـاً باذخـاً |
لَجَنَتْ علينا نِعْمةٌ وثَراءُ |
لَوْ لَمْ نكَرّسْ للهُدَى أقْلامَنا |
لَعَفَتْ قُصورٌ وانْطَوى زُعَماءُ |
سُبْحان مَـنْ جَعَـل الحُطـام حُثالـةً |
وسعَى فشَرَّفَ قَدْرَةُ الكُرمَاءُ |
يا شاعـري أشْكـو إليـكَ جَماعـةً |
مِنْ أهْلِنا... لكنَّهم دُخَلاءُ |
وغَلُوا على حَرم البَيـانِ فمـات فـي |
مِحْرابه ألقٌ، وغاضَ بهَاءُ |
شَهَروا علـى أدَبِ الحيـاة سِلاحَهـم |
وسلاحُهم يَوْمَ اللِّقاء هُرَاءُ |
يَتَقَارَضون الشِّعْرًَ مُضَغَةَ هَاذرٍ |
والشعْر ممَّا يَدَّعون بَراءُ |
فتَحَتْ لهم صُحُفُ الرّطانَـةِ صَدْرَهَـا |
لاَ بُورِكَتْ أوراقُها الصَّفْراءُ |
حِلْفٌ على أمِّ اللُّغاتِ مُبَيّتٌ |
يخشى عواقِبَ شَرِّهِ العُقلاءُ |
أفلا يُتاحُ لها بنيٌّ آخَرُ |
يَهْوي علـى الأصنـام فهْـي هَبـاءُ |
* * * |
يا شاعِري حَرَّرتَ نَفْسَـكَ، وانْجَلَـتْ |
عَنْ مُقْلَتَيْك غِشاوةٌ سَوْداءُ |
ذَهَبَ التُّرابُ إلى التُّـرابِ. فقُـلْ لنـا |
ماذا تَكُنّ الحُفْرةُ الرَّبْداءُ؟ |
طُوبَى لمَـنْ قَـرّتْ هواجِسُـه، فـلا |
لُغْزٌ يُؤرّقهُ ولا اسْتِقْراءُ |
إنِّي لأحسُدُ في البَراري راعياً |
أحْلامُه كَلأ يُمَوجَ وشَاءُ |
لا هَمَّ يَشْغَلُ بالَه، إلاّ إذا |
عَصَفَتْ رياح أو تَضاءلَ ماءُ |
يَغْقُو قريراً ثمّ يَصْحُو آمِناً |
وغذاؤه زُوّادةٌ عَجْفاءُ |
* * * |
يا ربِّ لا تَكْتُبْ عليَّ خَطيئةً |
رجّتْ كَياني النَّكْبةُ النَّكْباءُ |
هِيَ رِيبـةٌ عَرَضَـتْ... وإنِّـي تائـبٌ |
حاشا يَشُكّ بوَعْدِكَ الشُّعَراءُ! |