شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
علـى دروب الفـداء
في ذكرى بدوي الجبل
بِدِمائي بَكَيْتُهُ، بدمائي
يعجز الدَّمْعُ أن يَخُطَّ رثائي
لَوْعَةُ الشعر لَوْعتي، فاقرأوها
في مَتاهاتِ نَظْرتي الخَرْساء
باعَدَتْ بيننا المسافاتُ، لكن
كان أدْلى من الصَّدَى لِلنِّداء
نِصْفُ شِعْري فواجعٌ ومَراثٍ
كَيْفَ يَحْلُو لسامعيَّ غِنائي؟
كلَّما غابَ في التُّرابِ حَبيبٌ
أنشبَ الموتُ ظِفْره في رِدائي
لا تغُشَّنكَ الدموعُ، فَلَيْسَتْ
دَمْعَةُ اللَّهو غَيْرَ قَطْرة ماء
عَقًّني الأقربونَ لا ذَنْبَ إلاّ
أنني لم أعقَّ عَهْدَ الإِخاء
جُرْحِهِـمْ لَـمْ يَـزَلْ طَرِيّـاً ولكـنْ
كُلُّ جُرْحٍ على المدى لِشِفاء
نَمْ قَريراً يا شَوْكُ وامـرحْ بَرْوضـي
أنْتَ في جيرة النَّدَى والوَفاء
لَنْ يَحيدَ الغَديرُ عَنْك إذا ما
طافَ بَيْنَ الزَّنابقِ البيْضاءِ
لَنْ يَرُدَّ العَبيرَ عَنْك حِجابٌ
كُلُّ مَنْ في حَدِيْقَتِي أصدقائي
تُرْبَتي خَصْبةٌ، ومائي نَميرٌ
وقَريبٌ لناظِريْه حِبائي
في فؤادي للحبِّ ألفُ بناءٍ
إنْ يَكُنْ للجَفاء نِصْفُ بِناء
أنا أنْسى شَرَّ العدوّ ولَكنْ
لَسْتُ أنسَى غَدْرَ الصديـق المُرائـي .
كلَّما مَرّ ذِكْرُه ارْبَدَّ أُفْقي
غَيْرَ أني أظلّه بوَلائي
خَيْرُ أصحابـك الـذي لا يُداجـي
فتَجنَّبْ صَداقَةَ الأدْعياء
ليسَ يُعدي الرياءُ لكنْ قبيحٌ
أن يعيشَ التُّقَى مَعَ الفَحْشاء
كمْ بعيدٍ يعيشُ منِّي قريباً
وقَريبٍ هُوَ البعيدُ النائي
ليسَ أدْنى الـوَرَى شَقيقـي إذا لَـمْ
يَكُ عَوْنـي علـى صُـروف البَـلاءِ
خيَّبتْ ظَني الليالي ولكنْ لَمْ
تَنَلْ مِنْ كرامتي وإبائي
أزْرَعُ الزَّهْر في الصباح وأجنيه
قتاداً على دروبِ المَسَاءِ
جَلَّ عَنْ باطل الكلام لِساني
وتَعالَى عمَّا يشينُ حَيائي
أنا راضٍ مِنَ الحياة بحظِّي
قانعٌ مِنْ هِباتِها بالرَّجاءِ
لَمْ تَطِبْ للنفـوسِ خَمْـرةُ شِعْـرِي
لو خَلاَ من متارف الكِبْرياء
لَسْتُ ثَلْجاً تُذيبه الشمـسُ، لا بَـلْ
أنا شَمْسُ الظهيرة الحَمْراء
قوّتي أنَّني ضَعيفٌ أمامَ الله
عَفُّ السلوكِ مَعْ أعْدائي
تَستطيبُ المديحَ أذْني ولكنْ
لَسْتُ أرضاه حافِلاً بالرياءِ
كَمْ هجاءٍ يجيء في زِيِّ مَدْحٍ
ومَديحٍ يأتي بثوبِ هِجاءِ
* * *
أيُّها الشاعرُ الـذي جَنَّـحَ الحْـرَفَ
وأحْيَا جَزالَةَ القُدَماءِ
والذي علَّمَ الطُّيورَ فطارَتْ
بجناحَيْن مِنْ سَناً وسناءِ
والذي نمَّقَ الرياضَ بما في
شِعْرهِ مِنْ نَضارةٍ وَرُواءِ
والذي زوّقَ الملاحمَ تَرْوي
ما بناه الآباءُ للأبناء
والذي أرْسَلَ الشواردَ تَجْلُو
صُـوَرَ الحُسْـن تَحْتَ كـل سَمـاءِ
والذي اسْتَنْبَتَ البشاشةَ في
الصَّخْر ورَوَّى حَرارة الصَّحْراءِ
والذي طَوَّقَ النُّجومَ بَعقْدٍ
خالدٍ مِنْ بَيانه الوضَّاءِ
والذي جازَ حَلْبة المتنبي
واحتفى خَطْوَ سَيْدِ الشُّعَراءِ (1)
وحزَّ في النفـس أنْ يصيبَـكَ سَهْـمٌ
غاصَ – لمّا نَعَـوْكَ – فـي أحشائـي
نُؤْتَ بالدَّاءِ وارْتَفَعْتَ بياناً
كَيْفَ زاوَجْتَ بَيْنَ شِعْرٍ وداءٍ
لَمْ تَزَلْ آيُكَ السنيةُ تَهْدي
خُطواتي في الليلة اللّيْلاءِ
كلَّما طافَ في ضُلوعيَ غَمٌّ
لا يُداوى.. وَجـدْتُ فيهـا دَوائـي
بشَذاها النَّديّ تَسْكرُ رُوحي
وبِنَعْمائها أبلُّ ظمائي
كلُّ حَرْفٍ منها جَناحٌ ظليلٌ
في طريقي، وكَوْكبٌ في فَضائي
يوجَزُ الروضُ في إناءٍ وتُغْني
عَنْ مياه الفُراتِ جُرْعةُ ماءِ
خانني في فَجيعةِ الشِّعْرِ شَيْطاني.
فوا خَجْلتاهُ مِنْ غَلْوائي
كَيْفَ أشْكـو لهـا انهيـارَ جِـداري
تَحْتَ وَقْع المصيبة الدَّهْياء؟
كَمْ بَكَتْ مُهْجَتي ولَمْ يَبْـكِ جَفْـني .
لا يُقاسُ الأسَى بفَرْطِ البُكَاءِ
* * *
يا سَليلَ العُلا يُحييك شَعْبٌ
ليسَ يَنْسى فضائلَ العُظَماءِ
خُضْتَ مِنْ أجْلهِ غِمار المنايا
شامِخَ الرأس ناظراً لِلْعَلاءِ
تتَحدّى نارَ الدخيل بِكِبْرٍ
لمْ يَرِدْ في معاجِم الدُّخَلاء
كلما اشتـدَّ بَطْشُـه ازْدِدْتَ بأسـاً
واندفاعاً على دُروبِ الفِداءِ
بِيَدٍ تَرْفَعُ اليَراعَ سراجاً
وبأخْرى تَهُزّ سَيْف المضاء
يعلمُ الله كَمْ شَرِبْتَ أُجاجاً
وافترشْتَ الرمالَ في البَيْداءِ
ذاك عَهْدٌ مَضَـى... ولكـنْ سَيَبْقـى
خالدَ الذِّكْر في سجل العَطاءِ
خَطّ فيه الحسينُ (2) أولَ حَرْفٍ
وزَكا جَنْيُهُ بيومِ الجَلاءِ
* * *
يا أبا الزُّهْـرِ مِـنْ قَـوافٍ ووُلـدٍ
لا تَدَعْني في حَيْرتي العَمياء
رُبَّ صَمْتٍ لو استحال كلاماً
لكفانا حَلاوة الصَّهْباء
مُدَّ لي راحـةً مِـنَ الخُلْـدِ أنْهَـضْ
مِنْ عَثَاري، وتَنْتَفِضْ أشْلائي
أنا مَيْتٌ لولا بقيَّة روحٍ
كيف يَبْكـي مَيِّـتٌ علـى الأحيـاء
كَيْفَ يَبْكِي فَـتى القَريـض المجلّـي
شاعرٌ ضاع في حروف الهجاء
كيف يَرْقَى إلى النجوم جَناحٌ.
نَهَكتْهُ لوافحُ الرَّمْضاء
أين ممَّا خَلَّفتَ مـا خلَّـفَ الطاغـي
وأين الثرى مِنَ الجَوْزاءِ
ساءَ فَـألُ الذيـن صالـوا بسَيْـفٍ
وكَبَتْ خَيْلُهم بغارِ "حراء"
زَرَعوا حَوْلَك العُيون وبثُّوا
ظُلْمة الليل في طريق الضياءِ
عَبثاً حاولوا اكتسابك بالمال
تعالَيْتَ عَنْ مهاوي الثراءِ
ليس عـاراً أنْ يمـلكَ المـالَ نَـدْبٌ
آفةُ المالِ حَبْسُه في وِعاءِ
وَطأةُ القَيْـد لا تَهـون علـى الحُـرّ
ولَوْ صِيغ مِنْ خُيوط دُكاءِ
عَجَزوا عَـنْ شِـراء وُدِّك بالحُسْـنى
فمالوا للقوّةِ الرعناءِ
خابَ عِزْريلهم، فلِلْبيْتِ رَبٌّ
صانه مِنْ مكائدِ الجبناء
يا سياجَ الحِمَى، عَدُوّك في الجولان لا في قصائدِ الشُّعَراءِ
أنقذ اللهُ شاعرَ الثَّوْرةِ الْحَمراءِ
مِنْ شرِّ نابك الزَّرْقاءِ
فتنةٌ أخمدتْ، ولَوْ لم تُطوَّقْ
لجرتْ في البلاد نَهْرَ دِماءِ
لَطَفَ اللهُ بالعباد، فمرَّتْ
بسلام، وعُولجتْ بذكاءِ
وعفا النَّسْرُ – وهو شلْـوٌ جَريـحٌ –
عَنْ بُغاثِ الجريمةِ النَّكراءِ
لَمْ يَشَأ أنْ يُثير نارَ اقتتال
تأكلُ الأخْضَرَيْن في الفَيْحاء
قال: مَهْما قَسَا عليّ قَريبي
لَنْ أبادي عداءه بعِداء
ما أنا مَنْ يلوكُ لحمَ ذَويه
إنْ جَفَوْني وأمْعَنوا في الجفَاء
عَثْرةُ الرِّجْل قَدْ تكون وَبالاً
تشتكي منه سائر الأعْضاء
هكذا يَصْفَحُ العظيمُ لِيَحْمي.
شَعْبَه مِنْ غوائلِ الأرْزاءِ
* * *
طالَ بُعْدي عَنِ الديار فهَلاَّ
يسَّرَ الله عَوْدةَ الغُرباءِ
ليس يُنسـى مَهْـدُ الطفولـةِ مَهْمـا
حَجَبَ الغَيْمُ عَنْـك وَجْـهَ السمـاء
غُرْبةُ الجسم أرْهقَتْني ولكنْ
غُرْبةُ الروحِ ضاعَفَتْ أعْبائي
أنا في السِّجْن مُنْـذُ فارقْـتُ أهْلـي
رَحْمَةَ يا زمانُ بالسُّجَناءِ
ليسَ قَيْـدي كغَيْـره مِـنْ حَديـدٍ
إنًّه قَيْدُ لَهْفتي الخَرْساء
يُوشكُ الشوْقُ أنْ يُقرِّحَ جَفْني
أجْزَلَ الله في البلاءِ عَزائي
أيْنَ تلكَ الآمالُ تَفْرُشُ دَرْبي
بالرياحين، بالشَّذا، بالبهاءِ
ذَهَبَتْ كالهَباءِ، لَمْ يَبْقَ مِنْها
غَيْرُ ذِكْـرى علـى جَنـاح الهبـاء
وقَفَ العَقْلُ حائراً، فَأَنِرْني
طال تيهي في اللَّيْلَةِ اللَّيْلاءِ
هَلْ تعيـش الأرواحُ بَعْـدَ انفصـالٍ
أمْ يبتُ الضريحُ حَبْلَ البقاء
هَلْ يُجازَى الأبْرار أمْ تتساوى
تبعاتُ الأبرار الفجّار
هَلْ يُلاقي المَحْرومُ ما يَتَمنَّى
مِنَ رَخـاءٍ... أم تـلك دار الفَنـاءِ
ضاقَ في البحـثِ والتسـاؤل باعـي
يا إلهي هلاَّ غَفَرْتَ هرائي
* * *
هلِّلي يا بَلابلَ الخُلْدِ زَهْواً
نَقَلَ الشِّعْرُ عَرْشَه للفَضاءِ
شَرفٌ أنْ نكونَ للحرف جُنْداً
نفتديه بما غَلا مِنْ فِداءِ
ما تَغَنَّيْـتُ باسـم "غَلْـواءِ" لـولا
أنَّها مِنْ حُصونه الشمَّاء
مِنْ شَـذا الشِّعْـر تَسْتَمـدّ شذاهـا
أتراها سليلة "الخنساء"؟
يَا بُناةَ القصورِ لا تتباهَوا
نَحْنُ نَبْقَى وأنْتم لِفناء
كُـلُّ مَجْـد أساسـه البُغْض عـارٌ
كيفَ تُبنى العُـلا علـى البَغضـاء؟
زادُكم للبطون، لا لعقولٍ
لَمْ تجـدْ في قُصوركـم مِـنْ غـذاء
ألْفُ كِسْرى انطَوْوا ومـا زالَ قَيْـسٌ .
باقياً فِي مَدامع البؤساء
يا صديقي بَـرَى الفِـراقُ ضُلوعـي .
واحَنيني إليْكَ يَوْمَ اللِّقاءِ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 437 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.