شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بلير والرّهان بين الدّين والعلمانيّة في الغرب
كان توني بلير؛ الزعيم العمالي البريطاني الوحيد الذي استطاع أن يقود حزبه لثلاثة انتخابات متتالية وبأغلبية مريحة في البرلمان، كان مثار خلاف وضجيج في السنوات التي قادها كزعيم لدولة ناصرت أمريكا في حربها ضد العراق إلى الحد الذي اتّهمته الصّحافة البريطانية بأنّه يعمل كسفير في البيت الأبيض الأمريكي.
ولما غادر منصبه، برز بلير من جديد كمبعوث للّجنة الرباعيّة الخاصّة بقضيّة الشّرق الأوسط، ثم استقبلته المؤسسات الأمريكية كمحاضر ومتحدث يتقاضى خلال مدة زمنية لا تتجاوز أسبوعين ما يقرب من 300,000 ثلاثمائة ألف جنيه إسترليني؛ وهو مبلغ يفوق كثيرًا ما كان يتقاضاه عندما كان رئيسًا للوزراء، حيث حددت صحيفة الديلي ميل (The Mail) في عددها الصادر يوم الأحد 28 أكتوبر 2007م راتبه السنوي كزعيم للحزب بما يقرب 148000 جنيه.
ولكنّ الحدث الأهم هو ظهور بلير في برنامج للقناة التلفزيونية الرسميّة (B.B.C1) ليعترف فيه بتأثر العامل الديني في القرارات التي اتّخذها طوال عقد من الزمن قضاه في داوننغ ستريت (Downing Street) في الوقت الذي كان فيه مستشاره الخاص ألستاير كيمبل Alastair Campbell ينفي أثر هذا العامل في قرارات الرئيس؛ لأنّ المؤسسات الغربيّة تزعم أنها تسير وفق النّهج العلماني الذي يفصل بين المعتقدات الدينية الشخصيّة والعمل السياسي، وذكر كيمبل أن بلير كان في كلّ يوم (أحد) يبحث عن أقرب كنيسة للصّلاة فيها، وسبق أن تناولت على مدى السنوات الماضية التديّن العميق الذي طبعت به شخصيته، ويبدو أنّ بلير لم يكن ليرضى بالمذهب الإنجليكاني الذي يتبعه معظم البريطانيين؛ فأعلن أخيرًا تخلّيه عنه واعتناقه للكثلكة Catholicism، والتي هي أكثر تشدّدًا من المذاهب المسيحية الأخرى، وتعارض قضايا هامة يحفل بها المجتمع الغربي مثل الإجهاض والمثلية الجنسيّة. وكان بلير يبدو فرحًا عند التقاط الصّور له مع البابا بينديكت Benedict. [انظر صحيفة الديلي ميل البريطانية (The Mail) عدد يوم الأحد 25 أكتوبر 2007م]. ومعروف أنّ زوجة بلير كاثوليكية المذهب، وتحاول أن تنشّئ أبناءها على هذا المعتقد الديني.
لابدّ من العودة إلى الوراء قليلاً لتفهّم المنطلقات الدينيّة المتشدّدة التي طبعت بطابعها المسيحي كلاً من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، فالرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان استولت على تفكيره السياسي أفكار مسيحية متشدّدة، كانت البداية لما عرف فيما بعد باسم (المحافظون الجدد)، ومارجريت تاتشر Thatcher، التي كانت حليفاً قويًّا لريغان، تذكر في الجزء الأول من مذكراتها "الطريق إلى السلطة" (The Path to Power)، أنّها قبل خروجها من السلطة أضحت مهتمّة بالعلاقة بين المسيحية والعاملين الاقتصادي والاجتماعي، وأنّ هذه الرؤية هي التي شكّلت مجموعة المقالات التي عكف عليها مختصّون في مكتبها وخرجت تحمل مسمى "المسيحية والرؤية المحافظة" (Christianity and Conservatism)، إضافة إلى أن تاتشر كانت تؤمن كما تذكر في مذكراتها أيضًا بما عرف آنذاك بالقيم اليهودية-المسيحية المشتركة.
لم يُخف جورج بوش الابن إعجابه الكبير بفكر ريغان، ولم يخف بلير وخليفته براون إعجابهما بشخصية تاتشر، حتى إنّ هذا الأخير حرص على الظهور معها في صورة تذكارية عند عتبة داوننغ ستريت، مستبعدين -أي بلير وبراون- أي صلة بالزعماء العماليين السابقين من أمثال: Attlee وويلسون Wilson وكالاهان Callghan، وقد أشار الأب الروحي السابق لمجلس العموم تام داليل Dalyell أثناء حرب الخليج أن بلير كان يهمّش دور وزراء خارجيته لصالح مستشارين يهود من أمثال اللورد إبراهام ليفي، والذي يعد من كبار مموّلي الحزب، وهذا يزيد في توضيح صورة بلير الذي لا يختلف عن بوش في غرامه بالشخصيّة اليهوديّة؛ إضافة إلى زعمه أنّه كان في سياساته الخارجية يحظى على حدّ زعمه بدعم إلهي خاص، وهو أمر يعرّي ادّعاءات المؤسّسات الغربيّة التي تزعم أنّها تنطلق في سياساتها من مبادئ علمانيّة محضة، بينما تكشف الوثائق والبراهين على أنّ هذه العلمانيّة ما هي إلا غطاء رقيق يُخفي وراءه تعصّبًا دينيًّا ومتشدّدًا.
 
 
طباعة
 القراءات :187  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .