شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نمطيةُ التَّأليف في تاريخ أدبيات اللغة العربية من كارل نللينو إلى مصطفى بدوي
تحدّثتُ في مقالة سابقة عن جُهود الدكتور محمد مصطفى بدوي -المتخصص في الأدبين العربي والغربي - والأستاذ بجامعة الإسكندرية سابقًا، ثم جامعة أكسفورد البريطانية، ووعدتُ أن أعودَ إلى إلقاء الضوء على كتابه الصادر باللغة الإنجليزية عن مطابع جامعة كيمبردج البريطانية عام 1975م، والموسوم (مقدمة نقدية في الشعر العربي الحديث) Acritical, Introduction, to modern Arabic, Poetry .
في استهلاله الذي قدّم به لمؤلّفه يذكر د. بدوي بداياته الأولى في ترجمته للأعمال الرائدة في الأدب الإنجليزي للغة العربية، مرجعًا هذا الأمر إلى عام 1956م، وذلك عندما ظهرت على المسرح الإنجليزي رائعة جون أوزبورن John Osborne، وتم تقديم هذه المسرحية من الإذاعة المصرية، وفتح هذا العمل الباب أمام أعمال أخرى من لغات مختلفة، بدايةً من شكسبير، ومرورًا بـ(تشيكوف)، وسارتر، وانتهاءً بـ(آرثر ميللر)، ودورنمات Durrenmatt، وصموئيل بيكيت، كما تم نقل وترجمة أعمال أخرى مسرحية لكتّاب وأدباء عرب مثل توفيق الحكيم. ويرى د. بدوي أن هذه الأعمال العربية المسرحية يبدو فيها التأثر بالآداب العالمية مثل رواية دكتور زيفاكو Dr Zhivago، لمؤلّفها باسترناك Pasternak، ويظهر التأثّر كذلك في فنون أخرى مثل الأعمال الشعرية التي أبدعها أدباء من أقطار أخرى مثل لبنان، والتي ظهرت في المجلة الفصلية –آنذاك- (شعر)، والتي كان صدورها في الحقبة الممتدة بين عامي 1957-1969م، بل إن بعض الأعمال الأدبية الغربية مثل أعمال المبدع John Wain ظهرت في دوريات أدبية عربية مثل الآداب اللبنانية قبل ظهورها في بيئتها الأصلية، كما كانت الدورية الأدبية المصرية المعروفة باسم المجلة تمنح مساحات واسعة لتقديم الأعمال الغربية، كما كانت صفحات جريدة الأهرام تمثل ميدانًا خصبًا لمناقشات نقدية لأعمال أخرى هامة ـ في تلك الحقبة ـ مثل أعمال الأديب الروسي (مايكوفسكي) Mayakovsky.
ويضيف د. بدوي في هذا الاستهلال الهام أن العصر الذهبي للثقافة العربية قد شهد عملية تأثّر بثقافات أخرى مثل الإغريقية والفارسية، أمّا التلاقح الفكري والثقافي بين الأدبين العربي والغربي في العصر الحديث فلقد حدث بعد الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، ويبدو أنه قبل هذا التاريخ كان الشعراء والأدباء العرب يجهلون ـ لعوامل متعددة ـ ما كان يدور خارج دائرتهم المحلية.
في الجزئية الثانية من الاستهلال الذي قدّم به د.بدوي لكتابه المذكور، يذكر أنه من المناسب للأدب العربي أن تتم دراسته عبر عصور أو حقب تاريخية يبتدئها بالعصر الجاهلي -أو ما قبل الإسلام- أي الفترة الممتدة بين 500-622م، ثم بدايات العصر الإسلامي الأول والأموي من ظهور الإسلام، وانتهاءً بسقوط الدولة الأموية من عام 622 إلى عام 750م، ثم حقبة العصر العبّاسي الأول من 750-1258م، ثم عصر المماليك 1258-1516م، ثم الحقبة العثمانية 1516-1798م، وأخيرًا حقبة العصر الحديث من عام 1798م، والممتدة إلى الوقت الحاضر، ولعلنا نلاحظ أن د. بدوي لم يخرج في مؤلفه هذا عن نمطية التأليف السائدة عن الأدب العربي، والذي يذكر الأستاذ مصطفى صادق الرّافعي أن المتأخّرين (اجتمعوا على جعل التدبير في وضع تاريخ أدبيات اللغة العربية بأن يقسّموا هذا التاريخ إلى خمسة عصور وهي: الجاهلية، فصدر الإسلام، فالدولة الأموية، فالعباسية إلى سقوطها سنة 856هـ، ثم ما تعاقب من العصور) مضيفًا -أي (الرافعي)- أن أول من ابتدع هذا التقسيم المستشرقون من علماء أوروبا قياسًا على وضع آدابهم بما يسمّونه Literature “انظر: مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، ج1، ص17-18، ط4، 1394هـ - 1974م”، إلاَّ أنه –الرافعي- سار على نهج آخر فيما يتصل بالأدب العربي، مدركًا فساد الارتباط بين الأدب وتطوره، وبين التغيرات السياسية، فنجده يوضح هذه القضية قائلاً: "ولذلك رأينا أن الطريقة المثلى أن نذهب في تأليفنا مذهب الضمّ لا التفريق، وأن نجعل الكتاب على الأبحاث التي هي معاني الحوادث، لا على العصور، فنخصص الآداب بالتاريخ، لا التاريخ بالآداب كما يفعلون. "المصدر السابق ص24". ولعل الرافعي يشير بقوله -كما يفعلون- إلى صنيع بعض المستشرقين في ربط الأدبي بالسياسي، وكان منهم المستشرق كارل نللينو Carlo Nalliono 1872-1938م حيث ألقى محاضرات في الجامعة المصرية 1955م، وقد نقلتها كريمته ماريا إلى الإيطالية، وشارل بيلا من الإيطالية إلى الفرنسية بعنوان: "الأدب العربي من الجاهلية إلى الخلافة الأموية"، وظهرت في إحدى طبعاتها باسم "تاريخ آداب اللغة العربية".. "انظر نجيب العقيقي، المستشرقون، ج1، ص 432-434، دار المعارف، الطبعة الرابعة".
** ويرى الباحث الدكتور محمد مصطفى هدَّارة "أن تقسيم عصور الأدب بحسب التاريخ السياسي فيه افتئات على تطور الشعر العربي، وعلى طبيعة هذا التطور، لأنه يرتبط بالأحداث السياسية ارتباطًا كاملاً، ومع ذلك فإن كثيرًا من الباحثين ساروا في دراستهم على نهج هذا التقسيم المتعارف، فكانت نتائجهم في الغالب خاضعة لحكم هذا التضييق السياسي". [انظر: د. محمد مصطفى هدارة: اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري، ط1، 1401هـ - 1981م، ص18]، وبالتالي يمكن القول إن الباحث الدكتور محمد مصطفى بدوي اعتمد في كتابه "مقدمة نقدية في الأدب العربي" على الطريقة النمطية السائدة والقائمة على التاريخ السياسي، والتي سار عليها باحثون متقدّمون من أمثال أحمد أمين، وبروكلمان، وجرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية، وأنيس المقدسي في "أمراء الشعر العربي في العصر العباسي"، والتي خرج عليها بعض المستشرقين من أمثال هاملتون جب، GIBB، في كتابه "الأدب العربي"، والذي صدرت طبعته الأولى سنة 1926م، ثم تبع "جب" في هذا الخروج المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير في كتابه "تاريخ الأدب العربي منذ البداية حتى نهاية القرن الخامس عشر"، ولعلّه من المستغرب أن يسير على هذه النمطية في التأليف عن الأدب العربي باحث كبير مثل د. بدوي، والذي خبر المناهج الأدبية التي تُعنى بدراسة الأدب وتطوره الفني، بعيدًا عن التقسيمات السياسية.
 
 
طباعة
 القراءات :239  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.