شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجزر الخضراء ((هندونيسيا))
الأستاذ حبيب جاماتي
موضوع كتاب اليوم هو تدوين انطباعات ومشاهدات لرحلة صحافية عابرة، قام بها رحالة معاصر إلى بلاد "هندوسيا".
إنه كتاب طريف، لصحافي لامع مشهور تغنيه شهرته في العالم العربي كله -فيما يبدو- عن أي تنويه وتعريف.
إنه كتاب للصحافي المؤرخ "حبيب جاماتي" نجد فيه "الصورة الأصيلة" لما اصطلح الباحثون أن يسموه "أدب الرحلات".
ويحدثنا الرحالة الصحافي الأديب حبيب جاماتي عن رحلته هذه الخاطفة، فيقول فيما يقول:
.. عدت من تلك الرحلة الصحافية، وفي جعبتي ما فيها من مواد للكتابة.. ولكني تساءلت قبل أن أصمم على استخراج ما يصلح منها للتدوين والتسجيل بين دفتي كتاب: "أما حدث لك أنت ما حدث لكثيرين غيرك من حملة الأقلام.. الذين يزورون بلداً وكأنهم لم يزوروه.. فيمرون دون أن ينظروا.. أو ينظرون بدون أن يروا.. أو يرون دون أن يدركوا.. وينصتون دون أن يسمعوا.. أو يسمعون بدون أن يفهموا..؟".
ثم يقول الكاتب: غير أني أجبت نفسي قائلاً: "لا.. إن ما دونته وسجلته يكفي للتحدث إلى القرّاء عن هندونيسيا، وجزرها الخضراء وشعبها الطيب الصبور المضياف.. وجهادها الرائع لخلع نير العبودية.. والمستقبل الزاهر ينتظرها بين أمم الأرض..".
ثم، بكل تواضع، ودون أي "زهو" أو "صلف" أو "ادعاء" يخاطب المؤلف قارئيه بهذه العبارات البسيطة الهادئة:
"ليس هذا الكتاب سفراً.. أدعي أني أفرغت فيه كل ما يجب أن يعرف عن هندونيسيا وشعبها، وإنما هو فقط مجموعة خواطر وسوانح ومشاهدات.. هي ثمرة تلك الرحلة الخاطفة، وحصاد تلك الإقامة القصيرة".
- نموذج رصين من "أدب الرحلات" تتمثل فيه النظرة الحصيفة والصفاء النفسي.. ولسنا في حاجة إلى أن نزيد.. فلنمض إذن.. مع الرحالة الصحافي الأديب حبيب جاماتي في بعض صفحات من رحلته هذه الماتعة إلى الجزر الخضراء "هندونيسيا".
لها أكثر من اسم واحد، هذه البلاد الجميلة.. وأسماؤها العديدة مستمدة من موقعها الجغرافي، أو مناظرها الطبيعية، أو حيادها السياسي، أو المآرب الاستعمارية.
سموها: جزر الهند الشرقية -وجزر الهند الهولندية -جزر الهند النيدرلندية -وجزر السوند، وأطلقوا أحياناً اسم جاوي على الجزر كلها -وشملها في وقت من الأوقات اسم "ملايو" أو "ماليزيا".
واسمها اليوم "إندونيسيا" أو على الأصح "هندونيسيا" وهذه التسمية تعني أن البلاد مؤلفة من مجموعة من الجزر وأن الشعب الذي يسكنها يمت بالنسبة إلى العنصر الهندي.
هندونيسيا.. تستحق أيضاً أن نسميها "الجزر الخضراء".. لأنه لا يوجد في العالم كله جزر يكسو سطحها مثل هذا الثوب الأخضر الذي تتسربل به تلك المجموعة العجيبة من الجزر الكبيرة والصغيرة الآهلة بالسكان أو الخالية منها، المنطلقة في مضمار الرقي أو الباقية في جمودها إلى حين.
غابات ومروج ورياض وحدائق، بعضها ساهمت يد الإنسان في تنسيقه واستثماره.. وبعضها لا يزال.. يرتع فيه الطير والحيوان من كل فصيلة ونوع.
وعدد الجزر التي يضمها اسم "هندونيسيا" والتي تمتاز بثوبها الأخضر نحو ثلاثة آلاف جزيرة أو أكثر، لا يخرج بعضها عن كونه رزمة كبيرة من الأشجار نافرة من جوف البحر وطافية على سطحه.
ما هي هندونيسيا؟
لو نقلت جزر هندونيسيا -وعددها ثلاثة آلاف أو أكثر- من المكان الذي تمتد فيه إلى المكان الذي تشغله القارة الأوروبية، لغطت هذا المكان. ولامتدت طولاً من اسكاندينافيا إلى مصر، أو من إنكلترا إلى إيران.
- طول الجزر الهندونيسية من الشرق إلى الغرب نحو خمسة آلاف كيلو متر!
وقد أعاد الهندونيسيون إلى جزرهم أسماءها الأصلية بعد أن ظلت مئات السنين تعرف بالأسماء التي أطلقها عليها الهولنديون:
فجاوي تلفظ الآن "دجاوي"
وسومطرة تلفظ في الواقع "سوماطرا"
وبرنيو اسمها اليوم "كاليمانتان"
وسيليبس اسمها "سولاويسي"
وغينيا الجديدة اسمها "ايريان"
وأهم الجزر على الإطلاق "جاوي" وفيها مدينة "جاكرتا" عاصمة الجمهورية الهندونيسية، وجاوي من أجمل الجزر في العالم، مكسوة بالخضرة كغيرها فيها سهول وجبال ووديان خصبة أنهارها كثيرة تخترقها من جميع الجهات.
ولهندونيسيا مركز ممتاز من الناحية الاستراتيجية والجغرافية والاقتصادية لوقوعها بين محيطين وبين قارتين: المحيط الهادي من الشمال والشرق.. والمحيط الهندي من الجنوب والغرب، وقارة آسيا من الشمال، وقارة أوستراليا من الجنوب.
حرص المستعمرون دائماً على إقامة الحواجز بين سكان الجزر الهندونيسية ليحولوا دون اختلاطهم وتقاربهم وتوحيد صفوفهم، ولكن الذي أراد المستعمرون منعه قد وقع أخيراً وأصبح حقيقة واضحة.
كان الهندونيسيون يدينون بالبوذية قبل أن يصل إليها العرب والأوروبيون. أما الآن فإن الأكثرية من السكان مسلمون (نحو 90 بالمئة) والباقي مسيحيون وفي بعض الجزر خصوصاً جزيرة "بالي" جماعات من البوذيين.
وسكان هندونيسيا خليط من جنسيات عديدة -للجنس الهندي فيها النصيب الأوفر. وكثر في البلاد المولدون بالتزاوج بين تلك الأجناس. والدم العربي يجري في عروق السكان في جاوي وسومطرة وغيرهما من الجزر. وقد ترك الأوروبيون أيضاً وعلى الخصوص الهولنديون أثراً في البلاد. وفي وقت من الأوقات كان التزاوج بين الغزاة الهولنديين وأهل البلاد قد اتسع اتساعاً كبيراً.
معركة الاستقلال
ظلت الثورات متواصلة متلاحقة في جزر الهند الشرقية.. طوال قرن ونصف قرن.. ففي بادئ الأمر كانت الحركة الوطنية تتخذ شكل مقاومة سلبية وأحياناً إيجابية. ثم اتخذت شكل ثورات مسلحة ولكنها محلية لا تتعدى نطاق جزيرة واحدة.. أو جزء من جزيرة، وأخيراً في الثلث الأول من القرن العشرين دخلت الحركة الوطنية الهندونيسية في طور التنظيم وهو الذي أدى إلى تكتل الجهود وعقد الخناصر وتوحيد الكلمة، فأسفر ذلك كله في النهاية عن كسب المعركة، معركة الحرية، أي عن فوز هندونيسيا باستقلالها وضمّ أقاليمها في جمهورية واحدة، في مستهل القرن العشرين -القرن الحالي- وهو الذي امتاز بهبة الشرق كله هبة واحدة نحو النور والحرية -تبلورت آراء المفكرين في هندونيسيا، واتجهت ميولهم إلى تنظيم الحركة الوطنية وتوجيهها التوجيه الصحيح الذي يضمن لها الفوز، ومن حسن حظ هندونيسيا أن فريقاً من أبنائها الأبرار كانوا قد اتصلوا بالعالم الخارجي من ناحية، واتصلوا من ناحية أخرى، بعضهم ببعض في أجزاء البلاد المتباعدة، ومهدوا للعمل الخطير الذي كانت فكرته تختمر في رؤوسهم فلما أرادوا أن يضعوا تلك الفكرة في موضع التنفيذ كانت الطريقة ممهدة، والتربة صالحة..
وبدأ تأسيس الجمعيات والهيئات، بعضها لعب دوراً شاملاً، وبعضها لعب دوراً محدوداً.
ويمكن القول بأن الهندونيسيين مثل غيرهم من شعوب العالم التي ضاعت حريتها، قد رحبوا بنشوب الحرب العالمية في سنة 1939 على أمل أن تكون حاملة معها في طيات ثوبها الدامي عوامل الحرية والخلاص.
وكان هذا الشعور في محله فلولا الحرب العالمية الأخيرة لما استقلت هندونيسيا، أو على الأقل لما تم لها الحصول على الاستقلال بهذه السرعة.
وبات الهندونيسيون يرقبون الفرص، حتى أتيحت لهم فاغتنموها.
وفي سنة 1942 هاجم اليابانيون، حلفاء الألمان، الجزر الهندونيسية للاستيلاء عليها وطرد الهولنديين منها، وتم لهم ما أرادوه بسرعة خاطفة، فسيطروا على جزر الهند الشرقية سيطرة تامة في مدة وجيزة وأدرك الغزاة الفاتحون أن أهل البلاد يكرهون الهولنديين، وأن هؤلاء المستعمرين كانوا يسيئون التصرف في جميع الميادين فحاولوا استغلال ذلك لمصلحتهم وتظاهروا بأنهم يغارون على مصلحة الهندونيسيين وأنهم لا يريدون لهم غير كل خير.
ورأوا أن الشعب الهندونيسي يعطف على زعمائه الوطنيين الذين كان الهولنديون قد نفوهم إلى جزر نائية، أو ألقوا بهم في السجون والمعتقلات فصدرت الأوامر في الحال بإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين وإعادة المنفيين إلى ديارهم وذويهم، ولما تم هذا تركت الحرية لأولئك الزعماء بأن يغذوا الروح الوطنية في النفوس، ويستأنفوا نشاطهم السياسي في سبيل استقلال بلادهم.. بل إن اليابانيين سمحوا لهم باستخدام السلاح والتمرين على الأعمال العسكرية وكانوا يشرفون بأنفسهم على ذلك، وأملهم طبعاً أن يكتسبوا ود الهندونيسيين وولاءهم لكي يعملوا معهم جنباً إلى جنب في تحقيق المشروعات الواسعة التي كانت اليابان تباشر تنفيذها للسيطرة على الشرق كله.
وهكذا خدم الاحتلال الياباني الحركة الوطنية الهندونيسية من حيث أراد المسؤولون اليابانيون أن يخدموا سياسة بلادهم القائمة على الفتح والغزو والتوسع.
ثلاثة أعوام ونصف.. قضاها الهندونيسيون تحت الحكم الياباني فاستغلوها أحسن استغلال لمصلحة وطنهم، فقد تسلحوا وتمرنوا على القتال، وانكبوا على الدرس والتحصيل، وابتكروا الوسائل المنوعة لتوفير ما كان ينقصهم من مستلزمات المعيشة وضرورياتها.
واشتد الأمل في النفوس وعادت إليها الثقة وتشاور الوطنيون فيما بينهم فقرروا الإقدام على عمل مفاجئ يضعون به اليابانيين المحتلين أمام الأمر الواقع.
كان اليابانيون يقولون للهندونيسيين إنهم ما جاءوا إلى بلادهم ليحتلوها احتلالاً دائماً بل ليطردوا منها الهولنديين ويعطوها استقلالها فيما بعد.
فأراد الهندونيسيون أن يكون هذا القول صحيحاً سواء أكان اليابانيون جادين فيه أم مازحين مخادعين..
قرر الهندونيسيون أن يعلنوا استقلال بلادهم بأنفسهم.. دون أن ينتظروا إذناً من اليابانيين بأن يفعلوا ذلك.
وأعلنوا الاستقلال..
حاول اليابانيون أن يمنعوهم بعد أن أدركوا الحقائق، وتبينت لهم الوقائع، ولكنهم أخفقوا!
كان الهندونيسيون على استعداد لفرض إرادتهم ولمقاومة كل حركة للحيلولة دون تحقيق هدفهم، وللقتال إذا لزم الأمر في سبيل الاستقلال!
وشهدت الجزر الهندونيسية في سنة 1945 حوادث تعد من أعجب الحوادث من نوعها.
وتم النصر لهندونيسيا المجاهدة.
العرب في هندونيسيا
دخل الإسلام هندونيسيا مع التجار العرب الذين وفدوا عليها من الجزيرة العربية.. ومعظم أولئك التجار من حضرموت وعدن والأغلبية من أبناء الجاليات العربية المنتشرة في جزر الهند الشرقية أو المنحدرين من أصل عربي جاؤوا، أو جاء آباؤهم من حضرموت.
هاجر العرب من جنوب الجزيرة أول ما هاجروا إلى جزيرتي سومطرا، وجاوي وأسسوا فيهما جاليات تكاثرت وازدهرت وسيطرت على التجارة بين جزر الهند الشرقية وسواحل الهند وبلاد العرب وإيران وأفريقيا الشرقية وامتد نشاطهم وتشعب إلى مختلف الميادين ومراحل الحياة.
وأصاب العرب المهاجرون إلى هندونيسيا نجاحاً كبيراً، وأحرزوا ثروات ضخمة جعلت منهم في وقت من الأوقات أغنى أغنياء البلاد على الإطلاق وانتقلوا مع الوقت من سومطرة وجاوي إلى الجزر الأخرى وأنشأوا فيها المتاجر ومراكز المقايضة والمبادلة على منتجات البلاد وكانت سفنهم تجوب البحار في كل الجهات وبهم اتصل المغامرون الغربيون الذين انطلقوا على أمواج المحيط لكشف الهند عن طريق الرجاء الصالح من القرن السادس عشر.
ولكن هذا الازدهار لم يدم حتى أيامنا هذه فقد ضعف شأن أبناء الجاليات العربية في جزر الهند الشرقية وتلاشت سيطرتهم على التجارة وفقدوا الكثير من "تلك الثروات الطائلة.. وأسباب ذلك عديدة منوعة..".
ولا يعرف بالتحديد عدد العنصر العربي في جزر الهند الشرقية بسبب اندماج كثير من العرب بالأسر الهندونيسية الأصيلة ولكن ذلك العدد لا يقل في نظر العارفين عن ثلاثمائة ألف أو أكثر، فالعرب إذا حسبناهم جالية قائمة بذاتها يجيئون في هندونيسيا بعد الجالية الصينية وهي أكبر الجاليات الأجنبية وعددها ثلاثة ملايين أو أكثر.
ولكن العرب في هندونيسيا لا يحسبون أنفسهم جالية مستقلة، بل جزءاً من الأمة الهندونيسية التي تتوحد الآن عناصرها في عهد الاستقلال والسيادة.
- وكثيرون من ذوي المراكز المرموقة والمناصب العالية من أصل عربي.
- ولكن اللغة العربية اضمحلت في هندونيسيا أو أوشكت أن تضحمل منذ ارتفع نجم اللغة الهندونيسية الوطنية وأصبحت صالحة للتخاطب والكتابة على السواء.
- ولا توجد في هندونيسيا مكتبة يمكن أن نسميها "مكتبة عربية" والكتب التي تصدر في الشرق العربي لا يصل منها إلى أسواق هندونيسيا غير كميات تافهة تعد على أصابع اليد إذا استثنينا ما يباع فيها من المصاحف وبعض كتب الدين العربية.
العاصمة الهندونيسية
اسمها اليوم "جاكرتا" وقد استرجعته بعد إعلان الاستقلال وإعلان الاسم الذي كان يطلقه عليها الهولنديون "باتافيا".
عدد سكانها يزداد بسرعة كانت عاصمة جزر الهند الشرقية وبقيت عاصمة الجمهورية الهندونيسية المستقلة منذ سنة 1945.
"المسلمون العرب هم الذين أطلقوا عليها اسم "جاكرتا" الذي عرفت به مدة طويلة إلى أن جاء الهولنديون فاتحين".
باندونج باريس الشرق
يقول الهندونيسيون -وعلى الأخص سكان جاكرتا وباندونج- إن مدينة باندونج "باريس الشرق" ويسميها الناس بلغتهم الشعرية "زهرة العسل" وهي جديرة حقاً بكل اسم ينطوي على معنى الجمال والذوق والروعة.
باندونج اسم لمدينة.. ولإقليم.. والمدينة عاصمة الإقليم، بل هي عاصمة جاوي القريبة باعتبار أن جاكرتا نفسها عاصمة الجمهورية كلها، لا عاصمة إقليم معين أو جهة محدودة.
في هذه المدينة عقد المؤتمر الآسيوي الإفريقي سنة 1955 وفي تلك المناسبة عرضت هندونيسيا على أنظار ضيوفها أروع ما عند شعبها من نشاط ولطف وفن وأناقة وظرف.
سجلت هندونيسيا لنفسها فخراً خالداً في تاريخ الشرق بل في تاريخ العالم بأسره عندما دعت الدول الآسيوية والإفريقية إلى عقد مؤتمر عام للتشاور والتفاهم ووضعت مدينة باندونج الجميلة تحت تصرف المؤتمرين ليجتمعوا فيها..
لم يحدث منذ قيام الأمم المتحدة بعد اجتماعات ليك ساكس أن التقى في مكان واحد مندوبون يمثلون نصف سكان العالم أو أكثر كما حدث في مدينة باندونج في أواخر شهر إبريل سنة 1955.. في باندونج ربح الحق المعركة وخسرها الباطل.
وبعد باندونج لم تعد قرارات هيئة الأمم وحدها هي القابلة للتنفيذ في ميدان السياسة الدولية.. بل أصبحت هناك قرارات جديدة اتخذتها 29 دولة من دول آسيا وإفريقيا وارتبطت بها وتعهدت بالعمل لتنفيذها.
- في باندونج ألقى الشرق المسالم درساً على الغرب المشاغب.. وبقي على الشرق أن يعمل لتنفيذ قراراته ففيها القدرة على تحويل مجرى السياسة العالمية بجملتها وتفصيلها.
الصحافة هناك
لا يمكن القول بأنه كان لهندونيسيا صحافة وطنية في عهد الحكم الهولندي الرهيب.. فالصحف كانت قليلة العدد.. محدودة الصفحات.. ضعيفة الإيراد.. ضيقة الانتشار.. مرهقة بالنفقات والضغط والرقابة الصارمة.. ثم دقت ساعة الخلاص والتحرر.. هبط اليابانيون في هندونيسيا فأغدقوا الإعانات على الصحف الوطنية وعطلوا الصحف الهولندية ولكنهم فعلوا ذلك لا حباً بالهندونيسيين ولا رغبة منهم في إطلاق الحرية للصحافة والنهوض بها، بل أرادوا بما فعلوه أن يستغلوا الصحف المحلية كأبواق للدعاية لهم..
كان لهم ما أرادوا.. ولكن الصحافة الهندونيسية جنت بعض الفوائد من جراء هذه السياسة التي سار عليها اليابانيون، فقد تحسنت بفضل توفير المال طرق الطباعة وأسلوب الكتابة واتسع نطاق التوزيع، واحتلت اللغة الهندونيسية لغة البلاد والسكان المكانة الأولى.. بعد أن كانت اللغة الهولندية هي التي تحتل تلك المكانة.. بل إن اليابانيين حرموا اللغة الهولندية وشجعوا اللغة الهندونيسية على حسابها فخدموا بهذا الصحافة واللغة والكتابة والتعليم. وفتحوا أمام حملة الأقلام آفاقاً جديدة زادت اتساعاً لما رحل الحكام الأجانب جميعهم وبقيت البلاد لأهلها.
ثروة هندونيسيا في أرضها
ثروة هندونيسيا في أرضها: في جوف هذه الأرض بما يحويه من معادن وعلى سطح الأرض بما ينبت عليه من زرع.
وينابيع البترول غنية جداً، وفي هندونيسيا صناعات محلية عديدة.
لكن الهولنديين بعد انتهاء حكمهم تفننوا في قتل الاقتصاد الهندونيسي لكي يظل الهندونيسيون في حاجة إليهم.
- كانوا يحتكرون كل شيء فأرادوا أن يمنعوا الهندونيسيين من احتكار أي شيء في وطنهم.
- ثروة هندونيسيا لا يمكن تقديرها وإذا اتسعت العلاقات التجارية بين الجزر الخضراء بعضها مع بعض.. وبينها وبين العالم الخارجي فإن تلك الثروة بعد استثمارها ستجعل من الجزر المحظوظة جنة اقتصادية كما هي جنة طبيعية.
كشكول هندونيسي
- فيما يلي حفنة من الخواطر والملاحظات، تتم الفائدة من هذه اللمحة السريعة عن الجزر الخضراء:
- لا يوجد تاريخ لهندونيسيا باللغة العربية.. وهذه ثغرة يجب سدها.
- أجور البيوت في جاكرتا رخيصة.. وعرفت صديقاً يسكن في "فيلا" بالضواحي حولها حديقة غناء.. بإيجار قدره 54 روبية في الشهر أي ما يوازي 150 قرشاً مصرياً.
- أسعار البيوت رخيصة أيضاً فكثيرون من الأوروبيين يبيعون منازلهم وأملاكهم العقارية ويؤثرون حياة الفنادق.
- الكهرباء منتشرة في المدن وفي كثير من القرى، حتى الصغيرة منها، وسعر التيار الكهربائي رخيص مثل الإيجار.
- ذهب الهولنديون كحكام، ولكنهم بقوا كتجار.
- البائعون المتجولون يمتازون بنظافتهم بالرغم من ثيابهم المهلهلة أحياناً، وهم يحملون سلعهم في سلال مصنوعة من الخوص.
- لم يقع نظري إلاّ على عدد لا يذكر من المتسولين في شوارع باندونج وجاكرتا.
- سألت عن الأجور فقيل لي إن الخادم يتقاضى في اليوم 4 روبيات، وعامل البناء من 15-20 روبية والنجار مثله، والسواق من 450-600 روبية في الشهر وأجرة التاكسي رخيصة جداً ويمكن المقارنة بين هذه الأجور ومثلها في البلدان الأخرى إذا حسبنا أن الجنيه المصري كان يصرف في البنك بثلاثين روبية، وفي السوق الحرة بما لا يقل عن سبعين.
- سألت إذا كان يوجد في هندونيسيا ترجمة للقرآن باللغة الهندونيسية فقيل لي: "لا".
- أهم مدن هندونيسيا: في جزيرة جاوي: جاكرتا -باندونج -سمارانج -جوكجاكرتا -سوارابا.
- وفي جزيرة سومطرة -بادانج -سابانج -كوتاراجا -ميدان.
- وفي جزيرة كاليمنتان: بابان -بالبك -بانجار -ماسين.
- وفي جزيرة سولاويسي: ماكاسار.
- وفي ايريان الغربية: مانوكواري -سورونج -فاكفاك.
- كلمة التحية في هندونيسيا "مرديكا".
ومعناها الحرية، وهذا دليل على أن الهندونيسيين يقدسون الحرية التي اشتروها بالدموع والدماء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :720  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 19 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.