توسعت ثقافة مكة في هذا العهد على ضوء دينها الجديد، وبالرغم من أن قبائل العرب في كثير من جوانب الجزيرة تراءى لها أن ترتد على إثر موت الرسول لولا أن أدركها حزم أبي بكر فإن مكة ثبتت على ما تعلمت.
وعندما ندب فريق كبير من رجالها للاشتراك في تأديب العاصين من مرتدي القبائل أو اختير للعمل في المدينة بجانب بيت الخليفة ظل الكثير من شيوخها عاكفاً على ما علمه القرآن وظل شبابها يتدارس ما حفظه من آياته وزاد عدد الكاتبين الذين حفلوا بتدوين ما تلقنوا من آياته عن شيوخ الصحابة وكبار المهاجرين.
وظل المسجد الحرام على صغره يزدحم في هذا العهد برجال الحديث والقرّاء وأصحاب الفتوى، وظلت حلقاتهم تناقش تفسير الآيات وتقارن بينها وبين ما عرفت عن القواعد في لغة آبائهم من قريش ويتضاعف اتساع الحلقات في مواسم الحج ويشتد تنافس الطلب كلما هبط من المدينة أحد الصحابة المشهورين بترددهم على مجالس رسول الله.