شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-20-
صديقي:
لك العز.
قال ساطور عميد الأسرة الثالثة عشرة من أسر وادي الجن في حشد حافل من المستمعين.
((ما رأيك في حفاوة الطبقات الدنيا من الإنس بتمكين الفوارق بينهم وبين المستعلين منهم، والعناية بتقديسهم عناية يندفعون إليها بطبائعهم قبل أن يكرهوا عليها أو يطالبون بها))؟
وساطور شخصية من الجن يعلنك وجودها صوته الأجش الغليظ. فقد دخل ظهره في عجزه حتى اختزلت قامته فيما يوازي ربع قامة الرجل، واتّسع ما بين فكيه فوق حنجرة كأنها المطاط المنفوخ تسمع لصوته فيها قرقرة وضوضاء تحسبها جلبة جماعة من الغجر تعالت أصواتهم معاً في غير ترتيب، وهو مع هذا يأبى إلاَّ أن يكون بحّاثة من طراز ممتاز، ويأبى إلاَّ أن يشعرك بأن رأسه الكبير الضخم تتجاوب بين تلافيفه كل أفكار الحياة.
واستطرد ساطور حديثه بلهجة صاخبة فقال:
وقع بصري اليوم عندما شاهدت في أحد أزقة المدن الآهلة بالإنس، ثرياً من الوجهاء بدين الجسم، وقد أمسك بزمام جواده، بعد اعتلائه مرتفعاً صغيراً ليرتقي صهوته، ولم يبد على الحصان إظهار جفله، كما لم يظهر على الثري وهن أو ضعف عن الرقي.
وكان على مقربة منه جماعة من فقراء الحي، أقبلوا عليه متهافتين ليعاونوه في الاستواء فوق الصهوة -ولسذاجتهم، أو بساطة عقلياتهم- عندما اعتلى جواده وأشار لهم بيده مبدياً ابتسامته بضحكة انفرجت عنها شفتاه، اعتقدوا أنه يسخر بهم مازحاً كأنه أبدى لهم ضرباً من الكبرياء والاستهانة بشأنهم، فكادوا يتغامزون بعد أن تركهم، غير شاكرين صنيعتهم، وما لبثوا كذلك حيناً من الوقت، حتى أقبل رجل أسود اللون عملاق يستفهم عن سيده الناظر، وعرَّفهم وصفه وخِلقته فتبيَّن لهم نقيض ما حسبوه وأنه لم يكن متغطرساً ولا متكلّفاً لما بدر منه إذ إنه أصم لا يسمع، وأبكم لا يتكلم.
وبذا بدأ تأسفهم لمّا أن علموا بالحقيقة.. واطمأنت نفوسهم وهدأت ثائرتهم واضطرابهم!!
ولو أن مثل هذه الحادثة كانت في غير هذا الصنف من الإنس، لكانوا هؤلاء أوسع إدراكاً وأفسح تصويراً لبواطن الأمور كما هو الشأن عند فريق الجن الذين قد اشتهروا بذكائهم الخارق، وقوة إدراكهم للمواقف.. وحقيقة لا مرية فيها أن لله في خلقه شؤوناً!!
ولقد كان الأحرى، بأن ينظر الناس بعضهم إلى بعض بعين الحقيقة، فرب من يراه المرء -مستحقاً للمقت- يكون موضع العطف والمعذرة.
وقديماً قالوا: لو نظرنا إلى إخواننا بعين الظاهر قد نمقتهم، وإذا أبصرناهم بعين الواقع لعذرناهم بل ربما التمسنا لهم أعذاراً.
ومتى عرفنا أن هناك قوانين شرعتها مِن وضع الناس في مواضعها، قامت المحبة بين الناس مقامها الأول، ومتى كان الحال كذلك عطف الغني على الفقير ووفر الضعيف القوي على أسس أكسبهم محبة بعضهم بعضاً، ولو أن المجتمع لا يخلو أبداً من حقد وحسد لاختلاف النفوس بحسب بيئاتها التي نشأت فيها، والأوساط التي درجت بينها بلا جدل ولا إجحاف.
ولو أنصف الناس استراح القاضي
وصار كل عن أخيه راضي
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :372  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.