شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-7-
صديقي:
لك الهناء.
سرَّني أنك تلوت رسالتي على أمي، وأنك استطعت أن تقنعها باطمئناني إلى الحال الذي أعيش فيها بين أصدقائي من الجن. والواقع أن أمي كفكرة شيء له قيمته المحترمة، إذا استطعت أن تُخرج من حسابك ميوعتها المفرطة، أو إفراطها المائع.
وليس في مآسينا كالإفراط.. فنحن نفرط إذا أحببنا، ونفرط إن خاصمنا.. وكما نفرط إذا اعتزمنا المضي في شيء، ونفرط بالمثل إذا لوينا عنه؛ ونسدر في نومنا.
مضى تاريخنا ونحن مفرطون في الكرم، مفرطون في الشجاعة، مفرطون في الحب، كما نحن مفرطون في الحمق والعربدة والبغض، فلم تورثنا نوازع الإفراط إلاَّ تركة مثقلة بالديون. محمَّلة بأسوأ ما يتحمله المغبون من تركة أبيه!
ألا تحسبني أخجل من قراءة سفاهتنا في الكرم، وميوعتنا في الخمريات والحب، وتهورنا في المُثل التي يضربها المؤرخون عن براعتنا في التلفيق والتزييف؟
اقرأ مدائحنا في بلاطات الخلفاء، ومراثينا فيمن كان يستحق الرثاء أو لا يستحق، وأخبارنا في أيام النعم والترف، وقصصنا في أيام الشدة والبكاء، وتصفَّح ما سوّده المؤلِّفون ليقدموه إلينا كتاريخ.. ترى الإفراط ناطقاً فيمن دعونا لهم أو تحاملنا عليهم، وتجد أننا أمة عاش المبرزون فيها ما عاشوا على حساب أعصابهم أكثر ممّا عاشوا لأفكارهم المتزنة وعقولهم الراجحة، وأنهم أورثونا هذه السيئة البالغة، الناطقة بإفراطنا في كل مآتينا!!
فلا تعجب بعد هذا إن رأيت أمي تفرط في حبها، وتفرط في تدليل صغارها، كما تفرط في حنوها على أولادها الكبار، فقد ورثت الإفراط من أجيال ممعنة في القدم.
أيأتي اليوم الذي تعرف الأمم فيه أن الوالدات من الطير والحيوان أقرب إلى الفطرة السليمة منها؟ فهن يقصرن حدسهن على الفترات الأولى من سني حياة صغارهن، حتى إذا بلغت مبالغ الاستقلال بأنفسها أبَيْن عليها التبعية وألزمتها الاستقلال الذاتي إلزاماً، وتركتها تعتمد على مقدرتها الخاصة اعتماداً تنقطع فيه كل العلاقات السابقة بهن.
إن أمهاتنا سوف لا يعرفن هذا حتى تعرف قبلهن أن داء الأمة الدوي إفراطها في جميع مآتيها، وأنه داء تغلغل في ملكاتنا الخفية، وجرى في شراييننا من ألف سنة مجرى الدماء منها!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :397  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج