شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-40-
أليس غريباً أن ترى ناشئة أدبائنا وصغارهم أكثر نشاطاً من أدبائنا الكبار وأبلغ حساسية وأغزر إنتاجاً؟
إن من كبار أدبائنا من لا تسخو قريحته بكتابة البحث الواحد إلاَّ بعد لأي ومشقة، وإن منهم مَن يحول عليه الحول بعد الحول دون أن يشعر بحاجته إلى كلمة يسطرها للأدب أو فكرة يصدع بها للفن.
أيُقال إن حساسية الصغار أشد وقدة، وأكثر توهجاً من الكبار؟. أم يُقال إن الكبار باتوا مستغنين بمراكزهم في الحياة عن نشوة الفن، ولذاذة الأدب الممتعة؟
لقد كان الكبار صغاراً، وكانوا مرهفي الإحساس، وكانوا يتوقدون نشاطاً.. وكان إنتاجهم يفيض غزارة وحيوية، وكانت قرائحهم سخية تزخر بالفصول المطولة والأفكار الحية.
فأي طارىء بلّد أحاسيسهم، وقضى على فورة النشاط في دمائهم، وأنساهم الأفكار التي كانت تزخر بالحياة في غزارة وفيض؟
إن المجانين من أمثالي لا يفهمون معنى لتبلد الحساسية المتوقدة إلاَّ في حالات شاذة تعتريها أمراض نفسية، أو تصيبهم فيها لفحة من شياطين الجن.. تخمد جذوتهم، وتحيلهم إلى شخوص جامدة لا تنبض فيها نأمة ولا تتحرك فيها حياة.
فهل أصيب الكبار بأمراض نفسية قضت على حيويتهم، أم مسّهم طائف من الشياطين فأحالهم إلى كتل باردة، وأطفأ فيهم شعلة الفن التي كانت تتوقد إنتاجاً وغزارة، أم شغلتهم شواغل الحياة، وجرفهم تيارها العاصف؟
أكبر ظني أن الفنان الأصيل يعيش ما عاش مستعصياً على نوازع الحياة، كبيراً على مشاغلها، عظيماً بما يحس في حناياه من وهج الفن.. لا تلويه أحداث الحياة، ولا تعصف به طوارئها ولا يجد في آمادها ما يلهيه عن نوازعه الجياشة وخياله الفياض.
إنك لا تطمع أن تغري المجنون بأي لون في الحياة لا يصادف من نفسه هوى، وكذلك كان شأن العباقرة والفنانين وأصحاب الفلسفة العالية لا تملك إغراءهم ما ظلوا أصيلين!!
ما أبعد الفرق بيننا ونحن نعمل بأيدينا وبين غيرنا وهم يعملون بعقولهم. إن الصانع الذي يزاول عمل القطعة بيده كما ورثها من أبيه عن جده غير الصانع الذي يزاولها بعقله فيترك مواهبه تشارك في العمل وتستحدث في تفاصيلها جديداً لم يعرفه أبوه.
عشنا مئات السنين نصنع (الشقادف) كما ورثناها عن آبائنا.. لم نستحدث فيها عارضة جديدة، ولم ندخل على تفاصيلها تعديلاً جديداً.
وليس في هذا ما يدل على روح الابتكار التي يجب أن يتميز بها الصانع الحاذق وليس فيه ما يدل على أننا نعمل بعقولنا ولا نترك أيادينا تستبد بالعمل في شكل آلي محدود بما تعلمناه من طريق الإرث.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :331  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 73 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.