شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-26-
مات ولده الصغير فعمَّ الأسى ثلاثة أرباع المدينة، ومشت حاشيته العريضة، ومريدوه من عموم الطبقات في زحام حاشد لا تجد فيه مكاناً لقدم، وغص بيته ليالي المأتم بجماهير لا يأتي عليها وصف.
ولم يمهل الوالد الحزن إلاَّ أياماً لحق بعدها بابنه المسكين، وجاء من يبلغني الخبر، ويستعجلني لندرك مأتم الجنازة.
قلت يا صديقي: إنني عانيت من زحام جنازة الصغير ما ضيّق أنفاسي، فأي إرهاق سينالني في جنازة الأب؟.. إن الزحام سيتطور إلى أضعاف ما شهدناه في جنازة الابن، فدعني لشأني والله يتولّى عظماءنا بما يريد.
فما زاد على أن ضحك وقال: إذا قيل إنك مجنون بعد اليوم فلا تناقش.
قلت: وهل فيما يبدو لك الساعة ما يدل على جنوني؟
قال: نعم فإنك لا تحسن تقدير الأمور، ولو أحسنتها لعلمت أن المتزاحمين بالأمس في جنازة الصغير كانوا يرجون الجميل عند أبيه العظيم.. أمّا اليوم وقد مات العظيم فأي جميل يرجوه الناس عند ورثته من الأطفال؟.. هلمَّ بنا وسترى أنك تمشي في جنازة أكثر ما عرفت تواضعاً!!
وعندما مضينا لم تتعثّر أقدامنا في الكتل البشرية التي كانت قد تعثّرت فيها من قبل!! ونظرنا فإذا صفوف الحاشية لا يملؤها إلاَّ شخصان! أمّا المريدون، وأمّا الأتباع فقد حلَّ محلهم نفر من السوقة، وعدد من مجاذيب المآتم، ورجل من المتطفلة تعوّد أن يتبع الجنائز إلى مأتم الأكل.
قلت: أشهد أني أقل منك عقلاً، وأنك أفضل مني فهماً لتقدير الأمور.. وأنك مع هذا مجنون، تمشي في جنازة تخلف عنها سائر العقلاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :335  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.