الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > -10-

-10-

ما أسخف من يقضي حياته محدوداً لا يعقل الأشياء إلاَّ في الحيِّز الضيق الذي ورثه من طبيعة عمله أو حدود بيئته.

يفخر ((س)) بأن: ((حدّه حدّ نفسه)).. وأنه رجل من البيت إلى الدكان، ومن الدكان إلى البيت!

ما أسخفك من رجل ضيّق الذهن في صورة لا يقبلها مجنون مثلي محدود العقل في نظركم!

إن حياة الإسلام عاشت قبلنا مئات السنين تتجاذب وتتدافع فكرياً وعملياً حتى أنتجت ألوف النظريات التي عرف الأوروبي كيف يتسلّح بها وهو يخوض غمار الفكر والإنتاج.

فلو وقف التجاذب يومها والتدافع بين أعلام الفكر وأساطين الفلسفة وكبار علماء المذاهب لما احتك العقل، ولما استطاع أن يمارس أعماله اليوم في نشاط.

ولو وقفت تلك الأجيال تدَّعى أن ((حدّها حدّ نفسها)) وأن الرجل يكفيه أن يكون رجلاً ((من البيت إلى الدكان، ومن الدكان إلى البيت))؛ لتعطلت أعمال العقل، ولما استطاعوا أن يخلّفوا لنا هذه الأرتال من الأعمال الفكرية والمذهبية، وهذه النظريات التي أعدت العقول لما تتمخض اليوم عنه من إنتاج.

إننا لا نبالغ إذا ادّعينا أن جميع أحداث الحياة التي لا تزال تغير أوضاع الأرض، وترسم خرائطها في أشكال وصور ينسخ بعضها البعض، وأن جميع ما دال من دول، وما قام على أنقاضها من أمم، وما طرأ على قارات الأرض من جزر ومد، وحروب ومطاحنات، لم تكن إلاَّ نتائج نظريات عاشت في رؤوس المفكرين قبل أن تأخذ سبيلها إلى العمل، وأثراً من آثار ابتكارات اخترعتها عقول لم تكن ضيقة الحدود.

إن خارطة اليابان في ألوانها الأخيرة لم ترسمها جنود الحلفاء على كثرة عددها، وإنما رسمها عقل واحد استطاع أن يستخدم الذرة في ((هيروشيما)) مدينة اليابان الصناعية.

وإن حضارة أمريكا اليوم التي هيأتها للإشراف على الكرة الأرضية لم تكن في أحد الأيام إلاَّ عقولاً واسعة الآفاق خصبة الإنتاج، استطاعت أن تعدها للمركز العالي العظيم الذي تزهو به اليوم على الممالك والأمم.

فلو ضاقت أذهان المنتجين عندهم والتزم كل مفكر حدَّ نفسه، لا يطمح إلاَّ للعمل المحدود بين دكانه وبيته لما كانت أمريكا اليوم، ولما كان لها هذا الشأو الذي تُملي به إرادتها على الحياة.

أتراني مجنوناً أهذي، أم هي حقائق يجب أن نصيخ إليها، ولو صدرت من أفواه المجانين؟