شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(5)
قلت لصاحبك: إنك تغيظني.
قال: قد يكون في عملي ما يحمل على الغيظ. وقد لا يكون في الأمر إلاّ أنك تفكر على نحو شاذ فأنت الذي تغيظ.
قلت: إنني وإياك يا صديقي نجهل كثيراً ولا نعرف إلاّ القليل. ولكن نفسك تطغى على هذه الحقيقة وتأبى أن تعترف بها وفي هذا الادعاء ما يغيظني.
قال: في هذه إحدى ترهاتك فنحن في جيل لا يحترم نكران الذات ولا يؤمن بغير التسامق والتعالي فأمضِ حيث مضى الناس ولا تغظني.
قلت: إنك في سبيل التسامي لا تستنكف أن تريق ماء وجهك، وفي سبيل التعالي تستهين بما لا يهون فأنت تغيظني.
قال: ما عني الناس قط بالفلسفة وليس بين الظافرين من دعاة الجد في الحياة من يدين بغير الواقع فكن إنساناً ولا تغظني.
قلت: عندما استبانت لنا الطرق لم تختر غير السهل الذي لا يدل على السمو النفسي ومع هذا فقد أبيت إلاّ أن تعطي السهل الذي اخترت مختلف النعوت.. ورحت تضفي على نفسك شتى ألقاب البطولة كأنك شجاع مغوار وفي هذا تضليل وتبجح.. يغيظني.
قال: في غير هذا ضعة المنكسرين.. وأخلاق المنطوين فكن عصرياً ولا تغظني.
قلت: إنك تغضب لكرامتك وتشيد بأمجادها في المواطئ اللينة.. بينما تتجاهلها وتنسى وجودها إذا جد الجد وادلهمت الحوادث وفي هذا صَغَار يغيظني.
قال: إنه الحزم والتبصر في العواقب. وقديماً كان عنترة يقول أحمل على الضعيف حتى يهابني القوي فليتك تعقل هذا ولا تغظني.
قلت: إنك تنعي على تعويد أطفالي الصراحة وإلزامهم الصدق وفي هذا عداء صريح للفضيلة والحق فأنت تغيظني.
قال: إنني أحفى منك بالعواقب.. ولو كنت تقدر الأخطار التي تعرضهم لها بما تعوّدهم لعلمت إلى أي حد يمعن بك الخيال.. سيتصلون غداً بالحياة فيصارحون هذا بمقته وكراهيته.. ويجابهون الآخر برأيهم الصريح فيما يعمل.. سيجابهون غداً جميع من عرفوا بحقيقة ما اعتقدوا فيه فيجعلون من أنفسهم هدفاً لجميع السهام وحينئذ يشعرون أنهم كانوا ضحية خيالٍ جامح.. فكن عملياً ولو إلى حد ولا تغظني.
قلت: إنك تساق إلى كل رأي شائع وتندمج في كل فكرة ذائعة دون أن تبيح لعقلك نقاشها أو تكلف نفسك معاناة بحثها.. وفي هذا ما يغيظني.
قال: إن في انسياقي أسلم الطرق وليس في عصيانك على مجاراة الناس إلاّ ما يثير حنقهم فحاول ما استطعت أن تكون مرناً في الحياة ولا تغظني.
قلت: إنك تربكني وفي هذا ما يغيظ.
قال: وأنت تحزنني وليس في هذا.. إلاّ ما يغيظ.
قلت: دونك الطريق ودعني لما ربكتني.
قال: في وديعة الله وحسبي ما رهقتني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :377  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.