شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مصَانع الكوكاكولا والبيبسي كولا
لا..
ليس مصنعاً للكوكا كولا
ولا.. للبيبسي كولا.
لا.. ولا لشيء من هذه المرطبات التي تعددت أنواعها وتكاثرت ألوانها.
إنه.. اليوم مصنع للشينكو!!
صح النوم يا سادة.. أين كنتم قبل اليوم، ولماذا تركتم بلادكم عالة على المنتج الأجنبي، ورحتم كل هذه المدة الطويلة تتسابقون على الاستيراد كمن مسته جنة حتى غمرتم بلادكم بسائر الضروريات والكماليات مما تقذفه نفايات المصانع الأجنبية، وقضيتم بنشاطكم الحاد حتى على الحرف البدائية ابتداء من القطان والمداس إلى آخر ما في هذه القائمة من حرف عاشت مئات السنين تغني بلادكم.
أهو الغنى المفاجئ أغراكم بهذا الانحراف، وترككم تنسون حقوق بلادكم فلم تبروها بآلة تصنع الإبرة أو مصنع يصب الزجاج؟
أم هو حب الأرباح العاجلة أنساكم حقوق المواطنين من إخوانكم أصحاب الحرف فرحتم تحاربونهم في استماتة وإصرار حتى قضيتم على آخر يد كانت تصنع إبريق الوضوء ومسبحة الحاج؟
لم تستفد بلادكم من هذا الغنى المفاجئ إلاّ مصانع للمرطبات بُني أكبرها ليكون فرعاً لمؤسسات أجنبية وقلدها آخرون فتفننوا في استيراد المساحيق و (القناني) وقنعوا بأرباح التعبئة ولا أكثر من التعبئة.
لم يفكر أحد أن يؤسس لهذه القناني مصنعاً لصبها وهم يعلمون أن بلادنا غنية برمال القزاز، ولم يفكر أحد أن يدرس مادة المساحيق ليضع في ضوئها مسحوقاً تنتجه ثمار بلادنا.
لم يفكر أحد في هذا لأن الغنى المفاجئ لا يميل لغير الأرباح العاجلة التي يضمنها الاستيراد ولأم العاجز الهبل!!
ستقولون وما بالك لم تفعل ما نسيناه؟ وأصدقكم القول إن هذه مأساتي فأنا لا أملك الإمكانيات التي تهيئني لغير بناء مطبعة أو مسرح، وأنا لا أملك من الأشخاص ما يساعدني على فهم أصناف الشينكو أو أنواع القزاز.
والمطبعة التي بنيتها بالأمس والمسرح الذي أفتح به الطريق اليوم ليس إلاّ وسيلة أردت بهما أن أخدم الأفكار العامة وأنقل بواسطتهما آراء الناضجين عسى أن يستوي الطريق أمام أفراد الشعب في بلادي، وفي مقدمتهم رجال الإمكانات من أصحاب الغنى المفاجئ على غرار ما يفعل الناس في أرقى بلاد العالم.
وبعد فحيّا الله مصنع الشينكو، وحيّا الله رجله العامل وأخلف الله عليّ في أجر هذا الإعلان المجاني.
وإذا كان لي من رجاء فإني أتمنى إلى أصحاب الإمكانات ألاّ تضيق آفاقهم بميادين العمل فيتسابقون خلفه ليقلدوا مصنعه في حدود الشينكو كما تعودنا أن نفعل.
فقد تعلّمنا ألاّ نشهد إنساناً بنى مصنعاً للثلج حتى نسابقه إلى مثل ما فعل، ولا نشهد محطة للبنزين حتى نسرع الخطو إلى بناء عشرات مثلها كأن الحياة لا تتسع إلاّ لتقليد أعمال الناس ومزاحمة مجالاتهم، وكأن أذهاننا أضيق من أن تتفتق لألوف الأعمال والمهن التي تفتقت لها أذهان الأمم في سائر بقاع الأرض رغم حاجة بلادنا إلى أنواعها التي لا يحصيها العد.
ويهمني بعد أن أوفيت القول أو بعضه عن أصحاب الإمكانات أن أسأل بعده أصحاب الأيدي العاملة:
هل يلذ لهم غداً أن يساهموا في أعمال الشينكو كما تفعل الأيدي العاملة في الشعوب، أم هم على استعداد لأن يسوقوا أولادهم متأففين من الغبار والدخان.. ويمضون في طريقهم باحثين عن الأعمال الكتابية الصغيرة مهما قلّ شأنها؛ لينعموا بين مكاتبها بثياب لامعة وأقلام يرصعون بها جيوبهم ويتركون هذه المجالات لكل أفاق شاطر؟
الحق أني أعذرهم فقد غشانا الجهل حتى اختلطت علينا حقائق الحياة وارتبكت علينا معانيها، فنحن اليوم لا نكاد نستصوب من المهن العامة إلاّ التوظف أو التطويف، أو انتظار الموسم لنفرض على الحاج هدايا الحج ونستعطيه شراءها على قبول البركة.
سيقولون وأين الأعمال التي تريدونا أن نعمل بها ونحن نعيش عاطلين إلاّ إذا وظفتنا الحكومة أو طلبنا الحجاج للخدمة.
سيقولون هذا وينسون أن أعمال السباكة والحدادة والنجارة والسمكرة والميكانيكا بأنواعها، وكل ما على غرار ذلك من مهن حرة استقل بها الأفاقيون واستطاعوا أن يملكوا عن طريقها ناصية الربح في بلادنا.
وأقول غير مبالغ أن أحد الأفاقيين من أصحاب هذه المهن لو شاء أن ينصف البلاد فيلحق بأعماله أحداً من أفرادها أو يخلص له ليتعلم في دكانه لما وجد من يقبل الالتحاق أو التعلم إلاّ أفاقياً من بلده، أو من أي جنس خارج عن مملكتنا.
أمّا نحن فحسنا الوظيفة ولو في أعمال فراش، وحسبنا خدمة الحاج ولو في نصب الخيام.
وكما أعذر أصحاب الأيدي العاملة في بلادي لما غشيهم من الجهل حقيق بي أن أعود إلى أصحاب الإمكانات ممّن استخدموا غناهم المفاجئ في المسابقة على الاستيراد والعمل على القضاء على جميع المهن الصغيرة عندنا.
حقيق بي أن أعذرهم لأن المسؤولين عن التجارة والتصنيع وشؤون الاقتصاد العامة في بلادنا لم يعيروهم إلى اليوم لفتة تنظيم تنظم أعمالهم في سائر مرافقها (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :353  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 83 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج