شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شبابنا ((الموضة))!
-1-
في خطاب من الأخ محمد عبد الله يقول ما معناه: "إن ميوعة الشباب العربي مشكلة عامة يجب أن ندقق فيها النظر.. إنه يعرض عن كل القيم المثالية، منهمك فيما يعود عليه بالضرر.. فهل من سبيل لعلاج هذا الداء؟".
والموضوع في رأيي ذو شقين.. شق يتعلق بفتنة الشباب بـ (الموضات).. وشق يتعلق بما يستهويه من محدثات تعود عليه بالضرر.
فإذا نحن أردنا أن نبحث أمر (الموضات) اختلط علينا أمرها، وربما تعذر الفصل بين الحسن والرديء منها، فيحسن بنا قبل أن نتعمق في أمر (الموضات) أن نتعرف على علاقتها بالحياة!!
من المسلَّم به أن الإنسان منذ وجد على الأرض بدأ يخترع لنفسه قيماً اجتماعية ويعطيها مركز التقدير من نفسه. كما أن من المسلَّم به أن جميع ما تعارف عليه من قيم غير ثابت.. فهو يخضع على الدوام لحركة مستمرة من التغيير والتبديل.
ولتقريب الأمر لا نريد أن نبعد كثيراً.. فنحن من خمسين عاماً أدركنا القيم الاجتماعية تفرض على الحلاق حلق رأسك بموسه ليبدو ناعماً لا أثر فيه لشعرة واحدة.. وأدركنا الحزام يمسك وسط الرجل كشرط للرجولة فيما تعارفت عليه القيم الاجتماعية.. وأدركنا ساعة اليد كأسلوب من الميوعة تنبذه القيم الاجتماعية.. بل وأدركنا جيلاً كان يناضل في سبيل هذه القيم وينقد في حماس وحرد أي عبث بها، فماذا حدث؟
أبت الحياة إلاّ أن تسير سيرتها فتمضي خاضعة لسننها في تغيير الأنماط وتبديلها، فإذا نحن ننبذ الحلاقة الناعمة في الرأس، ونستهين بالحزام كرمز للرجولة فنقصيه عن خصورنا، ونعطي الساعة في معصم اليد قيمة اجتماعية لا تتفق مع ذلك الحرد الذي واجهته يوم سمّيناها ميوعة واعتبرناها عبثاً بالأخلاق.
هذه أمثلة لا يميزها عن غيرها إلاّ أنها كانت قريبة المتناول نستطيع أن نقيس عليها مئات من أمثالها.
وهي أمثلة تستطيع أن تثبت لنا أن قيم الحياة لا تستقر على ثبات.. وأن كل قيمة جدت على وجه الأرض من يوم خلقت الأرض كانت يوم جدتها (موضة)، وكان في الميدان من أصحاب القيم مَن يستنكرها في حماس وحرد.. ثم ما لبثت هذه (الموضات) أن أخذت مع الأيام دورها في الصدارة بين القيم المثالية لينشأ عليها مَن يغضب لتغييرها وربما سُمّي العبث بها ميوعة، وسُمّي الخروج عنها إلى أي (موضة) خروجاً عن القيم الاجتماعية.
لا أريد بهذا أن أحبذ كل أعمال الشباب و (موضاتهم)، ولكني أريد أن أقول إنه يتعين علينا أن ندقق بين الجديد الذي خضع لسنن التغيير والتبديل كما خضع أمثاله في سائر الأجيال قبله، وبين الرديء الذي يتعين أن نحلل نوع رداءته ومبلغ ما يستحقه من مقت؛ لئلا نفسر غيرنا على مثلنا الخاصة وقد خلقوا لغير زماننا.. فإلى عدد قادم.
-2-
قلتُ في كلمتي السابقة إنني لا أحبذ كل جديد افتتن به الشباب، وإنني أرى أنه يتعين علينا أن ندقق بين الجديد الذي خضع للتغيير والتبديل كما خضع أمثاله في سائر الأجيال قبله، وبين الرديء الذي نستطيع أن نحلل نوع رداءته.
وأريد أن أقول اليوم إنه مر بنا عهد كان ضعيف النظر لا يجرؤ على لبس النظارة؛ لأنها شيء مقيت مائع في نظر القيم الاجتماعية يومها.
وإذا عرفنا اليوم أن علم الطب يوصي باستعمال النظارة عند أول بادرة تشعر فيها بضعف مهما كان بسيطاً في نظرك لتتلافى استمرار الضعف، ظهر لنا إلى أي حد كانت القيم الاجتماعية تتسرع في مقت النظارة كشيء جديد وتفرض فيها معنى الميوعة بتأبط "شراً".
وأذكر أني في أول عهدي بالشباب لبست الساعة في معصم يدي أول ما لبستها وكان وضعها جديداً علينا، فسخر بي شخص كان من أشد المحافظين على ما تعارف عليه الناس من قيم وراح يمسّخني بكلمات تعافها الأذن إلى أن قال لي: وما يمنعك أن تلبسها في رجلك؟!
ولكني وجدتني لأول مرة أجرؤ على مجابهته في عناد، وأشير إلى الساعة التي كان ينيطها بشريط من فتل الحرير إلى جيده، ثم يجمعها في (عياقة) إلى جيبه وأنا أقول: لا يجب أن تنسى أن أجيالاً كانت قبلك تنظر إلى طريقتك هذه في اتخاذ الساعة.. بل إلى الساعة نفسها نظرها إلى حدث ممقوت تستنكره القيم الاجتماعية، حتى إذا نشأت أنت كانت سنة الحياة قد استطاعت أن تلاشي تلك النظرة، وأن تهيئ الساعة وأسلوبك في لبسها للصدارة بين القيم ذات المثال الاجتماعي. فأنت اليوم تعتز بما نشأت عليه من القيم، وتدافع عنها في غضب وفي دفاعك عنها دفاع عن ذاتك ثم تنسى في الوقت نفسه أن ما تدافع عنه كان مقتاً عند من سبقك، ثم تأبى إلاّ أن تجرحني لما جد عندي ولا تدري أن ما تجرحني به سيغدو في أحد الأيام وقد احتل مركزه محترماً بين ما تتعارف عليه القيم.
قدمت كل هذا لأقول: "ليست كل (موضة) ميوعة، وليس كل جديد على القيم التي تعارف عليها جيل سابق يصح أن يستحق مقتنا أو ازدراءنا".
إننا بهذا نحاول أن نعرقل عجلة الحياة في سيرها.. وهي محاولة عابثة ربما أسلمتنا إلى دواليب العجلة لتدوسنا دون أن تتوقف العجلة لحظة عن السير.
ليس من حقنا أن نجعل جميع القيم الاجتماعية التي تعارف جيلنا عليها مقياساً لكل ما جد على الشباب من (موضات)، فنأمرهم أن يحلقوا رؤوسهم ناعمة بالموسى أو نسميهم مائعين.
علينا أن نحقق ما نمقته فلا نخلط بين ما نكرهه لبعده عما تواضعنا وبين آخر نكرهه لعلّه ثبتت رداءته!!
إننا ونحن نفعل هذا نعلِّم الشاب كيف يقدر تمييزنا وسعة آفاق الفهم عندنا.. كما نعلِّمه كيف يحترم آراءنا ولا يستهين بها فيعصيها ويتمرد عليها.
علينا إذا أردنا التوجيه الصحيح أن نقتصد جهد الإمكان في أوامرنا فنقصرها على الرديء، ولا نتعرض (لموضاتهم) ونتعصب ضدها لمجرد أنها (موضات) لا تقول بها قيمنا الاجتماعية في جيل سابق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :434  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج