شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حسين سراج وإسهامات جيل الرُّواد في نهضة الشعر العربي الحديث (1)
بقلم: د. عاصم حمدان
ـ لا يمكن لدارس الأدب السعودي أن يغفل الدّور الذي قامت به المصادر الأولى، التي حملت طلائع هذا الأدب بعد حقبة من العزلة والانكماش والتَّقوقع، وأوّل هذه المصادر هو كتاب ((أدب الحجاز))، والذي جمع فيه المرحوم محمد سرور الصبان بعضاً من إنتاج أدباء وشعراء الحجاز، وكان صدوره عام 1344هـ، إلاّ أنّ الأديب الصبّان أقدم على خطوة رأى فيها ـ من وجهة نظره ـ ما يمكن أن يعتبره عملاً وطنيًّا، وهو إقصاء شعر الطبيعة الذي تجلَّى في إنتاج ناشئة تلك الحقبة، حيث يُصرِّح بتلك الخطوة قائلاً: (فقد اضطرتني الظُّروف أن أنتخب من ثمرات أقلامهم وكذا أفهامهم ما لا يرضيهم ولا يعجبني فقد أغضيت عمداً وبسبق إصرار عن الشِّعر الوصفي كما يقولون، وعن مجالس الأفراح والليالي الملاح، وبما في ذلك من عبث الشَّباب ودعابته). وهذا القول من الصبّان يشير إلى أنّ جزءاً من إنتاج الروّاد ـ أي الأدب الغزلي والوصفي ـ لم يدوِّن، ولئن كان باعث الشيخ الصَّبَّان ـ رحمه الله ـ إيجابياً، وهو الالتفات إلى الشِّعر الوطني، حيث إنّ ضروباً من الجهل والأميَّة كانت متفشّية في العالم العربي والإسلامي، وكان دور المُصلحين هو النُّهوض بالأمَّة عن طريق إيقاظ روح الوطنيّة والكفاح في نفوسها المتطلّعة على دور أعظم بحكم موقع الجزيرة العربيّة التي تحتضن مهد الحضارات، وموئل العلم والمعرفة، إلاّ أنّ الصَّبَّان بإقصائه لبعض ضُروب الإبداع التي مارسها جيل شيوخ الأمس قد فوَّت علينا فرصة ثمينة وهي الوقوف على البدايات الأولى من الإبداع، والّتي تُمكِّن الباحث من معرفة المراحل الّتي مرَّ بها أدبنا السُّعودي، وهو مثل جميع آداب البلاد العربيّة قد تطور في حقبته الحديثة وانتقل من طور إلى آخر.
ـ أمّا المصدر الثّاني الذي يمكن من خلاله رصد مسيرة أدبنا وفكرنا فهو كتاب (خواطر مصرحة) للأديب الكبير محمّد حسن عوّاد، والّذي يبدو من الأبيات الّتي أهداها العوّاد في المقدّمة لبلاده أن طبعته الأولى صدرت سنة 1345هـ، حيث إنّ الطبعة التي احتفظ بها هي الطّبعة الصّادرة عن مطبعة المدني، ويُشار إليها بأنّها الثّانية،. وأنّ صُدورها كان في عام 1380هـ، ونلاحظ تطوّراً نوعياً في الكتاب الذي نَعُدُّه البيان الأدبي الأوّل والفردي في بلادنا، فالشَّيخ الصَّبَّان نأى بنفسه ـ رغم موقعه الكبير في قلب الحركة الأدبيّة في بلادنا لمدّة تزيد عن نصف قرن من الزّمن ـ نأى عن تقديم (الخواطر) دافعاً به لواحد من مُجايلي العوّاد وهو الأستاذ عبد الوهاب آشي ـ رحمه الله ـ، ومن أهمَّ ما في مقدِّمة الآشي لبيان العواد هو تعرّضه للأساليب الأدبيّة التي تمرّست عليها أقلام ناشئة الأدب ـ آنذاك ـ حيث يوضّح هذه القضيّة الأدبيّة توضيحاً ينمُّ عن ذوق ومعرفة وتمكُّن. يقول الأديب الآشي: (.. وهو في أسلوبه ـ أي شباب الأدب ـ آنذاك ـ بين ذلك الّذي يعنيه لفظه قبل معناه، وبين ذلك الّذي يعنيه معناه قبل لفظه، وبين من يراعي مع جمال المعني نصاعة المبنى).
ـ أمّا المصدر الأدبي الثالث فهو كتاب (وحي الصَّحراء)، والّذي صدرت الطَّبعة الأولى منه عام 1355هـ ـ أي بعد حوالى عقد من الزّمن من صدور كتابي أدب الحجاز وخواطر مصرّحة وإن كان كتاب العوّاد يعد بياناً فردياً أو ذاتيًّا فإنّ (وحي الصَّحراء) يعتبر بياناً جماعيًّا لجيل ظل يسيطر على المشهد الثقافي والفكري في بلادنا لمدَّة طوية، أي منذ منتصف العقد الخامس من القرن الرَّابع عشر الهجري إلى مطلع القرن الخامس عشر الهجري، ولا يزال تأثير رموز ذلك الجيل سارياً حتّى الوقت الحاضر، فكثير من شيوخ وكهول اليوم استقى ثقافته من جيل الأمس، الّذي اتّسم عدد كبير من أفراده بالموسوعيَّة، والاستنارة الفكريّة والثّقافية والأدبيّة، ونلحظ كذلك أنْ مُؤلَّفَا الكتاب محمّد سعيد عبد المقصود وعبد الله بلخير ـ رحمهما الله ـ قد دفعا بالكتاب لواحد من أبرز كُتَّاب عصر النّهضة وهو الدّكتور محمّد حسين هيكل لكتابة مقدّمة نقديّة حوله، ومن أهمّ ما تضمّنته مقدّمة الأديب هيكل هو تعرّضه للأثر الّذي تركته البيئة في إنتاج أدباء بلادنا. يقول مُفصِّلاً هذا المَنْزع أو التَّوجُّه: (فإنّ البيئة العربيّة الصّحيحة الّتي لم تتغيّر، قد بقي لها أثر في هذا الأدب، شأن كلّ بيئة في أيّة أمّة من الأمم، ولعلَّ أثر البيئة الطَّبيعيَّة أكثر وضوحاً في شعر أدباء الحجاز منه في نثرهم).
تضمَّن (( وحي الصَّحراء )) بين دفّتيه وتراجم لبعض الأدباء والشُّعراء من جيل الروّاد، إضافة إلى ذكر شيء من إنتاجهم. ويبدو أنَّ المُؤلِّفين كانا حريصين على تقديم مادّة أكثر شمولاً، ولهذا جاءت صفحات الكتاب فيما يقرب من 490 صفحة.
ـ ومن أبرز الكُتّاب والأدباء الّذين يمكننا قراءة ودراسة أدبهم، نجد أسماء معروفة من أمثال حمد السِّباعي، وأحمد العربي، وحسين خزندار، وعبد الوهّاب آشي، وعبد القدوس الأنصاري، وعزيز ضياء، وعلي حافظ، وعمر عرب، وعبد الحق نقشبندي، وعبد الله بلخير، وحسين سرحان، ومحمَّد سعيد العامودي، ومحمَّد حسن فقي، ومحمَّد حسن كتبي، وحسين سراج، وهذا الأخير المولود في أوائل القرن العشرين الميلادي 1912م، والّذي يُعتبر طُلْعة بين مُجايليه من أرباب الكلمة آنذاك، حيث حصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية بيروت سنة 1936م، وقبل ذلك هو ينتمي إلى أسرة علم، عرفت بانتمائها الفكري لمدرسة الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ، حيث يُورد الأستاذ عمر عبد الجبار في كتابه ((سير وتراجم لبعض علمائنا في القرن الرّابع عشر للهجرة)) (ط2، 1985م ص 308) ترجمة لشخصيّات علميّة من هذه الأسرة منها: عبد الرّحمن سراج (1249 ـ 1314هـ)، والّذي تولّى الإفتاء في حقبة الأشراف، ثمّ رحل إلى مصر وتوفي فيها، وكذلك لابنه محمّد علي بن عبد الرّحمن سراج 1279 ـ 1377هـ ـ الذي ولد كشاعرنا ـ في مدينة الطائف الّتي كانت تتّخذ منها بعض الأُسر المكِّيِّة متنزْهاً ومقاماً لبعض الوقت، ويبدو أنْ محمَّد علي هذا ـ شقيق لوالد شاعرنا عبد الله سراج ـ والّذي هو الآخر مفتيتٍ حنفي ـ كما يذكر الشّاعر حسين سراج في السَّيرة الذاتية التي كتبها بالطائف ووردت في الجزء الأوَّل من أعماله الشِّعريَّة والنَّثريَّة الكاملة، والَّتي قام بطباعتها الأستاذ عبد المقصود خوجه، وخرجت في عشرة أجزاء بمناسبة اختيار مكَّة المكرَّمة عاصمة للثقافة.
ـ كما نقف من خلال هذه التّرجمة على المنابع الفكريّة والأدبيّة لشاعرنا، حيث يذكر أنّه التحق بالكليّة الوطنيّة في بيروت، وهناك التقى الأديب الكبير مارون عبود، وأن هذا الأخير كان له الفضل في تنمية حبّ علوم العربيّة وآدابها، وأنّه عكف بعد نيله شهادة البكالوريوس على دراسة الموسيقى العربية، والعمل على اكتشاف المائة صوت التي بنى عليها كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ـ علي بن حسين القرشي الأموي المتوفى سنة 356هـ، وهي قضيّة شغلت الكثير من الباحثين في الأدب العربي، ومنهم الباحث غطاس عبد الملك خشبة في كتابه ((الموجز في شرح مصطلحات الأغاني))، الصّادر عن الشّركة المصريّة للطباعة والنشر 1979م، كما يذكر الباحث الدكتور ممدوح حقّي: ((أنّ المستشرق الأمريكي رود ولف برونّر: R. Brunniowr ـ شرح في ليدن عام 1305هـ ـ 1888م جزءاً، زعم أنّه تكملة لكتاب الأغاني، وتعرَّض فيه لموضوع المائة صوت وتجنيساتها اللّحنيّة الّتي اختارها الأصفهاني من أصول الغناء العربي، ممّا يُؤكّد تلك العلاقة الوثيقة بين الشّعر والموسيقى، وخصوصاً أنّ المؤلّف اعتمد تلك الأصوات على قاعدة أو مذهب إسحاق بن إبراهيم الموصلي المُتَوَفى سنة 235هـ.
وتعرّض لها بمنهجيّة علميّ دقيقة النّاقد الكبير محمد مندور في كتابه ((الميزان الجديد))، والذي ختمه بمقارنة هامّة بين الشِّعر الأوروبي والشِّعر العربي من النّاحية الموسيقيّة أو العروضيّة، كما نجد إسهاماً جيِّداً للشَّاعر والأديب محمَّد إسماعيل جوهرجي في كتابه القيِّم ((مصادر النُّوتة الشِّعريَّة))، وكنت أتطلَّع لأن يشير أستاذنا الجوهرجي إلى المرحلة العلميّة التي توقَّفت عندها البحوث إزاء الموسيقى الشِّعريَّة قبله، وخصوصاً عند ((مندور))، وما اضافه إلى تلك الجهود الّتي يُفترض أن ينطلق منها الدَّارسون لمعرفة بدايات موسيقى الشِّعر العربي، وما طرأ عليه من تطوّر نتيجة للاحتكاك بالثَّقافات الأخرى من يونانيّة وفارسيّة وأوروبية ـ أخيراً ـ حيث لا يُنكر أحد دور الشِّعر الإنجليزي الحديث، وخصوصاً أصحاب ((الخزانة الذَّهبية)) ودورهم في التأثير على مدارس الدِّيوان والمهجر وأبُولُّلو.
ـ شاعرنا حسين سراج عاش حقبة من حياته بين مكّة والطّائف، ثم تنقَّل بين عدد من بلاد الشّام دارساً ومتلقِّياً للأدب، عُرف بميله لشعر الغزل، حيث تقف على مقطوعات غزليّة دقيقة له في (( وحي الصحراء ))، منها ((الحبّ)) و ((إليها)) و ((تعالي))، ويتوقّف الأستاذ النّاقد عبد الله عبد الجبار عند مسرحيته الشِّعريَّة ((غرام ولاَّدة)) مُستشهداً برأي الأديب المصري محمود تيمور حول قيمتها الأدبيّة الرّفيعة: ((.. وهذه المسرحيّة حافلة بالمقطوعات الغنائيّة الغزليّة، دقيقة، عذبة، مع قوّة وجزالة، وعليها إشراقة الدِّيباجة الزّيدونيَّة)) (التَّيارات الأدبية ـ عبد الله عبد الجبار ص 263))).
ـ ويرى الباحث في الأدب السُّعودي الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين في قصيدة حسين سراج التي أشاد بها كُلٌّ من عبد الجبار وتيمور، والتي يقول مطلعها:
أمْسَتْ ليَالِي الهَنَا حُلْماً تُنَاجِيْنَا
وأصْبَحَتْ ذِكْرَيَاتُ الحُبِّ تُشْقِيْنَا
كُنْا خليْليْنِ في دُنْيَا الغَرَامِ وقد
أضْفَتْ عَلَيْنَا مِنْ النُّعْمَىَ أفَانِيْنَا
يرى ((شيخ أمين)) أنّ شعراء الجزيرة العربيّة شديدو التَّشَبُّه بالقدماء، ويعجبهم أن يترسَّموا خطوات الفحول من الشُّعراء،(الحركة الأدبيّة في المملكة العربيّة السُّعودية، د. بكري شيخ أمين، ط3، 1984م، ص 392)))، إلاّ أنّ الباحث في الأدب العربي الدّكتور محمَّد عبد المنعم خفاجي يرى أنّ بعضاً من أدباء المملكة العربيّة السُّعوديّة قد اقتحموا ميدان الأدب التَّمثيلي، الذي كان من روَّاده عربيًّا أحمد شوقي، وأحمد زكي أبو شادي، وعزيز أباظة، وعلي أحمد باكثير، ومن روَّاده سعودياً عبد الله عبد الجبّار، وحسين سراج في مسرحيَّته الشِّعريَّة المُتجدِّدة ((غرام ولاَّدة))، والدَّالة على إسهام جيل الرُّوَاد في نهضة الأدب العربي الحديث، ولقد استغرقت هذه المسرحيّة معظم صفحات الجزء الأوّل من الأعمال الكاملة للشَّاعر والرّائد حسين سراج، وكنت أتطلَّع أن يقوم أحد النقّاد في بلادنا بدراسة هذه المسرحيّة الشّعريّة ضمن الإبداع الشِّعري بكامله لهذا الرّائد، الذّي بموته تُختم الصّفحات الأخيرة من البيان الجماعي الأوّل للأدباء السَّعوديِّين، ونعني به (( وحي الصَّحراء )).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :376  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .