مضت آونة دون أن أتلقّى خبراً من صديقنا الدكتور زاهد محمد زهدي. وما كان قد عوّدنا على ذلك. فجأة حمل إليّ ساعي البريد رزمة سمينة دهينة، بادرت إلى فضّها فإذا بها تحمل ديوانه الأخير ((حصاد الغربة)) في طبعة أنيقة مذهبة مما عودنا عليه الناشر، الشيخ عبد المقصود خوجه. تصفحت الصفحات الأولى منه فوجدت سر غيابه وغياب ديوانه هذه المدة الطويلة. وأسلوب الدكتور زاهد في الحياة عندما يكشف سراً أو يعرض أمراً أو يشكو مظلمة أن يفعل ذلك عن طريق القريض، حتى بلغني أن بعض الناس أخذوا يعرقلون أعماله ليحصلوا منه على شكوى منظومة شعراً. مما أذكره في زيارته الأخيرة إلى لندن أنني تأخرت عن موعد معه نحو نصف ساعة، وعندما وصلت وقف على الرصيف وبين زحام الناس وانطلق ينشدني قصيدة ارتجلها في المناسبة يعيرني بها على تأخري. ويقول فيها:
شافني صاحب قديم ونيته يحييني
قلت خليها تراني مواعد القشطيني
قلت أبو نايل أخونا والعهد عند عهد
وقلت ((أبو ناجي)) معلمه وابد ما يخلف وعد
مرتين أخلف بوعده، وإجا متأخر بعد
من بعد غيرك يا خالد بالوعد يوفيني؟
وأنت ((أبو ناجي)) معلّمك وأخلفت يا عيني!
رويت ذلك للزميل الشاعر الدكتور صلاح نيازي، فقال: طالما كان الأمر كذلك، فوالله لأتأخرن عنه في أي موعدٍ أحدده معه، أو أي طعام أقدمه له، أو أي دعوة أدعوه إليها!
تصفحت حصاد الغربة، فوجدت سر الغياب. كان الناشر قد وعده بنشر ديوانه ولكن منشوراته التي تتطلب أناقة خاصة في التجليد والإخراج تسببت في تأخر ظهور الديوان. لا أدري ربما أن الشيخ عبد المقصود تقصد التأخير هو الآخر، فكان أن حصل على هذا العتاب الظريف من الشاعر: