شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد اللَّه بغدادي: الأديب والمفكر التربوي (1)
بقلم: فاروق بنجر
ـ للمربي الأديب والإداري والمفكر التربوي الأستاذ عبد الله بن عبد المجيد بغدادي 21/10/1341 ـ 2/4/1427) دور ريادي في الحركة التعليمية وفي تاريخ التربية والتعليم عبر ساحة رحبة في فضائي التعليم العام والتعليم العالي، وهو دور لم يتح لغير القليلين من روّاد وبناة التعليم في بلادنا.
ولقد كان الأستاذ البغدادي (رحمه الله) من أعلامنا التربويين المخضرمين الذين أدركوا وواكبوا الهدي: مديرية المعارف ووزارة المعارف في عقد زملائه ومجايليه الذين تشكلت منهم القيادات الإدارية التربوية المؤسسة للوزارة التعليمية ـ مثال: حامد دمنهوري، ناصر المنقور، ومحسن باروم، وعبد الوهاب عبد الواسع، وعلي غسال، وعبد الله المنيع، وعبد الله أبو العينين، وجميل أبو سليمان، وعبد الله بوقس، وعبد الله فطاني.. وسواهم من رعيل المشايخ والزملاء. كان المربي الكبير يتمتع بشخصية تربوية مثقفة ومستشرفة تجاذبت أدواره الإدارة التربوية، والنشاط الثقافي، وقراءة تاريخ التربية والتعليم والبحث ثم التأليف فيه، والكتابة الأدبية والصحفية، على امتداد رحلة حياته الخصبة. منذ تخرجه في كلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول/ القاهرة ـ عام 1367هـ محرزاً شهادة الليسانس باللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية). وقد أغنت التجربة التربوية المباشرة تلوينه الثقافي، وفتقت لديه آفاق الوعي المستبصر عن (التربية) صيغة شمولية لا تتجزأ، وأنها الميدان المعرفي الرحب للنشاط الثقافي والأدبي. وهكذا وصلت مراحل حياته العملية التربوية بالثقافة في مجاليها التعليمي والأدبي، وظل هو وفياً للمعرفة التربوية لا ينحاز إلى غير ينابيعها وجداولها.
(تنوير)
إن حياة الأستاذ البغدادي كانت حافلة بالإنجاز التربوي الذي شارك به في مشروع النهضة التعليمية الحديثة، وكان واحداً من أعلام روّادها في أواخر عهد مديرية المعارف ثم نشأة وزارة المعارف. فقد استهل بحر حياته العملية معتمداً للمعارف ومديراً للمدرسة الفيصلية الثانوية بالطائف بين عامي: 1367 ـ 1368هـ. حيث أنيط به منصب مساعد مدير مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة حتى توليه منصب مدير عام 1371هـ وهنا اتصلت أواصره التربوية بالطلائع الطلابية التي أشرف على نشاطها الثقافي التي احتضنتها الندوة الخميسية الشهيرة (المسامرات الأدبية)، في متواليتها منذ بعث فكرتها وأنشأها مدير المعهدين المربي والشاعر السيد أحمد العربي، وكان يشرف عليها وينسج منظومتها الثقافية المربي والأديب الناقد الأستاذ عبد الله عبد الجبار.
وكانت مشاركة الأستاذ البغدادي الرائدة في توثيق هذا النشاط الثقافي الرائد إصداراً في كتاب (ندوة المسامرات الأدبية/1369هـ) وقد ضمت المجموعة الفريدة إضمامة من: القصائد والكلمات والمقالات والمحاولات القصصية القصيرة والقراءات الأدبية الناضجة على مستوى الوعي الطلابي الموهوب في البناء الفكري والإبداعي الأدبي. وكان الدور التربوي الثاني مواكباً لنشأة (وزارة المعارف) حيث تولى منصب مدير عام التعليم الثانوي والابتدائي، والثقافة الشعبية، فكان أحد أعلام روّاد مرحلة التأسيس للوزارة التعليمية إلى عام 1377هـ التي ابتدر بها الدور التربوي الثالث مساعداً للمشرف على التعليم بمكة المكرمة المربي الجليل الشيخ عبد الله خياط، ثم مديراً للتعليم منذ عام 1379 إلى عام 1385هـ وفي هذه المرحلة لمع نجم الأستاذ البغدادي، وتوهجت همة نشاطه التربوي والثقافي في إدارة تنظيم وتطوير التعليم المدرسي المكي، ومواصلة افتتاح المدارس الجديدة ونشرها في القرى والبوادي المجاورة، والقصية، فافتتحت في عهد إدارته ثماني عشرة مدرسة ابتدائية، وأربع مدارس متوسطة. وكانت فترة إدارته من أحفل فترات حقبتها التعليمية في النشاط التربوي: العلمي والثقافي والأدبي والفني والرياضي والكشفي، ونشطت بوادر الفعاليات والاحتفالات المدرسية على المستوى المدرسي، وعلى مستوى المنطقة التعليمية، وكانت مرآة أوائل متفوقي طلاب الشهادات العامة ـ على مستوى المملكة والبعثات الطلابية ـ تتلامح في صورة مشرفة لهذه المنطقة التعليمية الرائدة.
وفي الدور التربوي الرابع (1385 ـ 1391هـ) نصب المربي الكبير عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة، فساهم في تنظيم وتطوير إداراتها ومناهجها وخططها، والإشراف على أعضاء هيئة التدريس، وتوجيه دورها التعليمي والثقافي المجتمعي، واتصل دوره التربوي المشارك في التعليم العالي. حتى عيّن مستشاراً لجامعة الملك عبد العزيز إلى طلبه التقاعد عام 1411هـ.
وفي هذه المرحلة أشرع همة نشاطه الفكري التربوي في الدرس والبحث والتأليف، فأصدر موسوعته التاريخية التعليمية (الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية/3 أجزاء)؛ والكتاب يعد مرجعاً رائداً في مجاله الذي تناول تاريخ التربية والتعليم وأهداف وأفكار ومناهج التربية والفكر التربوي لأعلام وبناة التربية الإسلامية، ويرصد تاريخ ومسيرة الحركة التعليمية الحديثة وسير وجهود أعلام مؤسسيها وبناتها في بلادنا.
أما الدور الأدبي الكتابي للمربي الكبير، فقد ظهر مبكراً منذ إعداد إصداره الذي جرى الإلماع إليه سابقاً، وهو (ندوة المسامرات الأدبية) وفيه تبدو براعة براعته الأدبية وتناولات الدرس الأدبي في مباحث ومقالات قيمة ضمتها المجموعة الفريدة، وقد ظل الأستاذ ـ لفترة طويلة ـ يدبِّج المقالات الصحفية، كما يرتاد المنتديات الثقافية، وفي طليعتها (الاثنينية) الشهيرة للوجيه الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه، وفي هذه (الاثنينية) كانت له بوادر نجومية منبرية، وقد شرفني بكلمة أدبية رفيعة وأبيات شعرية معبرة، لدى استضافتي في إحدى أمسيات هذه (الاثنينية) عام 1415هـ ومن عناقيد نص كلمته المجنحة:
((جاءني الحكم بجودة الشاعر (فاروق بنجر) من الصديق الحبيب عبد المقصود خوجه.. وأنا أعرف رقة حكمه وصدق مشاعره نحو ضيفه الليلة، شاعر الحوليات والمبدع، وأصالته كامنة في قصائده.. وصديقنا الخوجه له حساسيته وشفافيته، ومعايشته الهوادي من الأدباء، والطلائع من الشعراء.. وقد تربت فيه ماسية أدبية مبكرة، فامتهن السمر في صالونه (الاثنيني)، وتصدر هالة مجلسه، وضرب قبته، وأمسك (المخصرة) بيده)).
(الاثنينية، 12/508)
ومن غصون مقطوعته الشعرية هذه الأبيات:
يا زنبق الشعراء، يا روح الصبا
صارت لك الدنيا ترف وتعبق
شعراً ندياً راق فاتنة الربا
فتحس رياه العقول وتنشق
ما أنت راسم لوحة، بل كوكب
لك في سماء المنتدى بك مشرق
تستاف من عبق اللحون أريجها
يسري به عبر الخمائل زورق
* * *
يا عاشق الإبداع صوتك كم به
أكمام أزهار البديع تفتق
شعر تهيم به القلوب شجية
وتغوص في أحلامها وتصفق
وعلى خدود رياضه ورد زها
بجماله، والأقحوان منمق
ألبسته حلل الجمال خمائلا
من شدو شعر (البنجري) ترقرق
* * *
(الاثنينية، 12/510)
ولقد تهيأت سانحة مجاذبته الوفاء له في أمسية تكريمه الكبير الجليل فرتلت هذه التحية الشعرية تقديراً لرائد تربوي شملتنا أستاذيته الكريمة:
هنيئاً لك الحب الحفي ومثله
تجلة أجيال بزهرك عطرو!
طلعت وأعباء البكور مطلة
ينابيع من رؤيا المنار.. لتذكر؟
وكوكبة أبهيت فيهم، وأفقكم
مدل بإشعاع العقول مؤزر!
قرأناك في الجبل المضيء، أما ترى
فصول غواديكم تضيء وتكبر؟
وها أنت في نهر السنين مبجل
بمرآة أيام العبير.. منور!
أدر طرفك الحاني ففي الضوء شرفة
لمرآك.. ما أحلاك بالعطر تنثر!
(الاثنينية، 21/276)
ولقد مضى أستاذ الجيل والمربي الجليل إلى بارئه كريم فصول العمر، طيب عبير الذكر، فرحمه الله وأكرم في الفردوس مثواه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :421  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 193 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.