شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(122) (1)
ولقد زجرت اليوم نفسي الناشزة.. لإقناعها بقبول ما يتيسر.. زجراً شعرياً.. متمسكاً بحقوقي عليها.. مردداً على مسامعها قول الشاعر:
والنفس راغبة.. إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل.. تقنع!
وسألتها في إصرار الرجوع إلى بيت الطاعة.. بالمعروف.. فإن الحسنى خير لها وأبقى من هذ البطر والعناد.. لو تعلم!
وكان السبب الرئيسي فيما فعلت أنها استصغرت شأني.. وأنا أتناول غداء خفيفاً جداً.. بدلاً من أن أوفر لها الوجبة الدسمة التي ألفت تناولها ولم تدر أن العلة فيما فعلت ترجع إلى أن هذا اليوم.. هو ((يوم الغسيل)) العائلي.. أولاً.. وإلى أنني ثانياً أحببت أن أصون صحتها الغالية من خطر اضطراب المعدة المتزايد معي ومعها من يومين..
وأجابتني في وقاحة واستعلاء ـ ألا فاعلم أنه قد ولى إلى غير رجعة زمن القناعة.. والزهد.. والتنسُّك.. دليلاً على الهرب من ضرائب التطلع لما فوق.. وعلى العجز عن مصارعة الحياة في سبيل المركز الأحسن بها.. وتسليماً بعدم جدوى المقاومة والرضوخ للتحتية.. في هذه الدنيا العاجلة!..
ولا تنسى أن هذا السلوك الخانع القانع المتواضع وليد سياسة تخديرية ضحك بها الشبعان.. على مدى أجيال وأجيال. على الجوعان.. وعلى ذلك فإنني أؤثر أن نحدد موقفنا من بعضنا البعض دون مشاركة أولئك الأقدمين لنا في مشاكلنا.. أو تسلطهم علينا بما رتبوه خداعاً لك ولأمثالك من مواعظ.. وأمثال.. وحكم..
واستطردت قائلة إنني بعد اليوم لا أقبل إطلاقاً وأنا أعرف بمقامي الأدبي والدنيوي لدى المجتمع أن أهبط عن مستوياتي.. وسواء في المأكل.. أو في الملبس.. أو في المطعم.. وحتى في المركب هجولة بين التكاسي.. ولن أرضخ لدهدهتك عليَّ ببيت شعر.. أو بمثل.. أو بحكمة قديمة باهتة، فكن على ثقة تامة أنه لم تعد تؤثر في حيثيتي وفهمي أمثالك الشعبية.. وعلى الأخص ما اتصل منها بمطلب الغذاء الذي هو القوام المكين للبدن.. ولعلمك فإن معدتنا المشتركة أيضاً بيننا تؤيدني فيما قلت وبموقفي الصارم.. فهي الأخرى غاضبة منك.. وغير مؤمنة بقول عجائزك الغابرين عنها:
احشيها خروق.. تروق!
هنالك.. وكزتها وكزة خفيفة بجنبها ـ الذي هو جنبي! ـ وسردت عليها للإغراء.. نتفاً حلوة من ماضينا الجميل عندما كنا نلتهم.. لاهين.. لاعبين.. فرحين.. مسرورين.. لقيمات من أقراص الدخن. وقطعات صغيرة من جبن. أو خيار بالشرش.. وما شاكل ذلك من الأطعمة الخفيفة التي يسمونها الآن.. ساندويتشاً.. بغير اللغة العربية.. ولكنها لم ترعو.. أو تَلِنْ قناتها.
ولما كنت أعرف عنها ولعها بالحكايات القصيرة ذات المغزى.. فقد اضطررت لدحرجتها إلى فهم ما يجب على الرفيق نحو الرفيق أن أسرد لها دون تقيد بحرفية الموضوع نفسها.. الحكاية الآتية:
حكي عن بعض البخلاء أنه حلف يوماً على صديقه.. وأحضر له خبزاً وجبناً.. وقال له: لا تستقل الجبن.. فإن الرطل منه بثلاثة دراهم.. فقال له ضيفه الذكي:
وما قولك فيمن يجعله بدرهم ونصف قال: وكيف ذلك؟ قال:
أكل لقمة بجبن.. ولقمة بلا جبن!!
عند ذلك انفرجت أساريرها نوعاً وابتسمت.. ولكنها قالت لي: عِدني ألا تعود ثانية لما فعلته بي اليوم.. فإنني لم أعد أطيق أن أعود.. دائماً.. كما كنت.. ولما كنت عليه بالأمس..
فأدركت أنها بدأت تفهم معنى سياسات التقشف العالمية.. وأسباب أزمة الأسترليني.. وكساد الكتب الدسمة ـ ورواج الصحف والمطبوعات الهايفة.. وكثرة عدد القراء على خفيف وندرة سواهم.. وفرحت كثيراً لأنها أخذت تحن إلى عوائدها تلميحاً.. ضمنياً.. ودون تصريح!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :531  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 161 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج