شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(56) (1)
قابلت اليوم صاحباً ذكياً.. لبقاً.. جمع مع الوعي والإدراك خلة التأني والصبر.. فهو من النمط الذي انطلق عليه: يحفر البير بإبرة..
وكنت أعرفه محدود الحال ممن نسميهم.. المستورين.. بل لقد كان في بعض حالاته من المكشوفين.. إلا مما يستر العورة.. في أضيق حدودها العرفية.. ولكنني رأيت وعلمت منه أنه اليوم في أكثر من البحبوحة مساحة.. وكياناً.. وتعبيراً.. وحدثني حامداً المولى على ما أنعم به عليه.. إنه قضى معظم عمره.. صابراً.. حتى لقد أصبح الصبر جزءاً لا يتجزأ من طبيعته وكيانه.. وضرب لي عدة أمثلة على ذلك.. ولست في حل من إذاعتها لالتصاقها به حالات شخصية مميزة له..
ولكنه.. كمثل بسيط على صبره.. وقف طويلاً عند قوله.. أتذكر قطعتي الأرض اللتين تقعان في طريق كذا.. وبالكيلو كذا من جدة.. واللتين كانتا بمناسبة خاصة جداً ملكاً لي.. ولفلان.. قلت نعم.. وأتذكر أن هذا كان من زمن ربما تجاوز الخمسة عشر عاماً.. فقال أجل.. ولقد باع أخونا فلان القطعة الخاصة به منذ عشرة أعوام تقريباً.. ولم يطق صبراً على بقائها ملكاً له واعتبر الثمن الذي باعها به آنذاك نعمة.. وبنتها.. كما يقولون..
أما أنا.. فرغم الإغراءات المتواترة ربحاً متواتراً.. ولكنه غير كاف في ظني.. فقد صبرت.. وصبرت.. وصبرت.. وقد جئت الآن من حيث أقيم حالياً لأجل إنجاز إجراءات بيعها.. بيعها بما يذهلك رقماً حالياً بالنسبة لأرقام الربح القديمة المتواترة.
ثم استرسل.. يعدد مزايا الصبر في حياته.. وفي الحياة عامة حيثية مجسدة له ولها.. وللتاريخ نفسه.. فهو يعتبر التاريخ ذاته في تطوراته الأممية الكبرى إنما يرتكز ويدور مع الصبر.. وعليه فلكم تبدل وجه الأرض.. ممالك.. وشعوباً.. وجغرافية سياسية وطبيعية واجتماعية بالزمن الصابر.. أو بالصبر الزمني البصير.. وضرب على ما سبق عدة أمثلة ليس موضوعنا من مواضيعها.
والمهم أنه ختم استرساله بقوله.. عليك وأن تعالج بعض ما تعالج.. أن تنصح الشباب بالأناة.. وبالصبر.. فقد لاحظت أن الموظف الصغير الليلة يريد أن يكون كبيراً في مطلع الصباح.. وإن ذا العشرة يريدها أن تغدو ألفاً في مدة لا تكفي للتفريخ تحت الدجاجة.. وبالطبع حتى لو كانت البيضات بين كوم من النخالة.. والرماد.. وقال لي.. وبالمناسبة هل تذكر أيام صبانا حينما كنا نعمد إلى أسلوب التفريح النخالي تارة.. والرمادي تارات أخرى؟!.. إنك من هنا تستطيع أن تستلم طرف الحبل من حيث موضوع الصبر ومزاياه..
قلت ـ من ضمن محاورات سقراطية كعادتي معه.. في الموضوع ـ إنه عصر مكائن التفريخ.. وأنه عصر السرعة مسمى أصبح قديماً هو الآخر.. ويجب أن يبدل ليسمى العصر الصاروخي..
أما حكاية الأرض.. الواردة مثلاً.. فإنها حكاية الظرف والحظ معاً.. فصاحبك الذي باع واكتفى بالربح الذي اعتبره نعمة وبنتها إنما ساير واقعه المادي.. ولا شك.. لأنه لو كان في حالة استغناء تام.. لصبر عليها مثلك.. وذلك نصيبه المقدر.. وأما أنت فقد صبرت لأن ظرفاً يسمح لك بالانتظار وفي يومك هذا إنما أنت مثل حي للقول بأن الفلوس تجيب الفلوس..
وقد أكون معك في أن على الشباب أن يتعلم التأني والصبر.. ولا أظنه في أيامنا بغافل من المنشأ عن هذه الصفة الفريدة النادرة لأنه يبدأحياته بها.. طالباً عصرياً داخل بلاده.. صابراً على.. قائمة.. المواد الدراسية المضنية.. أو خارج البلاد يعاني الغربة والسعي والدراسة صابراً على كل ما تقضي به هاتيك وتلك من عناء ومثابرة وارتقاب وحرمان..
وليس هذا دفاعاً عن الشباب بقدر ما هو تدليل على اصطباره.. فضلاً عن أن القاعدة العصرية الآن هي التحكم في التاريخ.. تشكيلاً فردياً أو أممياً.. يصنعه المرء بتخطيط ودراسة في تكوين حيثيته وحياته.. كما يصنعه المسؤولون الكبار في القفز.. بعد العدو.. بشعوبهم.. دون التزام بالزمنية السلبية..
ولم أنس ـ في النهاية ـ أن أطري في صاحبي هذا انفراده دوننا بميزة الصبر المعروفة عنه.. كحافر البئر بإبرة.. واختتمت الحديث الضاحك الجامع بين الصبر والأرض قائلاً له إن هناك أغنية يقول مطلعها:
يا عطارين دلوني.. الصبر.. فين أراضيه!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :537  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 95 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج