شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(51) (1)
لقد أخبرني اليوم.. إنه قضى يوم أمس.. مع أهله وأولاده.. في إحدى القرى.. أو المحطات الرئيسية بطريق المدينة المنورة.. بين البحر.. وعلى الرمل.. ومع الشمس.. ووسط الخيمة..
ولأول مرة.. يكتشف أنه عرف معنى كلمة.. الطبيعة.. الأم أو الأب.. معرفة جديدة.. تخول له حق التعامل.. مثلاً.. مع الصخرة.. رغم شهرتها بالقسوة.. فرأى لها وجوهاً طيبة بلغ بعضها حد الجمال الهندسي المفرط.. بالإضافة إلى حنانها كذلك.. فقد اتخذ وأهله من جوفها أو جرفها وقاء من حرارة الشمس لأحد ما.. فوجد أن الجلسة بها أهنا وأحلى من المقام بالخيمة لعبت بها الريح.. وأحمت جوفها حرارة الظهيرة..
ورأى نوعاً من الحجارة الدقيقة.. والكبيرة الحجم.. حصى متنوعاً.. حلواً.. ومزركشاً أغراه جماله أن يحتفظ.. للذكرى.. بمجموعة منها.
كما كان له حق الأخذ.. دون عطاء.. من عطايا الشاطئ أحجاراً وأصدافاً.. تفاوتت درجات الحسن في كل صنف من أصنافها.. مما دفعه إلى مراقبة بعض الأحياء.. البرمائية داخل وخارج بيوتها.. غير أنها.. مطلقة السراح في ذهابها للبحر أو إيابها منه.. تملك كل حريتها.. وعبثها ولهوها.. بل ومعاكسة بعضها معاكسة تصل حد الغزل الجديد عليه.. تتعداه أحياناً إلى ضرب من ضروب الحب.. أو الجنس.. كما يطلق عليه علمياً.. مما دفعه إلى قضاء بعض الزمن مراقباً.. أو عذولاً بشرياً لها دون أن تشعر أو تحفل بمراقبته أو بمزاحمته لها في عالمها الخاص..
وإنه!! وإنه!! وإنهم.. وهذا هو المهم.. طعموا بلذة.. وبجوع وبشهية جديدة.. المأكول.. وتلذذوا بالماء المثلّج حفظوه في.. ترمس كبير.. وإن الأولاد على خلاف عادتهم.. ومع ضعف بنيتهم.. أكلوا وجبات خفيفة متقطعة.. متعددة.. حتى لقد أتوا جميعاً على جميع ما أخذوه معهم من ساندويتشات.. ومعلبات.. وبسكويتات.. و.. و.. إلى آخر بيان الأطعمة الخفيفة يصحبها مثلهم في مثل هذه الرحلات..
وأطنب في القول مما لا أستطيع متابعته الآن.. تسجيلاً له.. ولكل ما قال.. وأختتم محدثي قوله.. ولقد كان مسك الختام كما يقول التعبير التقليدي القديم.. إنهم شاهدوا.. لدى عودتهم إلى جدة.. القمر.. فتملوا طويلاً بمنظره.. وبضوئه الساجي.. حتى لكأنهم كانوا يستحمون.. أو تستحم أعينهم في نور القمر.. كما كانت أجسادهم تستحم نهاراً.. في ماء البحر..
فقلت.. لقد أصبح الأولاد.. وسيصبحون.. بهذه الرحلة وبأمثالها التي قررت أن تضع لها برنامجاً أسبوعياً منذ الآن فصاعداً.. رياضيين.. أصحاء.. وإنك أنت.. ومن معك.. وهم أيضاً سوف تصبحون.. وهذا أخطر ما في الأمر.. شعراء.. تنافسوننا في الميدان الوحيد الذي لم يبق لأمثالنا ميدان سواه..
ومع تهنئتي لك بهذا الاكتشاف.. وبتصميمك على أن يكون لك وللعائلة يوم في الأسبوع.. تعرفون فيه أنفسكم.. وتتعرفون فيه على معنى كلمة.. الطبيعة.. الأم أو الأب أو الجد.. فإنني للأسف الشديد قضيت يوم أمس بالبيت..
ولهذا.. فإنني لم أستعمل من الوجبات اليومية المستحقة.. إلا واحدة.. تناولتها وسط النهار.. بعد أن قرصني بعضهم لأتناولها.. وحين لم يقرصني مثلكم الجوع الحقيقي.. الجوع الذي تشعر معه بلذة الأكل.. بل وبلذة الجوع نفسه.. فإن للجوع لذة تكتشف معها معنى من معاني الحياة التي قام الصوم حكمة.. وعبادة.. وفلسفة.. على دعامة منها..
بل وأزيدك علماً.. إنني لمكوثي طيلة يوم أمس حبيس البيت.. فقد بت خفيفاً.. على طريقة البلد المشهور أهله بالبخل.. يقولون لضيفهم في أول الليل توفيراً للوجبة الأخيرة:
تحب تتعشى.. وإلا تبات خفيف؟.. وضحكنا..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :520  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.