شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(42) (1)
اشتهيت اليوم بمناسبة هذا الغيم الحابك حيث أنا الآن.. أكلة المعدوس.. فهي الأكلة التي درجنا على أحياء ذاكراها بعد اشتهائها كلما حبك الغيم وبالهتان رشرش..
وقررت احتراماً لهذا المبدأ الغيمي المعدوسي الموقر.. أن أرابط في البيت.. وأن أضرب فيه.. بولطا.. خارجاً داخلاً للتطلع من بعيد لبعيد إلى هذا الطباخ الهزبر الذي دقّ لنا جميعاً على صدره.. حين سمعنا نتداول الرأي فتذاكر تاريخ المعدوس في بلادنا ومزاياه وحقه علينا.. مؤكداً حضرته في ثقة ويقين إننا سنأكل اليوم معدوساً.. كما نسميه.. لم يسبق لنا في بلدنا الطيبة أو في غيرها أن أكلناه..
فاعتمدنا على ذمته.. وعلى تأكيداته القاطعة.. بالإضافة إلى علمنا بأن الطبخة نفسها لا تحتاج إلى علم غزير.. وكذلك فقد شرحنا له بعض ما يجب.. فأخرج لنا طرف لسانه سارداً به بعض القواعد المشروحة من أسلافه المنتمين لأصل عربي عريق..
وعلى ذلك.. فقد قفلنا على طباخنا العتيد باب المطبخ حتى لا يتأثر فنه الرفيع بتطفل عابر.. أو بدخول فضولي عليه.. وأخذنا في الاحتفاء بمكان المائدة.. وانهمك من في البيت في تجهيز التوابع المقررة عرفاً وأصولاً متبعة مرعية للمعدوس.. من مخلل.. وسلطة حمر بالبصل.. وبعض الحوت الناشف..
وأخيراً.. ودون إطالة.. طفنا بالتبسي الكبير حين خروج طباخنا به من الباب المغلق.. كما يقول الأب عزيز.. مهللين.. فرحين.. جوعانين.. جداً.
ولقد كانت الفجيعة الكبيرة مرة حقاً.. قبل التذوّق بألسنتنا.. فقد لمحنا بأعيننا الخبيرة.. ورأينا العدس.. المفلس!.. عائماً في بركة من الماء.. ثم من دموعنا.. على ما كان.. مما لست أذكره.. وما هو معلوم!
وهذا الذي لم أذكره.. قد ذكرني حالاً بقصيدة حلمنتيشية قديمة ـ قلتها في أعقاب حادث مماثل ـ لكنه كان متخيلاً في حينه.. بالطبع.. وتقول بعض مقاطعها عن ((المركاز)) إياه.. وبعد الديباجة على لسان امرئ القيس بن حجر الكندي يتهدد طباخه ويستهدي عليه رفاقه ما يأتي:
قفا نبك.. من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللِّوى بين الدخول فحومل
وهاتالي المشعاب.. إني مصمم
على ضرب هذا الخادم المتحنجل
ولا تنشداني اللَّه بالورع.. رحمة
وكبونني عنه. بغير توسل
فقد خبص المعدوس يا ناس عامداً
وطش على البطحا وعاء المخلل
وجاء بعذر شارحاً فيه علمه
يقول: وقد وطى على متن كاهلي
أعمى إن الرز قد قل ماؤه
فمر لي بمذاقين.. أو ما يروق لي!
فظنيت أن الأمر يقضي بما ارتأى
فكان.. ولكن وامصيبة حاللي
فقد بت في بحر أخوض عبابه
وأخرج منه.. لا علىَّ.. ولا إلي!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :792  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج