شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(17) (1)
استيقظت اليوم مبكراً جداً والبركة ـ ولا شك ـ في البكور.. ولقد أحسست باليوم.. وكأنه وحدة منفصلة عن سابقه تماماً ـ بعد الاستراحة الجسدية والفكرية.. هيأهما نوم ليل قام كالحاجز بين يوم قديم.. ويوم جديد.. حتى لقد بدأت بجهد أربط بين ما اشتمل عليه تفكيري من حوادث مادية تتصل بكل ما في الحياة فيما سبق وبين ما أستقبله منها متصلة.. منفصلة.. بما في ذلك حالة الحرب أو أعقابها.. وكأنها شيء بعيد بعيد جداً عن نبضات ذهني بها أمراً متواتراً كان إلى ما قبل نومي يشتغل به فكري وإحساسي.. ودمي.
ولقد كانت لديَّ بعض الخواطر تعيها الذاكرة حية متواثبة.. ولكني لم أسجلها دحرجة لها لأوانها الدائم.. على أنها لم تك آنذاك في مجملها التقديري في درجة الحيثيات المفصلة.. فوجدت أن من خصائص بركات البكور انسياب تلك الخواطر وسواها من ذهن صاف لا تزدحم فيه وقائع النهار المادية يغطي بعضها بعضا مع ما يشتغل به اسمي من ماديات ثقيلة.
وهنا.. لاح بذهني كلمحة خاطفة ما اشتمل عليه القول البلدي المكرور ـ كلام الليل مدهون بزبدة ـ وإن طلع عليه النهار ساح. فالصلة مفقودة تماماً ما بين ما كان يلج بالذهن وبالنفس من خواطر وأمنيات ومقررات قبل النوم.. وبعد اليقظة المبكرة.. وفضيلة تصحيح ما يقرره المرء وهو في حالة استرخاء تام لسلطان الليل وظلامه.. ومداعبات النوم.. وما تتربص به حالة اليقظة من رؤية كل شيء على طبيعته الحية تحت الشمس.
ولقد كررت حمدي لطبيعة البكور في الحياة، بإدراك ووعي لما تكون عليه النفس من صفاء لم تحجبه ذرات غبار ضوضاء الحياة وزحامها المألوف.. والمنتظر على الأبواب.. بعد قليل.. وحين قمت بالإضافة إلى ما قمت به. بأداء الصلاة أدركت أن مستوى أدائها في مثل هذه.. البدرية.. من وقتها مختلف تماماً عنه في أي وقت آخر.. فلم تكن صلاتي اليوم حركات مطردة من وقوف وركوع وسجود يكاد يكون آلياً.. بل كانت خشوعاً من نفس لم تدنسها وقائع اليوم المادية. بل كانت تفرغاً وتهيئواً تاماً للعبادة لا تزاحمها بالروح.. وحضورها الكامل شواغل الحياة الصارفة.
ولقد أدركت بذلك حقيقة المعنى المجسد في الأثر الشريف.. أول الوقت رضوان الله.
وبعد.. فقد استمر يومي الكامل الحافل مثلاً جديداً على ما تفعله الساعات تذوب هدراً في غير ما قدر لها أن تكون.. الساعة الصيفية.. في برامج بعض البلدان على أساس من الفهم الواعي.
كما إنني بمراجعة ما قمت به في يومي الطويل الحي.. نتيجة للبكور.. ذهلت فعلاً مما استطعت القيام به من أعمال وأعمال.. كأنها فعل أيام لا يوم واحد.. وكررت في نفسي صادقاً.. هنيئاً لكل من كان البكور له. عادة يومية!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :593  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.