شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَدَاريه العيد
عاش ابن زيدون الشاعر المغربي المشهور في طخته المعروفة لدى كل من سرد وورد على ضيعته في غرناطة، أو في بيته الأخضر المجاور لقصر الحمراء .. وكانت الأندلس كلها من فاس .. إلى مكناس تعرف شعره .. وزن .. وقافية .. وخيال على قياس شباب ومال وجمال .. بالإضافة إلى ما لا بد منه لكل من يري أن يحيا ذكره وتطول معاشرته وذكراه بين الناس .. إلاّ وهو منصب حكومي لم تكن تهمه فيه المرتبة ذات البسطة أو الدرجة في الكادر المرموق .. وإنما المهم كل الأهمية ما كان يدره عليه من ريع وغلال مختلفة الثمار والبركات طيلة الموسم الزراعي للدولة المغربية في ذلك العصر وأنعم وأكرم به من عصر وأوان.
وكان رعاه الله حبَّوباً .. بحبوحاً .. مداخلاً للناس غير مخارج إلا أن من أخطر عيوبه التي أخذت عليه من جميع الفاحصين لأوراق اختباره بعد سقوطه .. أنه كان ألوفاً .. حتى أنه فيما روى الرواة المعاصرون له كان دائم الترديد لبيت نديده الشاعر المشرقي أبي الطيب المتنبي:
خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
ولذلك .. فقد أحب الناس .. للناس ولكنهم كطبعهم في كل زمان ومكان لم يكونوا يبادلونه الحب حباً في سواد عيونه المغربية النجلاء .. ولا من أجل أطباق الكسكسوه الممتازة والتي كانت من صنع يدي أمه في أغلب الأحوال .. وإنما من أجل الانتفاع المبطن والمنظور .. وبعضهم والحق يقال للتباهي فقط بأنهم من أصحاب ابن زيدون وما قد يستتبع هذا التباهي من حلب واستحلاب..
هذا وقد أراد الله ولا راد لقضائه أن يطب المذكور فيحب.. ولما كانت حبيبته بحكم الغريزة تعرف ما للمركز من قيمة ومنافع فقد استجابت لحبه في خفر يلسوع القلب وحنان يلحس العقل .. وكانت هناك مراسلات وهدايا يقوم بها صبية .. وقد استطاع بلباقته أن يجمع أخيراً بين رأسين في الحلال ..
وهكذا عاش ابن زيدون بين بشكته وحبيبته ليلى يرشف الحب بعد الحب .. ويزعط الدرهم تلو الدرهم والدينار في قفا الدينار إلى أن داهمته النكبة دون مقدمات حين تجاسر بدافع من الوطنية العمياء فقدم ورقة استعفائه من الخدمة لإخلاء مكانه بالتقاعد لمواطن آخر .. وما هي إلاّ غمضة عين وانتباهتها حتى رأى نفسه وحيداً .. فريداً مقطوعاً من جميع الناس .. فحوقل واستغفر وأناب جالساً على (خَصَفة) قديمة هي تذكاره الثمين من الوالدة الحنونة والتي لم يبق له سواها .. فوضع رأسه الذي شاب من هول الفراق تحت أقدامها ملتمساً غفوة قصيرة بعد سهاد طويل .. فراحت والدته تملس على جبينه .. وتنهنه بقول الشاعر المكي المشهور:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فصحا من غفوته .. وقد نشطت به الرغبة الجامحة في أن يتفرّج غداً إن لم يشترك على "مداريه العيد" المنصوبة في برحة الحياة الكبرى ولكنه ما لبث أن تذكر حالة حبله المقطوع .. فأخذ من بعيد لبعيد يفتكر وجوه الأحباب والأصحاب الذين لم يلمح خيال أي واحد منهم .. وكان الوقت ضحى يوم الجمعة اليتيمة فابتدأ هو يدندن بهذا الموال الأندلسي الحزين:
"أضحى التنائي بديلا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا"
رحتم ورحنا .. فما شفنا موانئكم
يوم الرحيل . ولا شفتم موانينا
ولا اجتمعنا على "الضومنا" (1) ولا حبكت
بنا المراكيز تشجيكم وتشجينا
أتذكرون بِحَبِّ الْيَك قفلتنا
أم تذكرون على الشيش بيش تضمينا (2)
طال الفراق .. وبالفهيقة (3) انمشعت
منا الصدور ومنكم انتمو حينا
من بعد أن كانت الأيام تحسدنا
على النعيم الذي بالزاف (4) يعطينا
من بعد أن كنتمو منا .. لنا .. أبداً
أصحابنا .. وأحبانا الموالينا
دقديقنا واحد في البرد يجمعنا
في الحر مروحة وحدا تكفينا
إذا أنزكمتم عطسنا عبلكم وإذا
سخنتمونا .. أخذتم قبلنا كينا
وإن نبسنا ببنت البنت من شفة
قلنا .. وقلتم لنا في الحال آمينا
نسقيكمو البيبسي كولا الظهر باردة
تسقوننا اليانسون العصر .. تليينا
والموز يأتيكمو منا مفاقدة
فيرجع الموز في تبسيكمو .. تينا
وإن بعثنا حمام البر تسلية
بعثتموه زرمباكاً يسلينا
ياما رسلنا وأرسلتم لنا بقشاً
بها الهدية: تترونا ودوبلينا
سحتم وسحنا على بعض نعيش سوى
في الحب وداً .. وفي الإخلاص تمكينا
حتى إذا لعبت أيدي الزمان بنا
نفضتم اليد فوراً عن أيادينا
رحنا .. رجعنا .. انفلقنا لا نرى أحداً
قد جاء يسأل عنا .. أو يواسينا
بل صرتمو إن سألنا قال خادمكم
عماننا خرجوا .. أو قال نايمينا
حتى المعيز التي كانت لجارتنا
راحت تدوِّر مرعى غير وادينا
هل "بالمراكز" كنا.: أم بحاضرنا
ما زال مرتبطاً أصلاً بماضينا؟!
هل ترجعون لنا "بالوجه" أن رجعت
أم "بالقفا" ستجونا: حين تأتينا؟‍!
قل للعذول انهرت بالكرش (5) جتته
ماذا جنيت بما سويت .. يا خينا؟!
بالأمس كان ضجيج البيت يقلقنا
بسادح رادح مسترغز فينا
واليوم لا صاحب شهم يُوَنِّسنا
ولا حبيب لنا بين المحبينا
ولا صبي .. ولا شاهي .. ولا بشك
ولا جراك .. ولا ألعاب كشينا
اللى أصبح مطوياً له زمن
ما كركرت فيه: أو مدته أيدينا
والراص ما عاد مرصوصاً ولا ولعت
نيرانه .. إن نكشناها ستكوينا
حتى البراريد قد مالت لدلتنا
تقول: أين يد كانت تملينا؟!
أين الصحاب صحاب الأمس .. قد ذهبوا
إلى سوانا .. وخلونا لوحدينا
كم قلت ليلاً لليلى (6) وهي حانقة
لأننا قد تقاعدنا .. مجلينا
وغاب عنا رفاق العيد مذ خليت
مدريهة العيد منا من أمانينا
خذي حسابك من أقوال جارتنا
فأنها عقرباً: فاقت ثعابينا
ما صدقتني وراحت عند نينتها
وحين عادت أرتنى الغلب والطينا
تقول اشمعنى ـ يعنى زوج خالتنا
قد أصبح اليوم في الأسواق زنقينا
وصاحب البيت هذا عنده عدد
من البيوت كراها زاد خمسينا
وكل شخص وشخص بات محتكماً
على الملايين .. لا يرضى الملايينا
حتى الولاد الأولى عاشوا لخدمتكم
أيام كنتم وكان الكل يأتينا
باتت مراكزهم كبرى مفللة
على المراكن أزهارا وياسمينا
كم نغنغوا الست كم جابوا لها صيغاً
كم فصلوا .. كم وكم جابوا فساتينا
الست تبصر طه فوق مكتبه
إلا تشوف على الكادلاك تحسينا
الست تنظر عبدو الآن قابله
ياسين في الصن مذ سماه أسينا (7)
يقول: العب ولا تخش العدا أبداً
وارمي لنا البنت صرا .. يا أفندينا
عشنا وشفنا .. وما شفنا الأولى سدحوا
في البيت أو ردحوا شفطاً .. وتخزينا
قل لي بحقك أين السامرون هنا
بالأمس قد ملأوا هذي الرواشينا؟!
أين الأحبة؟ بل أين البشاك مضوا
وأين من كان بالأرياح يعمينا؟
كأننا الآن يا داك الكلام هنا:
مثل المبنشر .. لارحنا .. ولا جينا‍!
فقلت يا نور عيني مالنا ولهم
الله يغنيهمو عنا .. ويغنينا
هم .. في المدارية ظلوا ناصبين بها
نفس العواميد .. أو تلك الموازينا
عاشوا المساكين في كل العصور كذا
من عهد خوفو .. ومن أيام سي مينا (8)
مثل اليهود الطفارى في حياتهمو
عاشوا كما شفت .. لا دنيا .. ولا دينا (9)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :880  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 173
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثالث - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج