الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > البيت الكريم..

الْبَيْتُ الْكَرِيم..

وَتَخَطَّ اللّيْلاَت.. مَرَّتْ.. ثَلاَثاً في ارْتِقَابٍ.. طَالَتْ بِهِ أَمْدَاهَا ⁽¹⁾

وَتَرجَّ الْبَيْتَ الْكَرِيمَ وَأَهْلِيه: فِعَالاً.. عَزَّتْ لَدَى مُبْتَغَاهَا ⁽²⁾

في افْتِدَاءِ الصَّدِّيق قَدْ لَمَسَ الْغَارَ.. يَحُسُّ الْخِشَاشَ في مَأْوَاهَا

بَعْدَ أنْ سَارَ وَاجِفَ الْقَلْبَ فِي الدَّرْب.. يُسَاوي مِنَ الخُطَى مَمْشَاهَا

فِي اْنقِطَاعِ الابْنِ الشَفِيقِ.. وَمَوْلاَهُ.. أَجَادَا مُهمَّةً.. أَدَّيَاهَا ⁽³⁾

فِي تَوَلِّي الْبَيْتِ الْكَرِيمِ شُئُونَ الرّحْلِ.. مَعْنَىً رَقَّتْ بِهَا مَعْنَاهَا

حِينَ شَقَّتْ ذاتُ النِّطَاقَيْنِ.. أَسْمَاءُ.. عِصَاباً لِسُفْرَةٍ مِنْ كِسَاهَا ⁽⁴⁾

إنَّ فِيهَا روْحَ الْعظِيمِ أبِيَها

قَدْ تَجَلَّتْ مَوَاقفاً لاَ تُضَاهَى

يَوْمَ قالَتْ لابْنِهَا: قِفْ ـ وَقَاتِل لَمْ يُهِنْ عَزْمَهَا الْقَوِيَّ.. عَمَاهَا ⁽⁵⁾

قُمْ.. تَقَدَّمْ.. لاَ يَلْعَبَنَّ بِك الصِّبْيَةُ.. تَعْني أُمَيَّةً وَفَتَاهَا ⁽⁶⁾

هَلْ يَضِيرُ الشَّاةَ الذَّبيحَةَ سَلْخٌ ؟

فَاْرتَمَى بَيْنَ حِضْنِهَا.. يَتَبَاهَى

يَومَ صَاحَتْ.. تَسْعَى.. أَلَمْ يَأْنِ لْلْفَارِسِ هَذَا تَرجُّلاً.. فِي نِدَاهَا

* * *

[1]	أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثاً.. حتى يكفّ الطلب عنهما.
[2]	كان أبو بكر حين أعد الراحلتين قال للرسول واحدة لك وواحدة لي ـ فقال عليه السلام: ((ولكن بالثمن.. ولم تكن مثامنته هذه لأبي بكر وأخذه الراحلة بثمنها إلا لتكون هجرته خالصة لله عزّ وجلَ وحين خرجا للغار بالجبل ـ كان أبو بكر يمشي مرة بين يدي الرسول ومرة خلفه فسأله النبي عن ذلك ـ فقال أذكر الطلب فأمشي خلفك ـ وأذكر الرصد فأمشي بين يديك وحين وصلا للغار ـ ليلاً.. دخل أبو بكر قبل النبي.. فلمس الغار أفيه حية أو سبع.. وذلك ليحس: أي ليقتل ويستأصل الخشاش: أي حشرات الأرض.
[3]	المقصود بالابن عبد الله بن أبي بكر ـ وكان أبوه قد أمره أن يتسمع لهما ما يقوله الناس فيهما نهاراً ليأتيهما به في المساء ـ والمقصود بمولاه: عامر بن عُمَيْرة.. وكان قد أمره أن يرعى غنمه نهاراً بها فإذا أمسى أتاهما بها في الغار.. والرَّمْل: ما يستعجبه الإنسان في السفر.
[4]	النطاق: ج نُطُق: شِقَّةٌ تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل والأسفل ينجر على الأرض ـ ما يشد به الوسط ـ والعِصَامُ: من الوعاء: عروة يعلّق بها ـ ومن القِرْبَةِ: حبل يُشَدُّ فتحمل به ـ والسُفْرَةُ: ما يُبْسَطُ عليه الأكل ـ طعام المسافر.. وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها.. بعد أن مضت الثلاث ـ فسكن عنهما الناس ـ وأتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له ـ أتت إليهما بسفرتها، ونسيت أن تجعل لها عصاماً، فلما ارتحلا ذهبت لتعلِّق السفرة فإذا ليس لها عصام ـ فتحل نطاقها.. فتجعله عصاماً ـ ثم علقتها به ـ قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول: ذات النطاقين وتفسيره أنها لما أرادت أن تعلّق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلّقت السفرة بواحدة ـ وانتطقت بالآخر.. ويقال أخذت قطعة فأوكت بها الحراب ـ والأخرى جعلتها عصاماً لفم القربة وكان ذلك أثناء محاربة ابنها عبد الله بن الزبير بن العوّام للجيش الأموي بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي ـ حين قال لها: لقد تخلى عني المقاتلون معي حتى أهلي. فصاحت به: قف ـ وقاتل وحدك ما دمت ترى الحق فيما أنت عليه ـ أو نحواً من ذلك.
[5]	لما شرع عبد الملك بن مروان في القضاء على الحركة الزبيرية في الحجاز رأى بعد محاولات بعث قائده الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حاصر مكة وضرب الكعبة بالأحجار من المنجنيق ـ وقد رأى كثير من أصحاب عبد الله بن الزبير أنه لا طائل من المقاومة حتى ابناه حمزة وحبيب ولما لمس ذلك عبد الله وأحس بقرب نهايته دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ذات النطاقين ـ وقد بلغت من العمر مائة عام ـ ولم يقع لها سِنٌّ ـ ولم تبيضَّ منها شعرة واحدة وقد دار بين الأم والابن حديث مؤثر ـ حديث جمع بين العاطفة والأصالة ـ وأثبت بحق شهامة المرأة العربية وشجاعتها مثل.. إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك.. ومثل.. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ـ أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك.. ولا تمكِّنْ من رقبتك يتلاعب بها غلمان بني أمية.. ومثل دعائها له في قولها.. اللَّهم لقد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين.
[6]	وقد دنا من أمه أسماء فقبّل رأسها ثم كبر على القوم حتى أصيب بعد قتال عنيف مرير.. وبعد صلبه وبقائه معلقاً بعد موته ـ ورفض الحجاج إنزاله لدفنه واستجابة عبد الملك ـ اكتفت بالسعي ـ وقولها ((أما آن لهذا ((الفارس)).. أن يَتَرَجَّل))..