شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمد متولي الشعراوي.. من ورثة الأنبياء !!
علاَّمة جليل، وداعية إسلامي مؤثِّر، وكبير، في العصر الحديث، تخطَّت شهرته بلاده ((مصر))، فطبَّقت الآفاق العربية والإسلامية، والعالمية حيث يوجد مسلمون على اختلاف قاراتهم، وأوطانهم، وألسنتهم، وألوانهم من خلال برنامجه الديني في ((تفسير القرآن الكريم)) الذي تبثه بعض الفضائيات، ومن خلال رحلاته، وكتبه، التي لم يكن يكتبها بيده، ولم يخص بها دار نشر معينة لتصل إلى مساحة أوسع من شرائح القراء، ومن يعمل لأجل الله وفي سبيله، لا يأخذ أجراً على عمله، فما لله يبقى ويخلد، وما لغير الله يفنى، ولا يدوم !!
ربما كانت بعض دور النشر تقوم بتسجيل الحلقات التي يلقيها في الجامع شفاهة، ثم تقوم بطباعتها، وبيعها لمن يطلبها ـ وهم كُثر... ربما ـ نقول هذا استنتاجاً ـ يتم ذلك دون علمه، ودون إذن منه، لأننا نشاهد من خلال التلفاز أجهزة تسجيلات، دون أن يمنع أحد، ولم نقرأ أو نسمع أنه رفع دعوى ضد أحد مطالباً، بحقوقه ((الفكرية)).. كما لا نستبعد ترجمتها إلى لغات غير عربية.
كان يجلس في الجامع على كرسيه البسيط، بملابسه المتواضعة على الطريقة (( الأزهرية )) متدثِّراً بالجبة، وعلى رأسه عمامة، أو طاقية بيضاء تشبه العمامة، وعلى أرض الجامع يحتشد حوله من يأتي لسماع تفسيره للقرآن الكريم،، وأسراره، وعجائبه، ومعجزاته، وبلاغته العربية العبقرية، بأسلوبه ((التفكيكي)) لكل صغيرة، وكبيرة، وكل مفردة لها دلالاتها، وأبعادها من مفرداته، بحيث قد يأخذ منه تفسير آية من آياته الكريمة ربع ساعة، أو أكثر من الوقت، وهو بأسلوبه في التفسير وطريقته لم يسبقه اليهما أحد من المفسرين.
ويتميز أسلوبه في التفسير باستعماله بعض المفردات، والعبارات، والأمثال العامية المصرية، ليس عجزاً منه أن يقولها بالفصحى التي يعد واحداً من فطاحلتها (1) ، ومن المعروف ان من لا يتقن العربية الفصحى، فقهها، ونحوها، وصرفها، وبلاغتها الى جانب إتقانه العلوم الشرعية، من لا يتقن كل ذلك لا يعد مؤهلاً تأهيلا اقتدارياً، وقدرة لتفسير القرآن الكريم.
قلنا إنه في استعماله ((العامية)) في أسلوبه التفسيري ليس عجزاً منه في لغته الفصحى التي هي ((لغة القرآن الكريم))، وإنما ليزيد السامعين له في الفهم، وإيصال المعلومة، إليهم بوضوح متجاوزاً أسلوب التعجيز، و ((الابهام)) و ((الغموض))، لمعرفته أن بعض من يحضر حلقاته هم من الناس البسطاء، ومن لا يجيد القراءة، والكتابة.
ولعلي أكون على حق إذا قلت إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه له مقولة تعني ((خاطبوا الناس بما يفهمون))، لهذا كان يحرص لتوصيل، وإيصال رسالة معاني القرآن الكريم، وأسراره، باستعمال الوسائل المناسبة لهذا التوصيل، والإيصال، وله جمهوره الكبير في الأقطار العربية الذي يتابعون برنامجه الشائق، المشوِّق.
إنه العلامة فضيلة الشيخ (( محمد متولي شعراوي )) أحد ((ورثة الأنبياء)) كما جاء في الحديث الشريف ((الحسن)) الذي رواه ((أبو الدرداء))، وأخرجه ((أبو داؤود، والترمذي، والدارمي)).
قبل أن أتعرف عليه شخصياً، كنتُ قد عرفته من أول برنامج ظهر فيه من إعداد المذيع المعروف (( أحمد فرَّاج )) الذي كان يقدِّم لفضيلته أسئلة في مختلف المسائل الشرعية، ومشكلات الناس الدينية التي لها علاقه بحياتهم، فيرد عليها بما أوتى من علم غزير، وقدرة على إيراد الحجة المقنعة الصحيحة من خلال خطاب أجوبته السديدة، دون مواربة، أو تفريعات مذهبية،، لأنه يستمد خطابه من ((الكتاب، والسنه)) وكان اسم البرنامج ((نورٌ على نور)).
ومن حسن المصادفات أن فضيلته قام بزيارة لصديقه الحميم، وتلميذه الدكتور (( محمد عبده يماني )) حين كان وزيراً للإعلام في نهاية عام 1395هـ ـ كما أتذكر ـ وللمعلومية فإن الدكتور (يماني) هو الذي استقطبه للعمل مدرِّساً في جامعة ((الملك عبد العزيز بجدة)) حين كان مديراً لها قبل توليه وزارة الاعلام، حيث مكث فضيلته عدة سنوات بالمملكة.
قلتُ إنه من حسن المصادفات أن جاءت زيارة فضيلته في الوقت الذي كنتُ أعمل فيه سكرتيراً للشؤون الإعلامية والصحافية بمكتب الوزير الصديق العزيز الدكتور (يماني)، فكانت فرصة لي للتعرف على فضيلته شخصياً، وكان هذا هو اللقاء الشخصي الأول الذي كان مصدر سعادتي.
ولشهرته، ومكانته الاجتماعية والدينية عُيِّن في بلده ((مصر)) وزيراً للأوقاف، لكنه لم يستمر فيها طويلاً لأنه وجدها بمشاغلها، وتعدد مسؤولياتها ستشغله، وتصرفه عن رسالته الدينية الإسلامية التي وهب نفسه، وعلمه ووقته في الدعوة إلى الله، وهي رسالة أسمى وأنبل وأرقى من منصب الوزير، فقدم استقالته، في وقت يتكالب فيه الآلاف على هذا المنصب الكبير، ووجاهته الاجتماعية الرفيعة في رأيهم.
ولم يكن دوره متوقفاً على تقديمه البرامج الدينية، وعلى رأسها تفسير القرآن الكريم، المعجزة، بل كانت نشاطاته الخيرية، وبخاصة في قريته ((دقادوس)) وأنشأ مجمعاً خيرياً أطلق عليه اسم (( مجمع علي بن أبي طالب الخيري )) (2) .
أما اللقاء الشخصي الثاني والأخير بفضيلته فقد كان في منزل الصديق الدكتور (هاشم عبده هاشم) رئيس تحرير جريدة ((عكاظ)) بجده الذي أقام له حفل عشاء مختصر، حضره صديق الجميع الدكتور (محمدعبده يماني) الذي لا أستبعد أنه كان يستضيف الشيخ في منزله خلال إحدى زياراته لأداء العمرة.
ولا شك أن أي مجلس يكون فيه الشيخ (( شعراوي )) يتحوَّل فيه إلى القطب الرئيس للمجلس بحديثه الماتع، وعلمه النافع الذي لا تمل منه النفس، إن لم تطلب الزيادة، والإكثار، ومما يزيد من متعة حديثه أنه غير مكرور، ودائم التجدد، والتنوع في مسائل شتى، وأمور متعددة، تزيدها بهجة روحه الإسلامية الراقية، السمحة، وعذوبة أسلوبه، في تواضع إنساني آسر، دون تزمت، أو إسفاف، فهو واسع الصدر، رحب المعشر، مما يجعلك تتصور أن نشأته وأجزاء من حياته التي عاشها في القرية، وما تتميز به من بساطة، ولين التعامل قد أثَّرتا في شخصيته، وأثْرتا إنسانيته بكل ما هو جميل.
والمعروف أنه حِفظ القرآن الكريم في وقت باكر من عمره. ومما سمعته من ابنه الذي اقتفى أثره الشيخ (( عبد الرحيم الشعراوي )) من قناة ((اقرأ)) الفضائية، في إحدي حلقات برنامج (( المواجهة )) الذي يقدمه (( محمد بركات )) ان والده العلامة كان سريع القراءة، والاستيعاب.. وهذا ما ساعده على الالمام بكل مصادر ومراجع العلوم الشرعية، واللغوية، والأدبية، حتى أنه قال الشعر، لكنه لم يعطه ذلك الاهتمام المطلوب.
لقد كان نابغة من صغره، وكبر شأنه ليصبح عَلَماً في قريته (( دقادوس )) قبل أن ينتقل منها، حيث كان يلجأ إليه أهلها في الملمات، للاستعانة بمكانته ووجاهته لدى الجميع، إلى جانب استشارته، والاستنارة بعلمه وحكمته.
ومن أطرف ما رواه ابنه ((عبد الرحيم)) إن والده كان يدرس في معهد أزهري بالزقازيق، وكان يسكن في شقة مستقلة، ولاهتمام والده به، وحرصه على سيره في الدراسة، كان يفاجئه بزياراته إلى ((الزقازيق)) من حين لآخر
وفي واحدة من هذه الزيارات لم يجده في شقته، وحين استعلم عنه من الجيران قيل له إنه في شقة في الطابق العلوي، فصعد الأب ليجد ابنه الشيخ ((محمد متولي شعراوي)) يجلس بجوار فتاة يشرح لها ما غمض عليها في أحد الدروس !!
وقد فوجئ الشيخ بزيارة والده الذي طلب منه مرافقته لأمرمهم، وسار خلف والده دون معرفة الأمرالمهم.. وحين وصلا الشقة سأله والده عن علاقته بالفتاة التي كانت تجلس بجواره في الشقة العلوية، أجابه أنها فتاة أزهريه طلبت منه مساعدتها في شرح درس لها بحضور والديها.
رغم ذلك أسر الوالد في نفسه شيئاً لم يعلم عنه الابن وهو يأمره بالعودة معه إلى القرية، فامتثل لأمر والده، وسافر معه إلى القرية.. وبعد وصولهما مباشرة طلب منه مرافقته إلى منزل خاله.. وحين سأل الشيخ عن سبب الذهاب إلى منزل خاله ؟ أجابه الأب بصرامة: سأخطب لك ابنته، وتتزوجها بعد أيام قليلة، وتسافر بها معك إلى ((الزقازيق)) !!
حاول الشيخ أن يقنع أباه أنه ما يزال صغيراً على الزواج، فهو في الخامسة عشرة من عمره، بينما ابنة خاله في الثالثة عشرة.. لكن الأب ظل على اصراره.. فذهب الاثنان إلى بيت الخال، وتمت الخطوبة، ومن ثم أقيمت مراسم الزواج، ولم يعد الشيخ (محمد متولي الشعراوي) إلى ((الزقازيق)) إلا وزوجته معه !!
لن أحلِّل موقف الأب بأكثر من خوفه على إبنه، ورغبته في التفرغ والاهتمام بدراسته، ولأن حياة المدينة المنفتحة غير حياة القرية المنغلقة !!
وقد لاحظتُ على فضيلته في أخريات عمره، الاعياء، وإجهاد السنين التي عاشها حتى أنهم في التلفاز المصري كانوا يحضرون ((الكاميرات)) إلى منزله لأخذ أحاديثه.
انتقل إلى رحمة الله في شهر صفر 1419هـ الموافق شهر يونيو 1998م إن لم تخني الذاكرة، وقد شيَّعت الجماهير الغفيرة جثمانه إلى مثواه الأخير، تغمده الله بواسع رحمته جزاء ما قدَّم للإسلام والمسلمين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :606  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج