شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمد عبده يماني من الأدب والوزارة إلى الفكر الإسلامي
نشأ محباً للأدب والصحافة، انضم في مدرسته بمكة المكرمة إلى جماعة النشاط الأدبي، والصحافي، كان المربي الأستاذ (عبد الرزاق بليلة) تغمده الله بواسع رحمته مشرفاً على صفحة (( دنيا الطلبة )) في إحدى الصحف، وكان صديقنا ممن يكتبون فيها، هو وثلة من زملائه ممن جمعتهم حرفة الكتابة، والأصح ((هواية)) الكتابة، أذكر من هذه ((الثلة)) إن لم تخني الذاكرة، الأصدقاء (عبد الله الجفري، محمد سعيد طيب، محمد عمر العامودي، وأسامة السباعي).. وغيرهم ممن لا أتذكر أسماءهم، كانوا يجدون في هذه الصفحة متنفساً لهم، وإشباعاً لهوايتهم.
كان صديقنا الطالب (محمد عبده يماني) واحداً من هذه الكوكبة، التي ينير عقولها حب ((الأدب)) وتتنفس ((رئاتهم)) نسائمه، وتملأ ((جوانحهم)) دفقاته الشعرية، والشعورية، ومن حسن حظ هذه (( الكوكبة )) أنها عاصرت جيل (( الرعيل الأول )) الذين وضعوا (( مداميك )) نهضتنا الأدبية، وأقاموا أسسها.. لهذا أطلقت عليهم (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث) الصادرة أخيراً (جيل التأسيس)، وبخاصة في (( الحجاز )) حيث عُرفت ((المطبعة))، ((والصحافة)) قبل بقية مناطق المملكة، أذكر من أسمائهم (حمزة شحاته، أحمد عبد الغور عطّار، عبد القدوس الأنصاري، أحمد السباعي، محمد سعيد عبد المقصود، محمد سرور الصبَّان، محمد حسن عوَّاد، عبد الله بلخير، إبراهيم هاشم الفلالي، عبد الوهاب آشي، فؤاد شاكر، حسين عرب، أحمد قنديل، محمد علي مغربي، حسين سرحان، طاهر زمخشري، عبد السلام الساسي، محمد سعيد العامودي، أمين مدني، محمد عبد المقصود خوجة، عبد الله عبد الجبار، أحمد العربي، خالد خليفة.. وغيرهم).
وبعد دراسة الثانوية العامة، أنفرط عقد ((الكوكبة)) الشابة، فمنهم من توقَّف عن الدراسة، ومنهم من ارتحل لمواصلة دراسته الجامعية إلى القاهرة، أو إلى الرياض حيث توجد (( جامعة الملك سعود )) ، وهي أول جامعة أُنشئت في المملكة.
كان صديقنا العزيز (محمد عبده يماني) ضمن الدفعة الأولى التي التحقت (( بكلية العلوم )) حين إنشائها بجامعة الملك سعود، لقد أدرك الشاب، وهو في مقتبل العمر، أن العالم يمر بحقبة علمية مذهلة في معطياتها، ومكتشفاتها، ومبتكراتها، وأن أمته العربية والإسلامية، مجبرة على مواكبة هذا العصر العلمي، وأن لا تكون أمة متخلفة في مضمار العلم، والتقنية (التكنولوجيا) التي توصَّل إليها الغرب بصورة متسارعة، أعطتهم القوة لتحقيق أحلامهم في الصعود إلى الكواكب الأخرى، متجاوزين جاذبية الكرة الأرضية.
من هذا الإدراك المبكِّر لصديقنا العزيز الشاب، توجَّه إلى الدراسة العلمية، رغم موهبته الأدبية، كان يدرك أن الأدب هو غذاء الروح يمكن تحقيقه من خلال ((التثقيف الذاتي))، أما العلم فلا يدرك إلا بالدراسة، والتعامل مع ((الأجهزة))، والبقاء ساعات طويلة في ((المختبرات)) !!
بعد حصوله على (( البكالوريوس )) صوَّب وجهه إلى (( الأرض الجديدة ))، أو بلاد (( العم سام ))، كما يطلق عليها وهي (الولايات المتحدة الأمريكية)، فأنكب على الدراسة بكل جد واجتهاد، إلى جانب نشاطه في صفوف (( الجالية الإسلامية )) هناك، وكان يحرص في كل تصرفاته، وسلوكياته على التمثل بأخلاقيات الإسلام، ومبادئه النبيلة.
وحين حصل على (( الماجستير ))، والدكتوراه )) تخصص (جيولوجيا) عاد ليقدِّم علمه، ووفاءه للجامعة التي علَّمته ((ألفباء)) ما توصَّل إليه من علم، ومكانة علمية، فعمل مدرِّساً في كلية علوم جامعة الملك سعود بالرياض.
في هذه الفترة تعرَّفتُ عليه، معجباً بمسيرته الحياتية الكفاحية، ولأنه يمتلك روحاً ((جاذبة)) لإقامة علاقات إنسانية مع الآخرين.
وترافقنا في رحلة إلى مدينة (( المَجْمَعَة )) لإلقاء محاضرة عن صخور أرضية القمر، بمناسبة هبوط أول مركبة فضائية أمريكية (أعتقد أنها ابولو II)، لاختصاصه العلمي، لم تكن المحاضرة شفهية فحسب، بل كان خلال إلقائه لها إرتجالاً، يدعم حديثه بعرض شرائح أخذت لسطح القمر وصخوره (SLIDES)، وأتذكَّر إن لم تخني الذاكرة أنه رافق الفريق العلمي طوال زيارته للرياض، وتحدَّث معهم على شاشة التلفاز.
بعد عودتنا إلى الرياض فوجئتُ بموضوع له نشرته جريدة ((الرياض)) يحمل عنواناً جاذباً لا يكتبه إلا من له موهبة الأديب، وروح الصحافي، كان العنوان (في مدينة المليون نخلة) تحدَّث فيه عن مدينة ((المجمعة)) فقلتُ إن الصديق العزيز الدكتور (محمد عبده يماني) ما يزال أديباً، وصحافياً، وإن تخصصه العلمي لم يقتل في نفسه روح ذلك الأديب الشاب الذي كان في مكة المكرمة، يمارس الكتابة مع غيره من شباب مرحلته في صفحة ((دنيا الطلبة)).
وحين عيِّن وكيلاً لوزارة المعارف ـ حينذاك ـ للشؤون الفنية، زرتُه مهنِّئاً بصفتي صديقاً له، فاستقبلني بتواضع واقفاً في منتصف مكتبه، فقضينا معاً ما يقارب نصف الساعة دون أن يشعرني بملل، أو مضايقة.
ولأنه رجل نظيف اليد، والجيب، واللسان، فقد كانت المناصب تسعى إليه دون أن يسعى إليها، أو يطلبها، لهذا عُيِّن مديراً لجماعة (( الملك عبد العزيز بجدة ))، فأسهم بخبرته، وتجاربه في بداية إنشاء بعض مبانيها، وجديد كلياتها، وحرص على انفتاح الجامعة على المجتمع، وأبرز مثال على ذلك دعوته إلى (( مؤتمر أدباء المملكة الأول )) بدعوة شيوخهم، وشبابهم، كان المؤتمر في مكة المكرمة تظاهرة تاريخية أدبية وثقافية، قُدِّمت خلاله عدد كبير من المحاضرات، المتعدِّدة، والمتنوِّعة الموضوعات، ووزِّعت خلاله الميداليات على الأدباء المشاركين، وأختتم المؤتمر الذي رعاه المربي الفاضل الشيخ (حسن عبد الله آل الشيخ) وزير المعارف ـ يومذاك ـ تغمده الله بواسع رحمته ببيان أحتوى على مجموعة من التوصيات التي لو أُخِذَ بها، وتم تنفيذها على أرض الواقع، لحققت لأدبنا ((نُقلات)) كبيرة، مثمرة، ومنها أن ينعقد المؤتمر سنوياً. وهذا ما لم يحدث مع الأسف الشديد، مع ضرورة الإشارة إلى أنه أنعقد مرة ثانية، لكن بعد مرور عدة سنوات، وفي حجم متواضع، مرَّ دون أن يترك أثراً في مستوى المؤتمر الأول، لأسباب لا نرى ما يدعو إلى ذكرها !!
ثم تولَّى منصباً رفيعاً، حسَّاساً، له خطره، وخطورته، وهو منصب (( وزير الإعلام ))، حينها كنتُ موظفاً في (( المديرية العامة للمطبوعات )) التابعة لوزارة الإعلام، وفي أحد الأيام فوجئتُ بمدير عام المديرية الصديق (عبد الرحمن فهد الراشد) يعلمني بأن الوزير يريد مقابلتي، فسألته: هل عرفت السبب ؟ أجاب: يبدو أنه يريد نقلك إلى مكتبه !! سألته: هل وافقت ؟ أجاب: حاولت إقناعه بعدم الاستغناء عنك، لكنه أصرَّ على ذلك، واتفقنا على أن تعمل في مكتبه في الفترة الصباحية، وتكمل زمن وقت عملك اليومي في المديرية بعد الظهر !!
وفعلاً، ذهبتُ لمقابلة معاليه، فعرفتُ منه أن الفترة التي سأعمل خلالها في مكتبه صباحاً سوف تكون ((تجربة))، يتم بعدها نقل وظيفتي إلى مكتبه، فطلبتُ منه شيئين: (أحدهما) إن ظروفي لا تسمح لي بالحضور قبل الساعة التاسعة صباحاً، وستلمس في المقابل الإنتاجية في العمل التي هي القيمة الفعلية كماً، ونوعاً، ومبادرة، ونشاطاً، (والآخر): أن تكون علاقتي في العمل مع معاليكم مباشرة، لا عن طريق مدير مكتبكم الذي أعرفه جيداً، ولا أرتاح لأسلوبه ((البيروقراطي)) في العمل !! فوافق رغم عدم ارتياحه لمسألة الحضور المتأخِّر، لأنه شخصياً يحضر إلى مكتبه في الساعة السابعة والنصف صباحاً، لاعتياده على النوم المبكِّر، والصحو المبكِّر، على عكس ما اعتدتُ عليه، وللمرء من دهره ما تعوَّدا !!
وبدأت العمل في مكتبه، كان يحرص على قراءة الخطابات التي أحرِّرها قبل دفعها لموظف الآلة الطابعة، وبعد حوالي أسبوعين أصدر أمره بطباعة الخطابات التي أحرِّرها دون عرضها عليه !!
شعرتُ بالارتياح لهذا الموقف، وبدأ يكلِّفني بمهمات، وأعمال لها حساسيتها، وأثرها، وتأثيرها، وكان الله معي فنجحتُ في أداء كل الأعمال والمهمَّات، وكان لهذا النجاح ضريبته لأنه أثار استياء مدير مكتبه عليَّ، فلم أعره اهتماماً، لأن من يعمل ويخلص في عمله يجب أن يضع في ذهنه أنه سيقابل بعدم رضى كل الآخرين عليه، إن لم يجد من يناصبه العداء، ويزرع في طريقه الشوك !!
ومما زاد من استياء مدير المكتب أنني حين لاحظت أن عدداً من أصحاب الحاجات الذين لا تحل مشاكلهم إلاَّ عن طريق الوزير، لَم يكن المدير ليسمح لهم بمقابلته بأعذار غير صحيحة !! كأن يقول لهم ((إن الوزير مشغول، أو إن عنده اجتماع سري)) !! في الوقت الذي يتعامل فيه مع الوجهاء، والأثرياء، وأصحاب المناصب بأسلوب مغاير، فأشعرته أن أسلوبه يسيء لأصحاب الحاجة، كما يسيء إلى الوزير شخصياً، وأن منصبه فرصة كبيرة له لعمل الخير، ومساعدة الآخرين، فردَّ عليَّ بما يعني أن هذا الأمر ليس من شؤوني، وأن عليَّ أن أكون بمنأى عن تدخلي غير المرغوب فيه !!
وبعد تفكير في موقف مدير المكتب وجدتُ أنه من الإصلاح إخبار معالي الوزير بالأمر لأن ((السَّاكت عن الحق شيطان أخرس))، وهذا ما حدث.. فوجدتُ من تجاوب الوزير أكثر مما كنت أتوقع، إذ طلب مني الجلوس، وضغط على ((زر)) الجرس، فدخل العامل المسؤول عن مكتبه، وكنتُ قد عرفته من خلال الأيام التي مضت أثناء عملي بالمكتب، وهو رجل يتمير باللطف، وبشارب كبير، كنت حين أدعوه أقوله له: ((يا أبا شنب)) لتفترش الابتسامة وجهه المريح، قال له معالي الوزير: من اليوم إذا طلب منك علوي إدخال أي شخص على مكتبي، فنفِّذ أمره، رد عليه بلهجته النجدية ((سَمْ)) وهي كما يبدو لي منحوتة من كلمتي ((سمعاً، وطاعة))!!
وحين هممتُ بالخروج شاكراً للوزير ثقته، رد عليَّ سأضيف إليك مسؤولية أخرى، وهي صلاحية حل مشكلة أي مراجع سواء بطريقتك الشخصية، أو بالشرح على أي معاملة لها علاقة بوكيل وزارة، أو مدير عام بتوقيعك دون الرجوع إليَّ، فشكرتُ معاليه على هذه الثقة الغالية، والمسؤولية الحسَّاسة، ولأن هذه المسؤوليات من اختصاص مدير مكتبه فقد سألته: وماذا أبقيتَ من مهام ومسؤوليات لمدير المكتب ؟ أجابني: إنني أهيِّئك لتكون مديراً للمكتب بعد أن نجحتَ في التجربة، أما مدير المكتب فقد كَبُرَ في السن وقرب موعد إحالته على المعاش !!
ومن يومها طلب مني أن أعمل في المكتب الوقت كله دون أن أكون مسؤولاً عن العمل في ((مديرية المطبوعات))، فسار العمل كما يجب أن يسير، بإيقاع متسارع يواكب حجم المسؤوليات، وبأسلوب لا يحكمه الروتين، ولا تعرقله التعقيدات، ولا تتدخل فيه الأغراض الشخصية، وهذا كله بتوفيق الله، ثم بالتشجيع الكبير الذي لقيته من معالي الوزير الصديق العزيز الدكتور (محمد عبده يماني)، وثقته الغالية، وهذه مجموعة تمثَّل مفاتيح نجاح أي عمل يصاحبه الإخلاص، والصدق، والأمانة لمرضاة الله سبحانه وتعالى في الدرجة الأولى، ثم بما يبعث السرور، والارتياح في نفوس أصحاب الحاجة.
لكن، العمل مع الصديق العزيز الوزير الدكتور (محمد عبده يماني) لم يطل كثيراً، لأن صاحب السمو الملكي الأمير (خالد الفيصل بن عبد العزيز) طلب نقل عملي إليه، كي أكون رئيساً لتحرير مجلته (الفيصل) التي يزمع إصدارها في ((أبها)) ومع ذلك ظلَّت صداقتي بالدكتور (يماني) على صلة متسمره يسأل عني، ويتفقَّد أحوالي ويزورني في المستشفى كأحد أخوانه، وكنتُ أكبر له هذه الأخوة الصافية، والصداقة الصادقة.
وأكبرته أكثر حيث نُشِر معه لقاء مطوَّل في جريدة (( الجزيرة )) قال فيه إنه كان في صغره يبيع (( البليلة )) !! إنه تواضع المسلم الصادق مع نفسه، ومع الآخرين، فهو لم يقل إنه من أسرة ذات جاه ومال!!
وفي الوزارة أطلَّ علينا بعدد من الروايات، والمجموعات القصصية القصيرة، لكنه بعد إعفائه من الوزارة اتجه إلى أعمال البر، والخير، والاهتمام بالقضايا الإسلامية، وهموم (( الأقليات الإسلامية )) في العالم، وانخرط عاملاً في الجمعيات الخيرية، وأصدقاء المرضى، ومساعدة ذوي الحاجة، وتحوَّل بثقافته إلى الناحية الدينية، شريعة، وتاريخاً، وأختص في اهتمامه مركِّزاً على (( السنة النبوية )) الشريفة، فألَّف كتيبات وجهها بأسلوب مبسَّط للشباب عن محبة رسول الله مسك الختام محمد عليه أفضل السلام، وأتم التسليم، ومحبة آل البيت، كما ألَّف كتاباً عن (( أبي هريرة )) رضي الله عنه، وظَّف فيه جهاز (( الكومبيوتر )) ، وكان كتاباً رائداً أَثبْتَ فيه أن الأحاديث الشريفة التي رُويت عنه ـ على كثرتها ـ لم تكن كذلك، بل هي أقل مما يروى عنه، وقد تُرجمت بعض كتبه إلى لغات غير عربية مثل (الأوردية)، وله برنامج أسبوعي يبث من خلال (( قناة إقرأ )) الفضائية بعنوان (كلمة طيبة).
إنه توجه كريم، وكبير، ونبيل، نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته، وأن ينفع به الإسلام، والمسلمين، إنه على كل شيء قدير.
فاتني أن أشير أنه أول وزير إعلام يذيع في تصريحه الرسمي كل ما يدور من مناقشات (بالتفصيل) في جلسات مجلس الوزراء بمباركة، وموافقة الملك الصالح (خالد بن عبد العزيز) تغمده الله بواسع رحمته، فأصبحت من بعده قاعدة لكل وزير جاءبعده.
وأخيراً، أعترف أنه ما تزال بقايا ذكريات مع الصديق الدكتور (محمد عبده يماني) يطول بها المقام، وكما يقولٌ عمر أبو ريشة، الشاعر المعروف (بعض الربيع ببعض العطر يُختصر).
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :506  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.