شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الله الماجد.. الرجل الوضيء الذي عاد!!
نعم.. عاد!!
عاد، وعلى وجهه نصف ابتسامة!!
هو كذلك، تعجبه (( الأشياء المبتورة )) !!
الأشياء (( المكتملة )) عنده ليس فيها إبداع، لأنها مباشرة وفيها (( تقريرية )) !!
الجمال في ((الأشياء المبتورة))، عبارة قالها منذ عشرات السنين فأهتز لها أستاذ العبارة المجنَّحة ((الزَّيدان)) فانتفض كعصفور لم يبلَّلَه القطر، وبنى عليها مفاوز، واهرامات من المعاني، جلب ((فينوس)) من اليونان جميلة ليدها ((المبتورة)).. السارق ((تُبتر)) يده إبقاء ومحافظة على الجمال، والأشياء الجميلة!!
هو هكذا أستاذنا ((الزَّيدان)) يبحث عن أشياء خلف العبارات المجنَّحة، يتلمظها كما يتلمظ نواة التمر!!
وقفتُ في وجهها، انتصبتُ كرمح إفريقي أعترضُ على صديقي الحميم على عبارته ((المبتورة)) فحوَّلني إلى ((رؤية)) جعلت من ((الحبَّة قُبَّة))، فثأر له ((الزَّيدان)) قائلاً: بل جعل من ((القُبَّة حبَّة))!!
كانت هذه صورة من الحركة الأدبية التي يعيشها شيوخ الجيل مع شبانه دون عُقد، أو تميزات، أو وصايات، وكانت هذه سمة من سمات أستاذنا ((الزَّيدان)) أكثر من غيره من المحنَّطين، كأنه ((سقراط)) يحب الجدل والنقاش والجديد، ويحب الشباب، فإذا كان ((سقراط)) اتهم بتحريض الشباب ومات مقهوراً لا مسموماً، هو مات بالقهر قبل أن يشرب السم إذا صحَّت الرواية!!
و((الزَّيدان)) وكما علمتُ من أحد تلامذته المقرَّبين إليه مات ((بالإكتئاب)) وشعوره الإنساني بعقوق الآخرين أثناء مرض أيامه الأخيره تغمده الله بواسع رحمته جزاء ما قدَّم من خير وبر وإحسان، وخدمة أصحاب الحاجة ممن يعرف، ولا يعرف!!
كنا ثلة زاجلة نعشق الأدب، ونتعشق المعرفة، نتبادل قراءة الكتاب الجديد لأن كل واحد منا غير قادر على شراء نسخة خاصةبه، وكنا نسير إلى ((مطابع الرياض)) في ((المرقب)) حيث نعمل في صحفنا مساء ((كعَّابي)) على أقدامنا، أو نركب وسيلة مواصلات رخيصة، نتجادل، نتناقش، نختلف، ونختصم، بعد ذلك نذهب جميعا إلى مقهى في طريق الحجاز، أو طريق ((خُرَيْص))، ليس خريص اليوم الأسمنتي، بل خريص ((الطُّعُوس))، والرمال الذهبية والإنطلاق، دون أن يحمل أحد منا ضغينة على الآخر!!
نتسامر ونناقش آخر ما قرأنا يومها من القضايا عن (( الأصالة والمعاصرة )) و (( المعقول واللامعقول )) و (( اللامنتمي )) و (( أصوات غاضبة في الأدب )) ، و (( تيار الشعور )) عند جيمس جويس.
كانت يومذاك قبل مايقارب الأربعين عاماً هذه هي القضايا الساخنة التي تشد أذهان شبان الأدب في غياب شيوخ الأدب الذين كانوا يعيشون في أبراج عاجية يقتاتون أعشاب الماضي، كنا تلاميذاً دون مدرسين، أو أساتذة!!
نعم، كنا جيلاً بلا أساتذة، و إذا وُجِدَ الأساتذة فهم من واد، ونحن في وادٍ آخر، لأن بعضهم يعد الشعر الحر، أو شعر التفعيلة ((زندقة)) حيناً، و ((كُفراً)) أحياناً أخرى ـ أعوذ بالله ـ مع أنه أمرٌ فنِّي، وأدبي، ليس له علاقة، بالدين، والعقيدة، وهذا البعض يناقض نفسه في احتفائه بالشعر العامي، أو ((الشعر النبطي)) من خلال الكتب التي يجمعها، ولا أقول يؤلفها، ويقدمها من خلال برامجه الإذاعية، والتلفازية، باعتباره ـ في رأيه ـ أقرب وألْصق إلى الشعر العربي الفصيح أكثر من ((شعر التفعيلة)) الذي يُكتب باللغة العربية الفصيحة.. عجبي!!
لقد أبعدنا (( التداعي )). واستحضار الأفكار، وبعض الذكريات عن حديثنا عن (( الرجل الوضيء )).. وعودته إلى المشهد الأدبي بعد غياب سنوات تصوَّرنا معها أنه انصرف إلى تجارة الكتاب، وحسابات الربح والخسارة، فإذا به يعود ((رأياً ورؤية)) لم تتقادما، ولم يضعف وهجه، وتألقه في الكتابة.
كان هذا (( الرجل الوضيء )) من (( الحمائم )) في مواجهة (( الصقور )) دون أن يفقد علاقته بالصقور، فهو رجل علاقات إنسانية من طراز رفيع،
يمسك العصا من وسطها، ويقول كلاماً ناعماً، كما يقول أحد الساسة الإنجليز، وكانت له إبتسامة (( الموناليزا )) الساحرة، أو الساخرة، عمره (( العقلي )) سبق عمره (( الزمني )) !!
كتب عن أستاذ الجيل ((الزَّيدان)) في مقالة أفضل مما كتبه غيره في كتاب.. فترنَّحتُ طَرَباً أثتاء قراءتي الأولى لكل سطر كتبه، وقرأته ثانية باحثاً عما وراء السطور من معان شفَّافة تتجاوز ((زمكانيتها))، وتتوغَّل في أعماق أعماق النفسية ((الزَّيدانية)) الباذخة في إنسانيتها، ومعارفها الشمولية، لم يزدني معرفة بالزَّيدان، لكنه أثار كوامن مشاعري.
لقد كسبته (( المجلة الثقافية )) إصدار جريدة (( الجزيرة )) المتألَّقة المرتبط نجاحها بسياسة ربان سفينتها الصديق ((خالد المالك)) الذي عرفته إنساناً راقياً في تعامله مع الآخرين حلاً، وترحالاً، فوجدته في ترحاله أكثر روعة من حله، والترحال محك معادن الناس، ولا أنسى مدير تحريرها الشاب المثقف المنفتح الصديق (إبراهيم التركي).
لقد كسبته ((المجلة الثقافية)) حين أستقطبت يراعه، وقد كان موفقاً حين اختار بداية كتاباته بالحديث عن عدد من زملاء الحرف الذين عايشهم، وتعايش معهم فعرفهم فكراً وسلوكاً، وهو بهذا الاختيار يسجِّل لحقبة من تاريخنا الأدبي من خلال الكتابة عن أولئك الزملاء الذين ذكر أسماءهم في أولى حلقة له، وكانت البداية عن أستاذنا ((الزَّيدان)) تعكس المنهج الذي سوف يسير عليه، وجاء العنوان (( وعشت في حياتهم )) شاعرياً، وجاذباً، ولافتاً للإنتباه.
لهذا نأمل أن يستمر لنقرأ ما سيكتبه في كتاب له أثره، وتأثيره في المستقبل، لأنه يؤرِّخ من خلال الأشخاص الذي سيكتب عنهم لمرحلة عاشها، وعاصرها، وشارك فيها.
يبدو لي أنكم عرفتم هذا ((الرجل الوضيء)) ـ من الضوء ((الذي أعنيه.. وللتوضيح أقول إنه الصديق الوفي الأديب الناقد الناشر (( عبد الله الماجد )) رغم شعوري بالتقصير بالحديث عنه في هذه العجالة المختصرة عنه، مع دوره المؤثر أدبياً، ونقدياً، وصحافياً، وناشراً بداره الخاصة ((دار المريخ)) للنشر التي تجاوز بنشاطها خارج المملكة عربياً، ودولياً.. فداره لا يفوتها معرض من معارض ((فرانكفورت)) في المانيا حيث كان له جناح خاص تجده فيه يقدم التمر والقهوة العربية بنفسه، وقد شاهدت ذلك شخصياً عند زيارتي للمعرض في إحدى المناسبات، وهذا يعكس اعتزازه بوطنه، وبأمته العربية والإسلامية.
أضافة إلى أن داره تصدر مجلة دورية متخصصة في مجال الكتاب وعلم المكتبات؟، وأخيراً توجه إلى ترجمة الكتب المتعلقة بالعالم العربي والإسلامي من لغاتها الأصلية إلى العربية، وهو توجه حضاري تفتقر إليه المكتبة العربية والإسلامية، هذا مع توجهه السابق في ترجمة الكتب العلمية.
وتتبع دار النشر الخاصة به التي يقيم جل وقته من أجلها في مدينة ((القاهرة)) عدد من المكتبات أذكر منها اثنتين إحداهما بالرياض، والأخرى بجدة، ولا استبعد أن له مكتبة بالقاهرة حيث يقيم فيها إقامة شبه دائمة مما اضطره إلى الزواج منها، والسكنى فيها، وهو بدوره الثقافي يمثل دور السفير، أو القنصل الثقافي والأدبي للمملكة في القاهرة حيث يستقبل أدباءها ومثقفيها، ويحتفي بهم أثناء وجودهم بالقاهرة، ولا تستغربوا إذا قلت لكم إنني لم ألتق به منذ عشرين عاماًً رغم الصداقة العميقة التي تربطنا، وإذا زار الرياض لأيام فإنه لايرفع حتى سماعة الهاتف، حيث يستأثر بوقته صديقه الحميم (محمد القشعمي) ـ ابو يعرب ـ وفي القاهرة أيضاً، أما بالنسبة لي فليس لي إلا ما يكتبه في (الجزيرة)، أو ملحقها الجميل (المجلة الثقافية)، كما أتصيَّد أخباره من هنا وهنالك، والأمر لله من قبل ومن بعد، وهو المستعان.
واعتذر منه لأني جعلت موضوعه عني (مدخلاً) لهذا الكتاب دون استئذانه !!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :486  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل