شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد المجيد بن عبد العزيز الأمير الأسعد
سعيد المسلم من يطوف حول ((البيت العتيق)) ويصلي ركعتين في مقام ((إبراهيم)) عليه السلام، حيث الكعبة المشرفة، أول بيت أقيم على الأرض بعد خلقها، ويهرول في ((المسعى)).
وسعيد المسلم الذي يزور مسجد سيد الأولين والآخرين، مسك ختام الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة، وأفضل التسليم، من جاء برسالة الهدى والعلم والإيمان والحضارة، في ((المدينة المنورة)) حيث أقيمت أول دولة إسلامية في التاريخ تركت أثرها وتأثيرها على كل أرجاء المعمورة بتعاليمها العادلة، وحضارتها الباهرة.
وأسعد منهما المسلم الذي أراد له الله، ثم ثقة ولاة الأمر أن يكون أميراً لهاتين المدينتين المقدستين، واحدة بعد الأخرى، إنه منصب يغبطه ـ لا يحسده ـ عليه أي مسلم من أكثر من مليار مسلم يتوجهون بصلاتهم إلى ((الكعبة)) خمس مرات ف ياليوم غير ((النوافل)).
هذا الأمير المسلم (( الأسعد )) هو (عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود) الذي تولَّى (( إمارة المدينة )) لعدة سنوات ينام على رؤية ومشهد مسجد الرسول الكريم عليه الصلاة، وأتم التسليم بأنواره الروحانية التي تملأ القلوب بهجة وطمأنينة، واستقراراً نفسياً، ويصحو فجراً على صوت مآذنه المرتفعة بالأذان الداعي إلى الصلاة في جلال للقاء خالق الخلق.
ثم يُنقل ليتولى إمارة منطقة (( مكة المكرمة )) حيث يشرف على خدمة، وراحة الحجاج، والمعتمرين بالملايين، مع توفير الأمن والأمان لهم الذي عُرفت به بلادنا في عالم مضطرب، منفلت، انفرطت فيه آليات عقله، فتضاربت المصالح الاجتماعية، وتناطحت النزوات الفردية، وأحتربت الصراعات النفعية المادية، والفكرية، ولم تستطع قوانينهم الوضعية المحدودة القاصرة ضبط الأمور، وربط عقال الانفلات، والتفلت، والانفراط، كل ذلك لغياب (( الإيمان )).. لهذا قال الشاعر الباكستاني المسلم (( محمد إقبال )):
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ
ولا دينا لمن لا يحيي دِيْناً
والأمير (عبد المجيد بن عبد العزيز) إلى جانب ذلك يسعد بغسل (( الكعبة المشرفة )) سنوياً نيابة عن (( خادم الحرمين الشريفين )) .
بدأت معرفتي بسموه منذ أكثر من عقدين من الزمن، حين كان أميراً على منطقة (( تبوك )) حيث زرتها بصفتي رئيساًَ لتحرير مجلة ((الفيصل)) يرافقني مصوِّر المجلة، لنشر استطلاعات عن مدن المنطقة، ومعالمها، وآثارها القديمة، والحديثة.
مكثنا في ضيافته أسبوعاً، ساعدنا في كل ما نحتاجه لنجاح مهمتنا من مرافقين على علم بمواقع المعالم والآثار، وتزويدنا بالسيارات المناسبة للسير على الرمال الكثيفة، والصخور الصلبة المرتفعة إلى حد ما!!
كنا نغدو صباحاً، فلا نعود إلا عندما تعانق الشمس أفقها، زادنا الماء والتمر، نعود بحصيلتنا من المعلومات، وأفلام الـ (( SLIDES )).. وحين نصل إلى فندقنا نجد مرسول سموه في إنتظارنا، فنذهب إلى مجلسه العامر برؤساء الدوائر الحكومية، وأدباء، ومثقفي، وشعراء تبوك الذين يمثِّلون الشعر الفصيح، والشعر العامي، وغيرهم من ضيوف سموه، وزائري المنطقة، لأن مجلسه كان صالوناً طويلاً يتسع للعشرات، خيمة تنقلك بجوِّها وشكلها، ونقوشها الجميلة، مع احتساء القهوة العربية كرمز تاريخي للضيافة العربية الأصيلة، إلى جانب الشاي، تنقلك إلى حياة البساطة والأصالة العربية.
كل هذه المفردات تنقلك إلى الصحراء، ورحلات ((المقناص))، بعطرها، وتزينها أحاديث سموه الشائقة في مختلف الموضوعات، والقضايا الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، ومشاريع التنمية التي يرعاها، ويتابعها بنفسه!!
وهو في حديثه وحواره، لا يتفرَّد به، بل يحرص أن يشاركه القادرون على الحديث والحوار الذي لا يقطعه إلا عند سماع، ومشاهدة آخر أخبار العالم من التلفاز، أو حين يدعو الجميع لتناول طعام العشاء حيث يستمر الحوار، ويتجدَّد.
لمست عشقه لمنطقة تبوك، وحرصه على مواكبتها لمناطق المملكة التي سبقتها، هذا ما أحسستُ به وهو يعرض عليَّ صورة في برواز طلب إحضارها تعكس بعض الجبال وسفوحها مغطاة بالثلج، وحين سألني أين يمكن مشاهدة منظر هذه الصورة؟ فرددتُ على الفور حسب علمي: في جبال سويسرا شتاءً فابتسم، وقال: بل في تبوك!! فطلبتُ منه إخراجها من البرواز لتصويرها ونشرها في المجلة، فوافق بكل رحابة صدر، وفعلاً تم نشرها في أحد أعداد المجلة ـ الغلاف الأول الداخلي بالألوان ـ.
وشجَّعني حديث سموه عن تبوك ومشاريعها القائمة، والمستقبلية أن أطلب من سموه التفضل بالسماح لي لإجراء حديث مطول معه لنشره في إحدى صحفنا اليومية، لأن مثل هذه الأحاديث ليست من اهتمامات المجلة، فوافق، ونُشر الحديث في صفحة كاملة في جريدة (( عكاظ )) لكن للأسف تم النشر دون اسمي، فربما أن سموه يحتفظ به.
وحين عدتُ إلى الرياض عملتُ لسموه ((ألبوماً)) بكل الصور التي ألتقطها مصوِّر المجلة، ونشرنا استطلاعاً موسعاً شاملاً بالألوان عن مدينة ((تبوك)) في باب المجلة الدائم ((مدينة.. وتاريخ)).. وفي الوقت الذي كنتُ أعد استطلاعاً عن مدينة تاريخية أخرى حدثت بعض المتغيرات التي أجَّلت نشر الاستطلاع، وأخيراً تركتُ العمل في المجلة.
لنعد إلى عودتي من تبوك إلى الرياض، لقد شعرتُ أنني عدتُ بكنز ثمين، هو معرفة إنسان نبيل كريم متواضع بكل أبعاد معاني هذه الصفات، وهذا ليس بغريب عليه لأنه نشأ، وترعرع في مدرسة المؤسس لهذه الكيان الغالي على كل مواطن يعيش على ترابه، هذا المؤسس هو (( الملك عبد العزيز )) تغمده الله بواسع رحمته، مدرسة القِيمَ الأخلاقية العربية الإسلامية الرفيعة، والإنسانية الراقية.
وقد تعزَّزت هذه المعرفة، وتوطَّدت حين عُيِّن أميراً لمنطقة ((المدينة المنورة)).. أثناءها طلبت مني الأسرة بكل أفرادها قضاء الإجازة بالمدينة، فأخذتهم بسيارتي ((اليابانية)) المتواضعة، وحين وصلنا إلى مفرق (عنيزة ـ حائل ـ المدينة) انفجر ((موتور)) السيارة، وتصاعد الدخان، فأوقفناها ونزلنا منها جميعاً بسلام.
وصادف مرور (( سيارة نجدة )) فساعدنا من فيها على تطفئة الحريق الذي شب في ((الموتور))، وسحبنا السيارة بعيداً عن الشارع، وكان رجال النجدة كراماً بحق، وإسماً على مسمى ((نجدة)) حقيقي، لم يكتفوا بذلك بل اتصلوا بالهاتف الخاص بهم قبل أن يُعرف ((الجوَّال)) طالبين سيارة أجرة أقلَّتنا بعفشنا إلى أحد أكبر فنادق مدينة ((عنيزة)) التي كانت تبعد عن مكان الحادث بعشرين كم، وكان الوقت الساعة (12) منتصف الليل.
جلسنا في بهو الفندق نتبادل الحديث عن الحل المناسب للخروج من المأزق، فاقترحت أم الأولاد بعفوية النساء أن اتصل بسمو الأمير عبد المجيد على أساس معرفتي به منذ أن كان أميراً على تبوك.
رَدَدْتُ عليها: لقد مضت على هذه المعرفة سنوات، والأمراء يعرفون في اليوم عشرات الناس، فهل يفترض فيهم عدم النسيان الذي يعد من طبيعة البشر، هذا إلى جانب مسؤولياتهم الكبيرة، وأهم من هذا كله أن الوقت متأخِّر جداً، فربما كان ممن ينام مبكِّراً، ويصحو مبكِّراً، عكس حياتنا نحن العاملين في الصحافة، ومهنة الكتابة والمتاعب!!
لكنها كانت متفائلة فقالت: جرِّب، وإذا لم تفلح سنفكِّر في حلٍ آخر.. قلت لها: الحل هو أن نأخذ سيارة أجرة، ونذهب إلى المدينة المنورة، ردَّت بأنها متفائلة، ولأن قلب المؤمن دليله، فلا يستبعد أن يكون تفاؤلها وجيهاً.
وعلى الفور، وقبل أن يمضي الوقت أتصلتُ بمنزل سموه، وفي أعماقي يسكن الخجل، وأحاسيسي مكبلة بالتردد، وكانت المفاجأة أن رد سموه، فأعتذرتُ له لإتصالي المتأخَّر، فلم يبد لي أي أنزعاج، بل رحَّب بسماع صوتي بعد مغادرتي تبوك، فأعتذرتُ مرة أخرى لعدم التواصل، والتقصير من جانبي، ولكي لا أطيل على سموه في الحديث أخبرته باختصار بما حدث فنصحني أن أخذ سيارة أجرة، والتحرك في الوقت نفسه لأن الطريق إلى المدينة نهاراً مزدحمة بالسيارات، ثم أردف عد نفسك وعائلتك ضيوفي طوال إقامتكم في المدينة، وسأكلِّم شخصاً للحجز لكم في الفندق، والاتصال بك بعد نصف ساعة ليعلمك باسم الفندق، فشكرتُ لسموه أريحيته، وانتهت المكالمة الهاتفية، لكن الشعور بالخجل ظل مسيطراً على أعماقي.
وعُدتُ إلى العائلة لأخبرهم بنتيجة المكالمة، فانفرجت أسارير أم الأولاد، كأنها تود أن تقول لي إن النساء لا يقللن عن الرجال في تفكيرهن، وأحساسهن (التلباثي)، وأن التفاؤل دائماً هو المفتاح السحري لحل المشاكل بينما التشاؤم مرض يغلق كل الأبواب أمام الناس، ويعمي أبصارهم، وبصائرهم!!!
حين كنا نتناول طعام العشاء، إذا بعامل استقبال الفندق يناديني لعلمه بانتظاري لهذه المكالمة، فرددتُ ليأتيني صوت الأخ (محمد الطيَّار) مدير مكتب سموه الذي سبق أن عرفته من ((تبوك))، فرحَّب بي، وذكر لي اسم الفندق الذي حجز لنا فيه، فشكرته.
وفوراً تحرَّكنا على سيارة أجرة فوصلنا الفندق بعد الفجر فصلَّينا، وخلدنا إلى النوم، بعد المغرب اتصلتُ بسموه، لأكرِّر شكري الصادق معتذراً عن عدم تمكني من زيارته ليلتها لتعب الرحلة، فسألني من أين أتحدث؟ قلتُ له من الفندق، سألني أي فندق؟ وحين سميت له اسم الفندق سأل من حَجَزَ لك في هذا الفندق؟ أحسست من سؤاله عن عدم رضاه عن الفندق، فلم أقل غير أنني وجدت اسمي مسجَّلاً في هذا الفندق حتى لا أحرج الذي قام بعملية الحجز، فاعترض سموه، وقال: اترك هذا الفندق فوراً، وبعد دقائق سيأتيك مندوب فندق سمَّاه لي، فشكرتُ سموه، لأن الفندق فعلاً غير مناسب، وكل شيء فيه قديم، حتى أثاثه تفوح منه رائحة سكانه من زائري المدينة البسطاء، والصراصير تقيم في حمَّاماته ومطبخه ملعباً لكرة القدم، وكنَّا نفكَّر في الانتقال منه!!
وحين جاء مندوب الفندق الآخر كان مظهره من بدلته الأنيقة تدل على مستوى الفندق، وأنه من الفنادق الكبيرة الجديدة في المدينة، وقد أحضر مندوب الفندق معه عاملين يرتديان زياً، ولوناً واحداً فتأكد لي مستوى الفندق العالي الفخم، وقد حمل العاملون عفشنا بأيديهم لقرب الفندق الجديد، وسرنا خلف المندوب، وحين دلفنا الفندق وجدتُ الفارق الكبير بحيث تستحيل المقارنة بينهما، فهل يعقل أن يقارن الإنسان بين الثرى، والثريا؟ إذا حدثت هذه المقارنة فإنها ستكون أكبر إهانة توجه للثريا!!
صعدنا إلى الدور السابع، أو العاشر ـ لا أذكر ـ قال لي مندوب الفندق بكل أدب ((بروتوكولي)) مراسيمي: إن الأمير طلب منا أن نخيِّرك بين ((سويت مَلَكي)) أو ((سويتين)) فخمين، مستقلين عن الفندق تمام الاستقلال، أحدهما لك ولعائلتك، والآخر لاستقبال ضيوفك من الأدباء، فأيهما تختار؟ فأخترت الأخيرين، وحين دخلتهما شعرتُ أنني وُفِّقتُ في الاختيار.
ولكن، آه من لكن، لكم أن تتصوروا مشاعري الضعيفة أمام حفاوة، وكرم، ونبل هذا الأمير الفاضل، إنني لن أنسى له هذه الضيافة الرفيعة ما حييت إنه لم يأسرني فحسب، بل أمتلك حبي وتقديري، شعرتُ وقتها أنني أمام قامة رفيعة متألِّقة، متلألئة لا تطال، وأنني مجرد سائح أمام إنسان أسطوري لا تراه إلا في أحلامك الرائعة الجميلة، فقلتُ في نفسي (( بخٍ بخٍ يا ابن عبد العزيز، وحفيد الأجاويد )) .
ومكثنا شهراً كاملاً كنتُ حريصاً خلالها على زيارته مساءً ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع حيث يلتقي بضيوفه، وزائريه، وكان مخصِّصاً إحدى الأمسيات للقاء بالعلماء أسبوعياً تتخللها ندوة، أو محاضرة، وهي من الأمسيات التي أحرص على حضورها.
وقد طلب إليَّ ولداي الصغيرين يومها (صافي، وطه) الذهاب معي لرغبتهما الصادقة في مشاهدة أحد أبناء عبد العزيز الذي درسوا عنه وعن بطولاته في مدرستهما، أحسستُ بإحساسهما، وأن مشاهدة الأمير والسلام عليه سوف تكون تاريخية بالنسبة لهما، كأنهما شاهدا وسلما على الملك عبد العزيز نفسه، فعرضتُ الموضوع على سموه فرحَّب بهما، وليلة أخذتهما معي كانا في قمة السعادة، وارتديا أحسن ملابسهما، وازدادت سعادتهما عندما وجدا عناية ورعاية ومودة من سموه.
لم تكن الدنيا تسعهما من الفرح والاعتزاز، وهما يرويان لأمهما انطباعاتهما عن سموه، ولطف معاملته لهما، ولم تبرح مخيلتهما هذه الزيارة التاريخية حتى بعد أن شبَّا عن الطوق، ولا أشك أنهما فاخرا بهذا اللقاء أمام زملائهما في المدرسة.
كنتُ وما أزال أكثر سعادة، واعتزازاً بمعرفة سمو الأمير النبيل (عبد المجيد بن عبد العزيز)، داعياً الله له كل التوفيق، والنجاح لتحقيق طموحاته الكبيرة للرقي بمستوى منطقة ((مكة المكرمة)) إلى المكانة اللائقة بها، وخدمة الحجيج المسلمين الذين يتزايدون سنوياً، مع توفير الراحة لهم لأداء فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :480  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.