شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خالد الفيصل.. الرجل الأصعب!! (2)
رجل في قامة الصديق العزيز الأمير خالد الفيصل، وما تشكِّله شخصيته من معالم، وقدرات، وميزات، وتفردات، وصناعة أولويات، مع العيش معه، وفي كنفه، في مختلف الظروف، وتباين الحالات النفسية لمدة ستة عشر عاماً، تحتاج إلى كتاب مستقل، ولم أبالغ حين قلتُ في الموضوع السابق إن الحديث عنه، إنساناً، وتعاملاً، وثقافة، وحُكْماً، وإدارة، وتنمية، وسياحة، وطموحاً، وشاعراً، ورسَّاماً، وخُلُقاً، أطول من نهر النيل الذي يعد أطول أنهار العالم!!
أذكر مرة أن الصحافي العربي المصري المعروف (( محمد جلال كشك )) كان يعمل في مجلة (الحوادث) وصاحب أبرز كتاب ألَّفه بعنوان (السعوديون والحل الإسلامي)، وقد سبق أن تعرَّفتُ عليه مع صاحب، ورئيس تحرير مجلة (الحوادث) اللبنانية الأسبوعية (سليم اللوزي) الذي مات اغتيالاً فيما بعد، تعرفتُ عليهما بمناسبة زيارتهما للمملكة في عهد الملك (فيصل بن عبد العزيز).
وقد أجريتُ لقاء مع كل واحد منهما سوف أنشرهما في أحد كتبي القادمة، إذا مدَّ الله في أعمارنا، وكان لقائي بهما في أحد فنادق الرياض حيث كانا على موعد في اليوم التالي لمقابلة (الملك فيصل).
بعد هذا اللقاء حين ذهبتُ إلى بيروت حيث كان يقيم قمت بزيارة الأخ (محمد كشك) على عنوانه الذي أعطانيه في الرياض، وهو عبارة عن شقة في إحدى العمارات بحي (الطريق الجديدة)، فوجدتُ الشقة التي أعتقد أنه كان يسكنها منفرداً، وجدتها تمثِّل ((إرشيفاً)) لقصاصات الصحف والمجلات التي يحتفظ بها في ملفات (إضبارات) مصنَّفة في دواليب، للروجوع إليها عند الحاجة لإثراء معلومات إستطلاعاته، وتحقيقاته التي كان ينشرها، فتوطَّدت الصداقة بيننا من منطلق روحه المصرية ((العِشَرِيَة)).
وبعد مرور سنوات على هذا اللقاء، وبعد استشهاد الملك فيصل، كنتُ وقتها رئيساً لتحرير مجلة (الفيصل) التي كانت ملكاً للأمير خالد الفيصل شخصياً قبل أن يتنازل عن ملكيتها، وكل مدخراتها لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الذي يرأس مجلس إدارته سمو الأمير (تركي الفيصل بن عبد العزيز) سفير المملكة فوق العادة حالياً لدى بريطانيا وأمينه العام الصديق الدكتور (يحيى بن جنيد).
قلتُ بعد مرور سنوات على لقائي الثاني بالأخ (كشك) كلَّمني من خلال الهاتف أنه قدم الرياض لعمل صحافي لم يوضحه لي، وطلب مني بحكم علاقتي بالصديق العزيز الأمير (خالد الفيصل) طلب أخذ موعد لزيارة سموه مساء ذلك اليوم نفسه، لأنه سيغادر الرياض غداً، وأكَّد طلبه بحرصه الشديد على مقابلة سموه لما سمعه عنه.
وحين طلبتُ الأمير (خالد الفيصل) هاتفياً في منزله عرفتُ من مأمور ((السنترال)) أن سموه سيتناول طعام العشاء في منزل والده.
ولأنني أعرف أنه إذا قرر تناول طعام العشاء في منزل والده إنما لحرصه على زيارة أخواته، والأهل الموجودين في قصر والده، ومعرفة أحوالهم، والجلوس معهن بعضاً من الوقت، وهذه صورة من صور البِّر التي أعتاد عليها لتعميق الصلة في كل زيارة له للرياض، وهذا يتبعه مع كل أخوانه الذين يأتون لزيارته.
وحين كانت والدته تغمدها الله بواسع رحمته حية تُرزق، كان يخصها بأول زيارة حين يأتي إلى الرياض بحيث يتوجه مباشرة من المطار إلى منزلها، والاطمئنان عليها، وعلى صحتها، والجلوس معها بضع ساعات قبل أن يذهب إلى منزله، وهذه صورة عظيمة من صور بر الوالدين، والبر في عمومه الذي يتمثَّل في خالد الفيصل لجميع أهله، وأقربائه، هذا غير المكالمات الهاتفية معهم حين يكون في (أبها).
ولحرص الأخ (كشك) على مقابلة سموه في المساء نفسه، أخبرته بواقع الأمر، لكن قلتُ في نفسي ((ما على الرسول إلا البلاغ)) فلم أزرع اليأس في نفسه، وأخبرته باستعدادي لمحاولة تحقيق رغبته بعد عودة سموه إلى منزله.
وفي الساعة السابعة مساء أتصلت بسموه على منزل والده بادئاً بالتعريف بمكانة الأخ (كشك) الصحافية الإعلامية العربية، لكنه لم يجعلني أستطرد في التعريف قائلاً: أعرفه جيداً من خلال كل كتاباته، هو وزميله (اللوزي) في مجلة (الحوادث)، وهذه واحدة من مزايا سموه كمتابع للصحف المحلية والعربية، ليس كلها وإنما المهم منها، ومجلة (الحوادث) كانت أيامها تحتل موقع ((الصدارة)) بين المجلات العربية، فسألت سموه: إذن، أنت موافق على اللقاء به؟ رد: نعم، سألته مرة أخرى: وفي منزلك، بعد خروجك من منزل الوالد؟ رَدَّ: بل في منزل الوالد!! قلتُ له: لكن أعرف، فقطع كلامي وهو يضحك قائلاً: أعرف ما تود أن تقوله!! دعك، مما تعرف، وأحضره معك لتناول طعام العشاء في منزل الوالد، ولمعرفتي بسموه قلتُ في نفسي: لا أستبعد أن سموه يريد أن يوجِّه ((رسالة)) للأخ (كشك)، زاعماً داخل نفسي معرفة سموه جيداً.
وبعد اتصالي بالأخ (كشك) لإخباره بموافقة سموه، وترحيبه بالزيارة، مررتُ عليه في الفندق الذي ينزل به، واتجهنا إلى منزل (الملك فيصل)، فاستقبله سموه بترحاب، وبعد دقائق حان موعد طعام العشاء، فدعانا سموه إلى صالة الطعام، وتحدثاً بما تميله المناسبة، والفترة الزمنية، ثم عُدنا إلى صالة الجلوس لشرب القهوة العربي، والشاي، وكان الأخ (كشك) يستعرض ببصره ما حوله من أثاث وحيطان، وما فوقه من سقف، وما تحته من فرش، كأنه يبحث عن شيء أضاعه!! ثم سأل الأمير: أهذا هو منزل الوالد كما عرفتُ من الأخ علوي؟
رد سموه: نعم، هذا هو منزل الوالد كما تراه، والذي قال عنه (هيكل) إنه مطلٍ بالذهب!!
قلتُ في نفسي هذه هي (( الرسالة )) التي يريد سموه أن يوصلها للأخ (كشك)، وبأسلوبه الحضاري الرفيع الذي أعتاد عليه في توصيل ما يريد توصيله للآخرين، وفي الوقت المناسب!!
ويبدو أن الأخ (كشك) شعر بالحرج، أو الخجل من أساليب بعض الكُتَّاب الصحافيين العرب، الذين يدَّعون في كتاباتهم أنهم ينقلون الحقائق، ويتحلون بالمصداقية، وأنهم بحكم قربهم، وموقعهم من الحكم في بلادهم، قادرون على الكذب على الشعوب بتزييف الحقائق!! وهي مرحلة مرَّت بها كل وسائل الإعلام العربية، المرئية منها، والمقروءة، والمسموعة!! كانت ضحيتها الشعوب العربية، والتنمية، والتقدم في الأقطار العربية، وتوسع رقعة الاحتلال الإسرائيلي!!
ففي الوقت الذي كانت هذه الوسائل تعلن للشعوب العربية، أن الجيوش العربية دخلت (تل أبيب)، تتكشَّف هذه الجيوش عن هزيمة نكراء!! وأن العدو الإسرائيلي تمكَّن من احتلال الجولان والضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف!!
في طريقنا إلى الفندق تحدَّث إليَّّ الأخ (كشك) عن إنطباعاته إثر الزيارة فقال: سبحان الخالق، لو لم أكن متأكِّداً أن الملك فيصل قد انتقل إلى رحمة الله، لقلتُ إنني الليلة كنت معه في شبابه، الأسلوب هو أسلوب الفيصل في حديثه، واختيار عباراته المناسبة، في الوقت المناسب، حتى في نبرات صوته يشبه والده الفيصل!! فإذا كان الملك فيصل قد رحل عن دنيانا شهيداً، فقد خلَّف من ورائه أبناء كالأمير خالد الفيصل يشبهونه في الشكل، والمضمون، لقد ذكَّرني الليلة الأمير خالد الفيصل بكل ما عرفته معرفة شخصية عن الملك الراحل تغمده الله بواسع رحمته، وأنت يا أخ علوي محظوظ بالعمل مع هذا الأمير النبيل، شكرته على مشاعره قائلاً له: أنت لم تجلس معه إلا ساعات، وما لم تعرفه عنه أعظم، وأنبل، وأكرم، ثم ودَّعته، وكان آخر لقاء معه حيث انتقل بعد ذلك إلى رحمة الله.
ولأن تنمية ((منطقة عسير)) بعامة، وحاضرتها مدينة ((أبها)) بخاصة كانت تشغل كل تفكيره، وجهوده، وطموحاته، أرضاً وبشراً، وقد عايشتُ بعضاً منها، وروى لي هو بعضها الآخر، فانني سأحاول إيراد ما أرى أهمية إيراده للحق والحقيقة.
روى لي قصة ذلك المواطن الذي جاء إلى سموه ليخبره بوجود قرية، أو جماعة من المواطنين يعيشون حياة (( القرون الوسطى )) في حالة تخلف، مقطوعي الصلة عن من وما حولهم، إذ لا توجد أي طريق توصل إليهم، أو تجعلهم يتصلون بغيرهم!! باختصار قال المواطن أشياء خطيرة، وبجرأة مما أثار حماسة الأمير لأنه لم يصدِّق بعض ما سمع فتحرَّك على طائرة (هليوكابتر)، ووضع فيها بعض الأرزاق، وأتجه بنفسه إلى هذه القرية المعزولة على الجبال، فشاهد من خلال الطائرة التي كما أتذكر لم تتمكن من الهبوط للوعورة والصعوبة مما أضطرهم إلى رمي الأرزاق من على الطائرة، وعاد حزيناً مكتئباً!!
كان همه أن ينقل هذه القرية وأهلها نُقلة تُروى كالأساطير، فبدأ بفتح خط بري لتحقيق عملية الاتصال في زمن قياسي، وحين تم الاتصال بالمواطنين في هذه القرية حرص على تغيير معيشتهم، وأخذ شبابها كعمالة للمشاركة بأنفسهم في تمهيد الطريق، وفي تزفيتها (سفلتتها) مع الشركة الاختصاصية، وأخذ أجورهم مثلهم كمثل غيرهم من عمال الشركة، فأنقذهم من البطالة، وجعلهم بعملهم اكتساب دخل خاص بهم، وبكل اختصار شديد، فُتحت المدارس، وتغيَّرت ألوان أطعمتهم، وأشكال مبانيهم، وفي فترة زمنية، تغيَّر شكل القرية، ودخلت وسائل العصر إليها من خدمات، وأصبح أهلها يعيشون حياة العصر، معيشةً، ومعاشاً، وصحةً، وكهرباءً، وماءً، وتعليماً وعملاً، وتعاملاً مع غيرهم في بقية مدن وقرى المنطقة!!
لم تكن مهمته في عملية التنمية الشاملة سهلة، ومفروشة بالورود، والرياحين، كان يحفر الجبال ليصنع الأنفاق إيجاداً لطرق الاتصال، ووسائل المواصلات، ويهد الجبال لإقامة الأحياء الجديدة بمساكن، و ((فلل)) على آخر الطرُز الحديثة، وهو في القيام بدوره التنموي لا يكتفي بالتخطيط، وتمويل المشروعات، وهو جالس خلف مكتبه، بل كان يقوم بزيارات ميدانية متتالية للإشراف بنفسه على سير المشروعات، وتحقيقها في الفترات الزمنية المحددة لها دون تأخير، ومحاسبة المقصِّر، والمتقاعس حسب العقود والأنظمة!!
ونأتي إلى موضوع (( الدائري )) الذي يطوِّق مدينة ((أبها)) والذي يعدُّه المواطن اليوم من معالم المدينة، وأنه مثير للبهجة بأضوائه الساطعة ليلاً، هذا الدائري الذي يبهر من يزور أبها، له قصة سمعتُها من سموه لا أرى ما يدعو لإيرادها، لكن ما يجب أن يقال عنه بعد أن سمعتُ القصة من سموه شخصياً أنه لو تم إنشاء الدائري كما خطَّطه له لجاء أروع مما هو عليه الآن، لكن ظروفاً قاهرة تدخَّلت لتقلب المعايير، فتخرج به عن المخطَّط الذي أعدَّه سموه بنفسه، فتم تنفيذه مخالفاً لما خُطِّطَ له، في الوقت الذي لم يكن بيد سموه القدرة على تصحيح ما حدث من خطأ!! ولهذا بقيت قصة ((الدائري)) غصة في حلق سموه، لا يزيلها إلا مرور الزمن، والنسيان الاضطراري!!!
بالنسبة للبيئة، وقبل أن تنشأ (( هيئة حماية البيئة الفطرية )) بسنوات، كان قد أصدر أمراً مُلزماً بمنع قطع الأشجار ـ كما أذكر من القصة التي سمعتها من سموه ـ، وعمَّم أمره إلى جميع الجهات المختصة لإبلاغ كل المزارعيين للتنفيذ، وفي إحدى العصاري ذهب مع مرافقيه إلى إحدى الغابات للتنزه، وبعد أن افترشوا مكاناً للجلوس، خلع مشلحه، وعقاله، وغترته، وطاقيته، وذهب منفرداً للتجوال بين الأشجار. وأثناء سيره سمع صوتاً غريباً اتجه نحوه ليفاجأ بأن أحد المزارعين يقوم بتقطيع الأشجار، فأقترب منه، وقال له: ألم تعلم أن الأمير أصدر أمراً بمنع قطع الأشجار؟ فرد عليه المزارع دون أن يعرف أن الذي يكلِّمه هو الأمير نفسه قائلاً: مالي ولأمر الأمير، فهذه أرضي، وأنا حر في التصرف فيها، وعمل ما أريد!! ثم صمت المزارع مستمراً في قطع الأشجار!!
تركه الأمير عائداً إلى مرافقيه ثم أرسل اثنين من (أخوياه) لإحضار المزارع الذي ما أن حضر، وعرف أن الذي كان يكلِّمه قبل دقائق هو الأمير نفسه، حتى شعر بفداحة تصرفه، وأرتعدت فرائصه خوفاً، معتذراً بأنه لن يعود إلى فعلته، معلِّلاً ذلك بأنه لم يعلم بالأمر، ولم يبلَّغ به، فرثى الأمير لحاله، وصدَّق عذره، متوعِّداً بعقابه إذا عاد لفعلته، مع أمره بإبلاغ جماعته بهذا الأمر، بعد أن شرح له مصلحة المنطقة في المحافظة على شجرها، لأنه لو قام كل واحد بقطع أشجار البيئة لتحوَّلت المنطقة إلى أرض جرداء، لا جمال فيها، وهذا لن يتحقق إلا بتعاون الجميع صغيرهم وكبيرهم، لأن الوطن وبيئته ملك عام للجميع، ومن يسيء إلى وطنه بأي شكل من الأشكال، وفي أي صورة من الصور، هو مواطن غير صالح، والمواطن غير الصالح هو عدو، وعدو الوطن خائن له!!!
ومن القصص التي حدَّثني عنها أن قرية من القرى بعد مشاهدته لها رأى أنها تفتقر افتقاراً كاملاً إلى ((البنية التحتية))، وباستشارة جهة التخطيط عن المبلغ الذي تستحقه هذه القرية لإنشاء بنيتها التحتية، قدروا مبلغ (ثلاثة ملايين ريالاً) فوضع المبلغ ضمن الميزانية، وتم إعتمادها من قبل وزارة المالية التي أبلغت وزارة البلديات والشؤون القروية بالرياض حيث أبلغت رئيس بلدية القرية الذي لم يكن على علم بالمبلغ، وقبل أن يرجع إلى رئيس بلديات المنطقة في أبها الذي كان على علم بهذا المبلغ، تصرَّف من جانبه بإرسال برقية مباشرة منه إلى الوزارة بأن القرية لا تحتاج إلى هذا المبلغ فأشعرت الوزارة رئيس بلديات المنطقة بذلك، فقام بدوره بإشعار الأمير بما حدث!!
ورغم تأنيب الأمير لرئيس بلدية القرية على تصرفه الشخصي متجاوزاً رئيسه العام المباشر في أبها كما يقضي نظام التسلسل الإداري في تحديد المسؤولية، إلا أن هذا التأنيب لم يغيِّر شيئاً مما حدث بحيث حُرمت القرية من حقها في التنمية التي يرعاها، ويتابعها الأمير بنفسه في القرية، والمدينة على السواء، فأدَّى ذلك إلى التأخير لعام كامل، وربما لأكثر، وهو ما لا يرضي تطلعات الأمير، ولا يستجيب لطموحاته التنموية المتتالية، المتسارعة، للاستفادة من مرحلة ((الطَّفرة)) الاقتصادية، أو ((الوفرة المالية)) التي تمر بها المملكة.
وفي رأيي الشخصي أن أمثال تصرف رئيس بلدية القرية، وتصرف المسؤول عن ((الدائري)) لمدينة أبها السلبيين، في رأيي أن وصفه بالسلبية صفة قاصرة، وهما أقرب إلى الجريمة!! إن مثل هذه التصرفات لا تعيق مسيرة ((التنمية الشاملة)) لأي منطقة، أو لأي بلد من البلدان، فحسب، بل هي تصرفات تساعد على الإبقاء على ((التخلُّف)) بكل أبعاده، في عصر أصبحت فيه ((الدول المتخلفة)) دولاً تابعة لا متبوعة، وقد يقود تخلف أي بلد إلى فقدان مكانه المرموق على خارطة دول العالم، ومكانته في اتخاذ قراراته دون تدخل أي طرف خارجي، وقدرته الذاتية على المشاركة بندادة في القرارات العالمية!!
ومن أبرز أعماله التنموية ((بشرياً)) أنه جعل من ((أبها)) مدينة تحتضن الثقافة، والمثقَّفين، والفنَّانين، فقد أصبح (( احتفال أبها السياحي السنوي )) تظاهرة ثقافية، وتعليمية، وأدبية من خلال الاحتفال ((بجائزة أبها)) التي يموِّلها من جيبه الشخصي، يكرِّم فيها المواطن المثالي، والموظَّف المثالي، والإدارة المثالية، كما يكرِّم عدداً من الطلبة المتفوقين.
بدأت قيمة الجائزة بمليون ريال سعودي، ثم رفع المبلغ إلى مليون ونصف المليون، وأدخل عليها أنواعاً جديدة من الجوائز الأدبية والفنية التشكيلية، مثل ((جائزة الشعر الفصيح))، و ((جائزة الشعر العامي))، و ((جائزة أفضل لوحات تشكيلية))، و ((جائزة أفضل مجموعة قصص قصيرة)) لم يسبق طبعها، و ((جائزة أفضل بحث أو دراسة))، و ((جائزة أحسن نص مسرحي)) ـ كما أعتقد ـ وربما غيرها من الجوائز التي لا أتذكرها.
كما استنَّ سنَّة بتكريم بعض الشخصيات التي لها أثرها وتأثيرها، وتاريخها الطويل في الأدب، والصحافة، والإعلام، والتاريخ، وأذكر أسماء أربعة أشخاص من الزملاء الذين كرَّمهم، وهم الأصدقاء الأساتذة (عبد الله الجفري، ومشعل السديري، وعبد الله نور، وإبراهيم الناصر).. هذا إلى جانب معارض الكتاب.
ولن يفوتني أن أشير إلى إنشائه (قرية مفتاحة) للفنانين التشكيلين قبل أكثر من عشرين عاماً، بحيث يستطيع أن يقيم فيها الفنان الفترة الزمنية التي يريدها، ليتمكن من خلالها رسم لوحاته في هدوء، ومناخ جوي ساحر مناسب للإلهام، والاستيحاء، والإبداع!! والقرية فيها كل ما يتطلبه الفنَّان من إقامة مستقلة عن غيره من الفنانيين، ولها سوقها الخاص بها.
وفي إعتقادي، وحسب معرفتي المتواضعة فإن (( قرية مفتاحة )) للفن التشكيلي القريبة من مدينة أبها، وما تشتمل عليه من إمكانات، ومتطلبات تكاد تكون الوحيدة في (( الشرق الأوسط )) !!
وحين تتجوَّل في مدينة ((أبها)) حاضرة منطقة عسير تجد المجسَّمات المتنوعة تتناثر في شوارعها، وأغلبها إن لم يكن كلها مستمد من بيئة عسير، كما تشاهد بعض اللوحات الفنية التشكيلية على عدد من حيطان المدينة!!
والأمير في تنميته يحرص أن تكون مستمدة من ((البيئة))، لإيمانه الراسخ أن التقليد، أو المحاكاة الحرفية هو نوع من انسلاخ الإنسان عن واقع بيئته المحلية، وتاريخه التليد، ويرى في الجمع بين التالد، والطريف، أو القديم بالجديد، يحقَّق عدم تنكر التنمية لماضي الإنسان، وتاريخه، وعدم انفصالها عن روح العصر، ومعطياته، وهي معادلة استطاع تحقيقها بكل جدارة، وبكل قدرة، واقتدار!!
وحين تزور مركز ((الإمارة)) في أبها تتجسَّد أمامك صورة جديرة بالتأمل، والتفكير في تطبيق، هذه المعادلة التي قد تبدو لك من الناحية النظرية، صعوبة تحويلها إلى واقع مشاهد، وملموس، ولا أستبعد وجود ما يشابهها في دوائر حكومية أخرى، لم أتمكَّن من زيارتها، ومشاهدتها.
وكان حريصاً على قيام ((جامعة)) مستقلة إدارياً، ومالياً بمختلف اختصاصاتها بحيث تُجمع الكليات التي كان بعضها يتبع جامعة، وبعضها يتبع جامعة أخرى في الرياض، وجدة، فولدت (جامعة الملك خالد) التي تعد أول جامعة تُنشأ في جنوب المملكة.
ومنذ كُنَّا نسعى لإصدار مجلة (الفيصل)، كان يحلم ساعياً لإنشاء مؤسسة صحافية في المنطقة تصدر جريدة يومية، تواكب العصر، وتنتشر ليس في المملكة، فحسب، بل في العالم العربي، وكان حلماً يبدو صعب التحقيق من حيث تمويل المؤسسة، وتوفير الإمكانات الطباعية الفنية، والمالية وتوفير الكفاءات البشرية لتحريرها، وبعد عقدين من زمن حلمه، أو تفكيره، أو أكثر من عقدين، نفاجأ بتحقيق كلما كان يحلم به، ويفكِّر فيه، بإنشاء المؤسسة بكل إمكاناتها الفنية، وصدور جريدة (الوطن) اليومية بكامل كفاءاتها البشرية، الوطنية من خلال طبعتين إحداهما محلية، والأخرى دولية!!
ولم يفته عالم (( الرياضة )) من منطلق الحكمة القائلة ((العقل السليم، في الجسم السليم)) فاعتنى بها من عدة جوانب، ومن أنواع الرياضات التي لم تعرفها المملكة في كل مدنها الكبيرة، والصغيرة، (( رياضة تسلق الجبال )) المعروفة في العالم، ورياضة الطيران الشراعي، إلى جانب غيرها من أنواع الرياضات التي أجهل أي معلومات عنها.
ومن أوائل ما أوجده (( العربة المعلقة )) التي تسير بواسطة الكهرباء (( التلفريك )) لنقل المواطنين، والسياح، والزائرين لمدينة أبها بايصالهم إلى صرود الجبال، والمتنزهات ومواقع الترفيه الواقعة على رؤوس الجبال. أكتفي بهذا لأقوال إن الأشياء الصعبة التي حققتها التنمية الشاملة في المنطقة، أرضاً وبشراً، كانت صعبة وتحتاج إلى (( رجل أصعب )) ، وكان هذا (( الرجل الأصعب )) هو الصديق العزيز الأمير خالد الفيصل، الذي جعل من عسير منطقة جذب مؤثِّر على خارطة السياحة في المملكة، فإذا كان مواطنو المملكة، وصحافتها تقول عن مدينة (( جدة )) (( إنها عروس البحر الأحمر )) ، فإنني أرى أن مدينة (( أبها )) هي (( لؤلؤة المملكة )) ، و (( قمر الجنوب )) !!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :489  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج