الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > جوابه عن أحوال الفتن في الأندلس

جوابه عن أحوال الفتن في الأندلس

6 ـ وأما ما سألتم عنه من أمر هذه الفتنة، وملابسة الناس بها، مع ما ظهر من تربص بعضهم: فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلامة، وهي فتنة سواء أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب، وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه أولها عن آخرها: محارب لله تعالى ورسوله وساع في الأرض بفساد؛ والذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال لمسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضارهم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها: ضاربون للمكوس ⁽¹⁾ والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام، معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله غرضهم فيها استدام نفاذ أمرهم ونهيهم؛ فلا تغالطوا أنفسكم، ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه [249/أ] اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم. فالمَخْلَص لنا فيها الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم جميعهم؛ فمن عجز منا عن ذلك رجوت أن تكون التَّقيَّة تَسَعُه، وما أدري كيف هذا، فلو اجتمع كل من ينكر هذا بقلبه لما غُلِبُوا؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ⁽²⁾. وجاء في بعض الأحاديث: ليس وراء ذلك من الإيمان شيء، أو كما قال عليه السلام، وجاء في الأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليعمنَّكُم الله بعذاب ⁽³⁾.. واعلموا رحمكم الله أنه لا عذاب أشد من الفتنة في الدين، قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [سورةالبقرة/191]، فأما الغرض الذي لا يسع أحداً فيه تقيةٌ ⁽⁴⁾، فأن لا يعين ظالماً بيده ولا بلسانه، ولا أن يزين له فعله ويصوِّب شرَّه، ويعاديهم بنيته ولسانه عند من يأمنه على نفسه.. فإن اضطر إلى دخول مجلس أحدهم لضرورة حاجة، أو لدفع مظلمة عن نفسه أو عن مسلم، أو لإظهار حق يرجو إظهاره، أو الانتصاف من ظالم آخر كما قال تعالى: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [سورة الأنعام/129]، أو لصداقة سالفة ـ فقد يصادق الإنسان المسلم اليهودي والنصراني لمعرفة تقدمت ـ أو لطلب يعانيه، أو لبعض ما شاء الله عز وجل: فلا يزين له شيئاً من أمره، ولا يعينه، ولا يمدحه على ما لا يجوز، وإن أمكنه وعظه فليعظه، وإلا فليقصد إلى ما له قصد غير مصوِّب له شيئاً من معاصيه؛ فإن فعل فهو مثله.. قال الله تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [سورة هود/113].. وفي هذا كفاية.

[1]	جاء في الحديث: لا يدخل الجنة صاحب مكس. صححه الحاكم وأقره الذهبي وليس كما زعما، فإن مداره على محمد بن إسحاق، وابن إسحاق هذا ليس على شرط مسلم، ومع ذلك لم يصرح بالتحديث وهو عندنا ضعيف وإن صرح، فازداد الحديث ضعفاً بعنعنته.
	والمكس: الضريبة التي يأخذها الماكس، وأصله الجباية.
	وانظر: ((الديانة)) لشيخنا الجليل أبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري. السفر الأول: المسألة العاشرة. ص (202).
[2]	صحيح: أخرجه مسلم (49) (78) في الإيمان: باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، ومن طريقه المصنف في (المحلى) (1/27) والبغوي في (التفسير) (1/399) وأخرجه أحمد (3/54) وابن حبان (306) (إحسان) وابن عبد البر في (التمهيد) (10/260) من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال قد تُرِكَ ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
	وأخرجه النسائي (8/11) والترمذي (2172) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به.
	قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
	وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (3/385) عن سفيان به.
	وتابع سفيان الثوري شعبة عن قيس بن مسلم به عند مسلم ـ ومن طريقه المصنف في (المحلى) (8/172) ـ، والطيالسي (2196)، وأحمد (3/20)، ومالك بن مِغْول عن قيس به عند النسائي (8/12)، والأعمش عن قيس به عند مسلم (49) (79) وأبي داود (1140 و 4340)، وابن ماجه (1275 و 4013) وأحمد (3/10)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/ ـ 258 ـ 259)، وابن حبان (307) (إحسان)، وأخرجه مسلم (49) (79) ومن طريقه المصنف في (المحلى) (9/361) وأخرجه أبو داود (1140) و (4340) وابن ماجه (1275 و 4013) وأحمد (3/10 و 52 ـ 53) والبيهقي (10/90)، وأبو يعلى في (المسند) (2/289 و 414) وابن عبد البر في (التمهيد) (10/258 ـ 259)، وابن حبان (307) (إحسان) من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه البخاري (913) في العيدين: باب الخروج إلى المصلى بغير منبر من طريق محمد بن جعفر أخبرني زيد عن عياض بن عبد الله بن أبي السرح عن أبي سعيد الخدري، وفيه أن المِنكر هو أبو سعيد، وليس فيه المرفوع.
[3]	أخرجه الترمذي (2169) والمزي في (تهذيب الكمال) (15/234) من طريق عبد العزيز ابن محمد، وأخرجه الترمذي عقبه وأحمد (5/388 ـ 389) والبغوي في (التفسير) (1/399) من طريق إسماعيل بن جعفر.
	وأخرجه أحمد (5/391) من طريق سليمان بن بلال. ثلاثتهم عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعون فلا يستجاب لكم وعند أحمد: أو ليبعثن عليكم قوماً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم.
	قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأقره العراقي في (تخريج الإحياء) (2/304).
	قلت: عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الدارمي: قلت ليحيى بن معين فعبد الجبار بن وهب الكوفي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري؟ فقال ما أعرفهم. (تاريخه: الترجمة 646).
	وقال الذهبي في (الميزان): له حديث منكر، وقال الحافظ في (التقريب): مقبول. وأخرجه ابن عدي في (الكامل) (5/46) عن حذيفة موقوفاً. وفيه عمرو بن عبد الغفار الفقيمي رافضي متهم. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني في (الأوسط) (3179) قال الهيثمي في (المجمع) (7/269): رواه الطبراني في الأوسط والبزار وفيه حبان بن علي وهو متروك وقد وثقه ابن معين في رواية وضعفه في غيرها.
	قلت: وضعَّفه العراقي في (تخريج الإحياء) ونسبه أيضاً إلى البزار من حديث عمر بن الخطاب. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عند الطبراني في (الأوسط) (1367).. وعند ابن أبي الدنيا في (العقوبات) (34) والشجري في (الأمالي) (2/257، 264) قال: الهيثمي في (المجمع): رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم.
	قلت: وفي الباب عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
	وأخرجه الطبري في (التفسير) (7/99) موقوفاً على أبي بكر الصديق رضي الله عنه حدثنا الربيع قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا سعيد بن سالم قال ثنا منصور بن دينار عن عبد الملك ابن ميسرة عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر المنبر، منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((يا أيها الناس إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها: ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [سورة المائدة/105] والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب)).
	قلت: هذا أقرب لفظ إلى لفظ المصنف، ومثله لا يقال بالرأي، ولكن فيه سعيد بن سالم هو القداح، ومنصور بن دينار، هو التميمي الضبي وهما ضعيفان وإن وثق الأول ابن معين، وقد جاء من طرقٍ أخرى عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر مرفوعاً بلفظٍ آخر انظر الطبري (7/98 و 99).. والصحيح من حديث أبي بكر هو ما أخرجه أبو داود (4338) وأبو بكر المروزي في (مسند أبي بكر) (86) من طريق هشيم وأبو داود أيضاً وابن ماجه (4005) وأبو بكر المروزي (88) من طريق خالد أبي أسامة، والترمذي (2168 و 3057) والبيهقي (10/91) وأبو بكر المروزي (88) من طريق يزيد بن هارون، وابن ماجه (4005) وأحمد (1/2) وأبو بكر المروزي (88) من طريق عبد الله بن نمير. وأحمد (1/5) من طريق زهير بن معاوية و (1/7) من طريق حماد بن أسامة.
	وأحمد (1/9) وأبو بكر المروزي (89) وابن حبان (1/540) (إحسان) وأبو يعلى (128) من طريق شعبة. وابن حبان أيضاً (1/539) (إحسان)، وأبو بكر المروزي (88) وابن أبي الدنيا في (العقوبات) (39) وأبو يعلى (132) من طريق جرير، والبغوي في (التفسير) (1/399) من طريق عبد العزيز بن مسلم المقسميلي، والحميدي (3) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، وأبو يعلى (130) من طريق عبيد الله بن عمرو، و (131) من طريق عمر بن علي.
	كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال قال أبو بكر الصديق بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [سورة المائدة / 105] وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب اللفظ لأبي داود وهو الذي من طريق خالد أبي أسامة والباقون بنحوه.
	قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
	قلت: وهو كما قال.
	انظر (الدر المنثور) (2/300 و 301 و 339 و 340 و 341).
[4]	قال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [سورة آل عمران / 28].
	قال ابن عباس: إنما التقية باللسان. وقال مرة: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان. قال ابن سعدي رحمه الله في ((تفسيره)) (1/239): وقوله: إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً أي: إلا أن تخافوا على أنفسكم في إبداء العداوة للكافرين، فلكم ـ في هذه الحال ـ الرخصة في المسألة والمهادنة، لا في التولي الذي هو محبة القلب، الذي تتبعه النصرة.