شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقابلات صحفية - 1 -
* أجريت مع سعادة الأستاذ علي أبو العلا الكثير من المقابلات الصحافية. وقد كان لنا نصيب الأسد منها فلقد أجريت معه عدة مقابلات منها هاتان المقابلتان:
* الأولى نشرت في صحيفة الندوة.
* الثانية نشرت في صحيفة المدينة المنورة ملحق الأربعاء. قالت عنوانيهما:
* الشاعر علي أبو العلا (الأربعاء):
* نستورد النقد.. لا نفهم النقد؟
* وكانت كالتالي:
ضيف اليوم شخصية عرفت عبر القنوات الأدبية فهو شاعر مطبوع. لا يتكلف في شعره. فهو شعور حقيقي صادق. نجد من بين قصائده شعر مديح وثناء. يقول عنه الأستاذ الأديب الكبير أحمد عطار: ولهذا لا يستطيع ناقد شعر علي أبو العلا إلا أن يوافقه على ما خلع على ممدوحه من البرود الموشاة بالنفيس الغالي.
هذا هو ضيفنا الأستاذ الشاعر الأديب علي أبو العلا. تقلب في عدد من الوظائف الحكومية آخرها وكيل مساعد لأمارة منطقة مكة المكرمة وله ديوان شعر ((سطور على اليم)).. ومن كتبه. من الزوايا وللتاريخ. قمنا بإجراء هذا الحديث الذي يدور حول بعض القضايا الأدبية المعاصرة. رغم أن شاعرنا رفض الإجابة عن بعض الأسئلة. لماذا؟
لا أعرف.. لكني اكتفيت بما حصلنا عليه من إجابات جيدة ومفيدة حيث بدا.
س: ما هي لغة الشعر التي يرددها دائماً نقاد الشعر وهل لكل شاعر لغته الخاصة؟
ج: / اللغة هي اللغة ومفرداتها هي مواد التعبير عن التجربة والغالب في اللغة العربية أنها شاعرة والمفروغ منه أن الكلمة تستمد قوتها فتصبح خلية حية أو تصبح مجرد قطعة جامدة والشاعر هنا في لغته هو الذي يضيف إليها من معاني الصياغة ومن هنا يتفاوت الشعراء ولذلك يقول النقاد إن المعاني مطروحة في الطريق والألفاظ موفورة في المعاجم لكن الشاعر الموهوب هو الذي يؤلف بينها تأليفاً ممتعاً. فتصبح براعة الخلق الفني مستقرة وفي العبارة ذاتها.
وعليه أقول ليس هناك لغة خاصة بالشعر أو الشاعر دون آخر وإنما هنالك جودة استخدام وقدرة تطويع للكلمة وبذلك يظهر التفاوت بين الشعراء في شعرهم فخذ مثلاً كلمة الطير قد تبدو غير صالحة للشعر لكن إيليا أبو ماضي استخدمها في موضعها الملائم في قوله عن الإنسان الذي نسي أصله فتكبَّر وتجبَّر يقول:
نسي الطير أنه طير
حقير فصال تيها وعربد
س: / ما هي روح الشعر أو الشاعر. كيف ندركها ونفهم معناها؟.
ج: / روح الشعر تمثل تعبير الشعر عن الحياة كما يحسها الشاعر من خلال وجدانه.
وتصوير لانعكاسات نفسه يقول توفيق الحكيم الشاعر في روحه مثل القمر لا ينقل إلينا أشعة الشمس في حرارتها. ولكن يتلقى بعض أشعتها ويصفيها من خلال نفسه ويعرضها علينا بعد ذلك ضوءاً جميلاً ترتاح له العبر ويسر له القلب وكذلك الشاعر في روحه لا ينقل إلينا صور الحياة نقلاً مباشراً لكنه يعطينا إياها ممزوجة بروح طبعه ومرحه ونظراته الخاصة إلى ما يحيط به من كائنات.
إذاً فنحن نفهم روح الشاعر فهماً لروح شعره ويختلف هذا الشاعر عن الآخر باختلاف المزاج والطبع ذلك أن لكل شاعر أديب تكوينه النفسي وبيئته الطبيعية والاجتماعية ولأثر الثقافة في عقله وروحه النصيب الكبير بحيث يجعل له تفكيراً خاصاً وكل ذلك يؤثر في أسلوبه.
وهناك خطأ شائع وهو أن الشعر ليس مجالاً للأفكار. والحقيقة أن الشعر الجيد الحسن غذاء لأرواحنا عن طريق ما فيه من أفكار يعرضها الأديب الشاعر عرضاً جذاباً فنستطيع أن نقرأ عدة دواوين شعرية في مثل الوقت الذي نقرأ فيه كتاباً واحداً علمياً وهذا طبعاً إذا كان الشعر من الشعر الذي يقرأ.
س: / لماذا كان وما زال الشعر أنجح الفنون منذ الجاهلية وحتى تاريخنا الحاضر؟
ج: / لأن الأدب العربي برز إلى الوجود بانفجار شعري على حد قول الدكتور حتى وهذا الانفجار الشعري شديد الانسجام مع طبيعة العربي. وبسبب هذا الانسجام الشديد كان الشعر شديد التدفق ينشده العرب في مسامراتهم ومواسمهم في مفاخراتهم ومنافراتهم في غزواتهم وحروبهم حتى كان ديوانهم وخزانة أخبارهم وقديماً قال أبو هلال العسكري (لا تعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها وبلاغتها ويكفينا في الحديث النبوي الشريف (أن من البيان لسحراً وأن من الشعر لحكمة).
وقالت أيضاً مجموعة من القدامى وهم من فحول الشعراء واللغة وصنعة الأدب (كل أمة تعتمد في استيفاء مآثرها وتحضير مناقبها على ضرب من الضروب وشكل من الأشكال وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفى وكان ذلك هو ديوانها والشعر في فنونه يفيد فضيلة البيان على الشاعر.
والشعر كان وما زال من أنجح الفنون وأكثرها ثباتاً وتخليداً لأنه مفسر للنفس فإذا نظرنا إلى استخدام التشبيهات والاستعارات وهي تشكل جانباً عظيم الأهمية من صور الشعر وجدنا عمود الشعر يشدها إلى المنطق.
والشعر شعور وطاقة والطاقة هي التي تفجر الحدود الداخلية في الشاعر وتطلق فيه قوى الإبداع قوى عديدة. وهم يقولون إن الحزن أخطرها لأنه ينشأ عن سخط عميق وحنين إلى وجود آخر لهذا كله كان الشعر وما زال أنجح الفنون وسيبقى كذلك ما بقيت هذه اللغة الشاعرة.
س: / يقول النقاد يجب أن يعتمد الشاعر على التجربة الصادقة. بمعنى أوضح وأشمل أن الشاعر الذي يعيش تجربة ما يستطيع أن يجسدها أكثر من أي شاعر آخر لم يعش تلك التجربة فما تفسير هذا بالنسبة إليكم؟
ج: / النقاد المعاصرون وكذا القدامى لم يقولوا بوجوب اعتماد الشاعر على التجربة الصادقة ذلك لأن مفهوم التجربة هو الانفعال الصادق بالموضوع وإنما قالوا صدق الشعور هو أساس التجربة الشعرية أياً كان موضوعها..
فإذا سيطر على نفس الشاعر موضوع، أو فكرة، أو مشهد من مشاهد الحياة فتأثر به واستغرق فيه أو اندمج فيه بوجدانه وفكره فهذه هي التجربة وليس من الضروري في صدق التجربة أن يكون الشاعر قد عاناها في عالم الواقع فقد يتناول عالماً خيالياً وهو ما وقع لمئات من فحول الشعراء ويحضرني في حيني قول جبران خليل جبران في قصيدته البلاد المحجوبة:
يا بلاداً حجبت منذ الأزل
كيف نرجو؟ ومن أين السبيل
أي قفر دونها أي جيل
سورها العالي ومن منا الدليل
فهو يتحدث عن العالم الأفضل الذي يتخيله. ومع ذلك فهو صادق في تجربته.
س: / يقال إن بعض الأدباء والشعراء السعوديين. أدباء فترة ومناسبة ماذا تقولون نحو هذا الرأي؟
ج: / الذين يقولون ذلك هم أبعد الناس عن الشعر ومعاناة الشعر.. ومشكلتنا هنا أننا دائماً نستورد النقد دون أن يفهم معنى النقد في الوقت الذي لا نقرأ من شعر هذا المتهم شيئاً..
ويؤسفني إذا قلت إن كل الذين يطلقون نص سؤالكم لم يسمحوا لأنفسهم بعد أن يتعرفوا أو يتلمسوا ما عند الأدباء أو الشعراء من شعر حتى شعر ما يسمونه شعر مناسبات ودعنا هنا نطرح رجعة سؤالهم لنسألهم ماذا يعنون بالمناسبات.. ألم يكن الشعر كله إلا قليلاً شعر مناسبات؟ خذ مثلاً دواوين فطاحل الشعراء - كالمتنبي، والبحتري، وأبي تمام، وابن هاني الأندلسي وبشار وابن الرومي وغيرهم كثير، لتجد أن غرر قصائدهم هي قصائد المناسبات وأزيدك معرفة أن مطالع شعر المناسبات وبالذات عند المتنبي والبحتري وأبي تمام ثم من بعدهم شوقي وحافظ وقبلهم البارودي هي من أروع المطالع في الماضي والحاضر فهلا اطَّلع هؤلاء - على ذلك ليقولوا - إن شعر المتنبي وأبي تمام وشوقي شعر مناسبات.
س: / وماذا عن النواحي الإبداعية في الشعر؟ كيف نلمسها ونجدها في الشعر؟
ج: / الشعر عند العرب ديوان تاريخهم وصفحات أمجادهم وسجل حكمتهم ومتنفس صدورهم ومنتجع لياليهم الحالمة وأسمارهم العامة ولكن هل كل العرب يدركون الشعر؟
والنواحي الإبداعية في الشعر كثيرة ومتعددة ويختلف عليها الاثنان وربما الثلاثة وما فوق ذلك أكثر لكن الشعر المبدع أو الإبداع في الشعر بصورة عامة هو هذا الخلود الذي يستكن فيه الشعر وها نحن عبر مئات القرون نكرر قراءته ونحتفي بمحاسنه وقيمه ورقيق لغته، نستمتع به لأنه روى العقل نستخرج منه الحكم والمعارف. ويبصرنا بمواطن الاتعاظ والرؤية البعيدة قد يكون هذا هو بعض إبداعات الشعر من وجهة نظري وفق فهمي للشعر ذلك لأن الشعر شعور وإحساس يلقح بعضه بعضاً ولأن في مقدور الشعر الإبداعي أن يهيئ لدى سامعيه متعاً أخرى أرقى اتصافاً وأصفى طبيعة وأدوم بقاء وأروع جلالاً في النفس والفكر معاً.
والشعر المبدع أو الشاعر المبدع بشاعريته في قوافيه هو الذي أعد بطبيعته ليبعث في الإنسان الشاعر والفاهم سروراً لا ينقطع.
والشاعر الحق في تدفُّقه أينما وجَّه النظر صادف موضوعاً لخواطره ونواظر الإنسان الشاعر وحواسه هي بحق الدليل الأمين فيما يعالجه فإذا جاد ذلك أصبح شعره من ضروب المعرفة بأسرها هو الأول والآخر فكان شاعراً مبدعاً.
س: / الشعر المسرحي أين هو في الأدب السعودي؟
ج: / حيث يوجد المسرح - يوجد الشعر المسرحي وحيث يفتقد المسرح يفتقد الشعر المسرحي - والشعر المسرحي والرواية التمثيلية صنوان - يجمعهما المسرح - في المسرح تدور حوادثهما - يقوم بها طائفة من الناس ويقلدون ما يجري في الحياة أو ما جرى في التاريخ تقليداً حياً يعيد سير تلك الحوادث عن طريق الحركة والحوار.. والغريب أن الكثير منكم يتصور أن العرب الأقدمين لم يعرفوا الفن التمثيلي ويستدل بخلوِّ الأدب العربي من فن الرواية التمثيلية وخلوِّه من الشعر المسرحي وهنا أقول إن هذا جهل بالأدب العربي رواية وشعراً.
ولنسأل أنفسنا جميعاً هل بحثنا هل نقَّبنا هلا تمعَّنا كل أدبنا العربي نثراً وشعراً ورواية - إن لنا من كنوز تراثنا ومعالجته لكل فنون الحياة ما لو وجد من يدرسه وينفض عنه غبار المكتبات وأرفف المتاحف وخزائن المخطوطات في الشرق والغرب لأصبحنا بأدبنا شعراً ونثراً ورواية تمثيلية الأسبقين والأولين في كل ما تسمعونه اليوم من فنون وآداب وتمثيليات ولكن.. ماذا عساني أن أقول.. لست أدري.. لقد وضع أدبنا بذور هذا الفن في بعض طقوسه القديمة.
وما نجده أيضاً في الأدب العربي القديم من بعض الحوار في شعر بعض الشعراء من مثل امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وغيرهما وما ألفه أيضاً الطبيب المصري شمس الدين الخزاعي قبل ستمائة عام من الهزليات. وما كان يقوم به بعض الندماء والمضحكين لتسلية الخلفاء مما لم يخل من ظلال مسرحية وهكذا فمن بذورنا التي غرسناها اقتطفها الغربيون وطوروها ثم أعادوها إلينا مع استعمارهم إلى لبنان عام 1817م وأول من عالج فيها الفن المسرحي نثراً وشعراً (مارون النقاش) ومات النقاش - فهبَّ الكتاب والأدباء إلى معالجة الفن المسرحي وأنشأ الخديوي إسماعيل في القاهرة (الأوبرا الملكية) ومن هناك كانت الانطلاقة للشعر المسرحي في مصر وبعض بلدان الدول العربية الأخرى ومنها المملكة ممثلة في بعض شعرائها وإن لم تكن هناك مسارح.
س: / لماذا يفتقد الأدب السعودي إلى الملاحم الأدبية؟
ج: / لا غضاضة في ذلك ولا ينقص الأدب السعودي افتقاده إلى الملاحم فما كان الإبداع في يوم من الأيام طول القصيدة أو قصرها وإذا كنت ممن يؤمن بأن أحسن الشعر أكذبه، فإن أكذبه وأكثره خيالاً مغرقاً هو تلك الملاحم التي طبَّل لها أدباء الغرب ثم تبعهم المستغربون من أبناء عروبتنا وهذه الملاحم هي (الإلياذة) و(الأوذيسة) و(أنشودة رولان الفرنسية) وكما يقول المؤرخون إن أكثر الملاحم العالمية نشأت وظهرت في مطلع تواريخ الشعوب وقد ظهرت الأولى منهن يوم كانت الأساطير ممتزجة بحياة الشعوب. ويوم كان الوعي في بدء تفتحه.
وأما ما ظهر في العصور المتأخرة فقد كان تقليداً وعملاً فنياً أكثر مما كان اعتقاداً وإتقاناً، والملاحم القديمة رافقت عادة طفولة الشعوب. لأن البداءة أقرب إلى الحماسة وسياق أخبارها. ولأنها أشد تقبلا ًللأساطير والإيمان بها والتمسك بأهدافها. وكلما تقدَّم الإنسان في طريق الوعي والمدنية ابتعد عن التغنّي الصبياني بالأمجاد وإن بقي ميالاً إلى مظاهر القوة واستذواق الأخبار الأسطورية.
ولو أن مقارناً - أراد أن يجعل موازنة أدبية بين الملاحم القديمة الغربية التي طبَّل بها ولها الأدباء الغربيون ومن نهج نهجهم وتذوَّق بذوقهم لشعر الملاحم العربية القديمة لرأى اختلافاً كبيراً بين ملاحم الشعر العربي الحكمي التعليمي وملاحم الشعر الغربي الأسطوري الخيالي..
يرتكز فكر الملاحم العربية على نبع (الميثولوجيا) وهو الذي يرفعها إلى مستوى الخوارق البعيدة عن واقع الأفراد والجماعات البشرية والقريب من عالم الأساطير حيث تمتزج الحقائق الماورائية بالحقائق الخيالية.
بينما يرتكز فكر الملاحم العربية إلى الالتصاق بالواقع الحسي يعالجونه فتصرفهم المعالجة عن التخيلات الميتولوجية والانفلاتات الخيالية الأسطورية التي يراها الجانب الغربي ضرورة لا بد منها لنظم الملاحم. والغريب أنهم يهيمون بهذه الخيالات المفرطة في الضلال ولا يحاولون أبداً أن يتلمسوا مثلاً خيالاً يهديهم أو يساعدهم على التعرف بحقائق الرسالات السماوية وما جاءت به الرسل من أوصاف الجنة والنار وأهوال يوم القيامة وعاقبة الظلم والسباحة في الظلام وجبروت القساة والفجرة إلى غير ذلك، فإذا قلت لهم إن وحي الرسالة المجد واقع وثابت في الحياة ودليل قطعي للترشيد إلى الأخرى - أجابوك بما لا يتسع له المقام هنا حيث يطول ويطول وإذا قلت لهم، كيف تنعشكم إذاً - إلياذة (هوميروس) حتى مرحلة الجنان - قالوا لك.. أنت لا تعرف الخيال؟
والشعراء العرب يفرضون أن لزيارة الطيف حقيقة وأنها في النوم كاليقظة فلا بد مع ذلك من العجب مما تعجبوا من طي البعيد من غير ركاب وجوب البلاد بالأصحاب (1) .
قالوا: ومن المعاني المقصودة في طيف أو خيال الطيف أن يلم بذكر ماهيته وسببه والمقتضي لتخيله وتصوُّره - كما قال أبو تمام.
نم فما زارك الخيال ولكن
بالفكر زرت طيف الخيال
والعرب في ملاحمهم الشعرية يذمون طيف الخيال حين يكون باطلاً وغروراً ومحالاً وزوراً إذ لا انتفاع بما لا أصل له وإنما هو كالسراب اللامع وكل تخييل فاسد يذم لأنه سريع الزوال وشيك الانتقال.
وعليه: فأي خيال يا ترى حيث تختلط الآلهة بالبشر والملائكة والجن والشياطين بمردة الناس وهذا هو ما تذكره الملاحم الغربية التي يعتبرونها في قمم آداب الشعوب، عجيب وأي عجب، متى كان الفكر الوقاد المفرز للمعاني الأدبية الراقية يسقط في حومة الخيال الذي يعكس الحقائق إلى أباطيل.. فيأتي من يحلل ويشرح فيقول هذا هو الأدب الرفيع الذي لم يعرفه العرب..
وأغرب من الغريب أن إهمال المستشرقين والمستغربين من تلامذتهم أهملوا الملاحم العربية إهمالاً تاماً ولأن هذا قد يكشف جهلهم قالوا فيها إنها نسخ منقولة دون إضافة من نتاج شعوب أخرى - ثم اعتبروها من سقط القول الذي لا يعتد به أما أن بعضهم اهتم بها فإنما كان اهتمامه من حيث كونها مادة ((فولكلورية)) فحسب. وهذا الموقف غريب لأنهم في الحقيقة أعني أدباء العرب - اعترفوا بملاحم اليونان وهي أساطير واعتبروها من القمم الأدبية وأنكروا الملاحم العربية قديماً وحديثاً واعتبروها من سقط القول الذي لا يعتد به - لأنها حقائق ويكفينا أن تكون ملاحمنا حقائق وملاحمهم أساطير.. والمذهب العلمي الحديث والقديم هو الحكم بين الحقائق والأساطير.
وهذه حقائقنا في أكثر من خمسين ملحمة في العصور الجاهلية والإسلامية والعصور الوسطى والحديثة حتى يومنا هذا - فليبحث عنها شباب الأدب إذا أرادوا معرفة ملاحم الأدب الحقيقية لا ملاحم الأدب الأسطورية فالحياة واقعية والأدب من واقع الحياة ولا مجال فيها للتلهّي ومحاكاة الأساطير وإنما المجالات متعددة للخلق والإبداع المحسوس لدينا الواقع والحقيقة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :788  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 393 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.